إذا سمعته يتحدث عن "ماركس" ستلاحظ اختلاج شفتيه وحماسه الواضح رغم هدوئه وانخفاض صوته، إذا تحدث عن "الرأسمالية" ستلمح فى عينيه نظرات واثقة تؤكد لك اقتراب النهاية رغم أن الواقع لا يبشر بذلك.
هو آخر المدافعين عن "ماركس" وعن حلمه المفقود فى عالم توحش بالرأسمالية، الاقتصاد عنده ليس مجرد علم أفنى فيه عمره، إنما هو حجر تبنى عليه باقى العلوم، إليه يتطلع ومنه ينطلق مفسراً باقى الظواهر السياسية والاجتماعية والثقافية منها.
إنه سمير أمين المفكر الاقتصادى الماركسى الكبير الذى ولد فى القاهرة عام 1931 وشاء له القدر أن يولد لأب مصرى وأم فرنسية، هى التى ساعدته فى الحصول على شهادته الثانوية من المدرسة الفرنسية عام 1952 ومن ثم السفر إلى باريس لدراسة الإحصاء والاقتصاد، ولأن العلوم السياسية هى أرض تنبت فيها ثمار الاقتصاد فقد حصل "أمين"على دبلوم العلوم السياسية عام 1952 قبل أن يحصل على شهادته فى الإحصاء. وانضم عام 1957 إلى الحزب الشيوعى الفرنسى، إلا أن الماركسية السوفيتية لم تثر إعجابه، وكان أمين مقرباً إلى الحلقات الماوية فى الحركة الشيوعية. كما عمل أمين مستشاراً اقتصادياً فى مالى والكونغو برازافيل ومدغشقر وغيرها من الدول الأفريقية، كما عمل مديراً لمعهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادى IDEP بداكار لعشر سنوات طوال السبعينات، حيث تصدى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، وشارك أثناء عمله هذا فى تأسيس منظمات بحثية وعلمية أفريقية مثل المجلس الأفريقى لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث والذى يترأسه حاليا. قدم أمين مجموعة من القراءات لعدد من القضايا الأساسية، مثل العلاقة بين المركز والأطراف، التبعية والعوالم الأربعة، ومحاولة لتجديد قراءة المادية التاريخية وأنماط الإنتاج.
له العديد من المؤلفات والإسهامات التى أثرى بها المكتبة العربية تقترب من الـ23 كتاباً باللغة العربية ناهيك عن مؤلفاته بالفرنسية.
وهو واحد من أكبر منظرى العولمة ويعد مرجعاً أساسياً فى هذا الشأن، وحدد ثلاثة ملامح أساسية للعولمة الجديدة وهى "عسكرة العولمة" و"الاستعمار الجماعى" وهو ما دفعه لوضع "إستراتيجية لمواجهة تلك العولمة التى تصارع ولا تقبل المنافسة"، كما صدر له مؤخراً كتاب بعنوان "فى نقد الخطاب العربى الراهن" تعرض فيه للعديد من الإشكاليات التى تفت فى عضد واقعنا الراهن فانتقد "خطاب الرأسمالية" التى تحاول تعميم ونشر اتجاهها على أنه حل أمثل لكل المشاكل التى تواجه العالم المعاصر، وانتقد أيضا "خطاب القومية العربية" الذى يعيب فيه على التيارات القومية إغفالها للعلاقة الحاسمة التى تربط بين النضال من أجل إنجاز الوحدة العربية والصراع الطبقى ويرى أن إنجاز الوحدة أمر مرفوض دون الخروج من مأزق الرأسمالية، ولم تسلم ظاهرة "الإسلام السياسى" هى الأخرى من تحليلات "أمين" ورأى أن الإسلام السياسى ظاهرة حديثة، وليس استمراراً لظاهرة قديمة.
وقال إن جميع المذاهب والحركات النشطة فى العالم المعاصر والفاعلة فى المجالات المختلفة الأيديولوجية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية هى «حديثة» «لأنها بكل بساطة لا يمكن فصلها عن واقع الرأسمالية» لكن تبقى المشكلة فى ضرورة تحديد معناها وتوضيح أوجه التباين بينها.
لذلك لم يكن غريباًَ أن تتوج جهود مفكرنا الكبير بجائزة "ابن رشد" فى حرية الفكر لهذا العام" على جهوده فى تطوير اقتصاديات الدول النامية وخاصة العالم العربى وجهوده فى التصدى لتداعيات الأزمة العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة