نهضة مصر هى أمل كل المصريين وبدون مشاركة الشعب مع قياداته لن تنهض مصر. يشارك الشعب ويدفع مع قياداته عندما يملأه الإحساس بالانتماء وأن الوطن ليس ملكاً للقيادة وحدها وعندما يوقن أن صوته مسموعاً تماماً من خلال صندوق الانتخابات ومن خلال ممثليه الذين اختارهم بإرادته الحرة فى مجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية.
وبالمثل عندما يوقن الشعب أنه الفيصل فيما يولى عليه بالانتخابات بدءاً من عمدة أصغر قرية مروراً برؤساء المدن وحتى المحافظين ورئيس الجمهورية. هنا يتملكه الشعور بالانتماء ويبدأ الحراك الشعبى البناء الذى يولد طاقة هائلة تدفع مع القيادة نحو النهضة.
عند تأملنا للحالة السياسية المصرية الراهنة نجد خللاً شديداً أوله حالة استقطاب حاد بين حزب طاغى الوجود وقطب محظور ولكنه موجود وبقوة ويمارس بدون قيد أو شرط كونه يعمل خارج إطار القانون وبينهما أحزاب هامشية لا ثقل لها تعمل فى ظل كل قيد وشرط.عندما يسود هذا الخلل الشديد حياتنا السياسية ويحرم الناخب من اختيارات أخرى عديدة يجب أن تتوافر أمامه وتسود حالة استقطاب حاد بين قطبين اثنين فقط أحدهما محظور هنا تظهر الفزاعة فى صورة السؤال، "وماذا لو فازت الجماعة المحظورة" ويظهر أثرها المدمر فى صورة شلل بدلاً من حراك سياسى حر بناء. وطالما بقى تهميش الأحزاب الأخرى غير الوطنى سيعنى ذلك حصر الاختيار بين الاثنين فقط وبقاء الفزاعة التى ستجعل القرار بنزاهة الانتخابات صعباً جداً مما يطعن فى جدوى العملية الانتخابية من الأصل وفى أى ثقة مكتسبة فيها ويرتد أثره فى صورة انعزال الشعب عن قيادته وعزوفه عن المشاركة.
ثانية هموم السياسة المصرية هى حالة الاستحواذ الطاغى لحزب متضخم دانت له كل مصادر التمويل ودانت له حكومة الحزب بعد أن كان حزب الحكومة ودانت له طبقات الإدارة من أعلاها وحتى أدناها فى أصغر وحدة محلية، وبالتالى له أغلبية كاسحة فى مجلس الشعب تمرر منفردة تقريباً كل ما يراد منها، إذ قورن ذلك بوضع الأحزاب الأخرى التى تعمل تحت كل قيد وشرط حبيسة مقارها والتى تجد صعوبة فى مجرد توزيع ورقة باسم الحزب ناهيك عن عقد مؤتمر شعبى، عندما تتعجب ولماذا سمح أصلاً بتأسيس أحزاب ويزداد عجباً عندما يتضح إلى أى مدى تعانى تلك الأحزاب من ضآلة الميزانية وضيق الموارد مما يضيق على كل نشاط فيها فى حين يتمتع الحزب الوطنى بميزانية جبارة وجاذبية طاغية لكل من يريد أن يتبرع من رجال الأعمال وغيرهم.
على النقيض من هذه الجاذبية الطاغية هناك تنفير وتضييق نفسى غير منطوق به على كل من تواتيه فكرة تدعيم حزب معارض فمن هو الذى يغامر بمصالحه. على جانب هناك عملاق ينمو باطراد وتزداد قدراته وفى المقابل جماعة محظورة تستفيد من العمل بدون قيد ولا شرط خارج القانون وبينهما تقريباً لا شىء.
ومما يدعم وضع الاستحواذ الطاغى للحزب الوطنى على الحياة السياسية هو التقييد الشديد على حركة تكوين الأحزاب والذى فرض لمنع قيام أى أحزاب قد تشكل غطاءً لحركة الجماعة المحظورة أو قد تحمل تهديداً مستقبلياً لذلك الاستحواذ. وكانت النتيجة أنه فى ظل الصعوبة الشديدة أمام من ينشق داخل الأحزاب ليشهر حزباً جديداً فإن أى صراع يتحول إلى صراع حتى الموت تقريباً والمقصود هو موت الحزب طبعاً.
ثالثة نواحى الخلل الجسيم فى الحياة السياسية المصرية هى نقائض العملية الانتخابية والتى أدت عدم القدرة على مجاراتها إلى انسحاب غالبية الشرفاء من النخبة المثقفة وإلى تهميش فئات من المجتمع ومنهم المرأة.
أهم هذه النقائض وقد خبرتها بنفسى فى تجربة سابقة هى ظاهرة شراء الأصوات بالأموال والعطايا جهاراً نهاراً بدون تدخل من الدولة وينشط سماسرة الأصوات ليحولوا الانتخابات إلى بيع وشراء ويحولها البلطجية إلى ميدان للعنف يوم الانتخابات وبين هذا وذاك يفقد الشرفاء من النخبة أى قدرة على التواجد، فالملعب ليس لهم والمؤسف أنهم يعتمدون على كتلة الناخبين المتنورين غير الموجودة تقريباً بهذا الملعب فقد انعزلت من قبل وفقدت الثقة فى قيمة أصواتها. يضاف لذلك الجهد الفائق والذى يتطلبه النظام الفردى فى الانتخابات، بالإضافة لمصروفات الحملة الانتخابية والتى لا تقل عن مئات الآلاف من الجنيهات والتى قد يعجز الكثيرين عن تدبيرها.
إن تمكين النخبة والمرأة والأقباط من المشاركة الفعالة فى بناء النهضة بمصر لن يأتى إلا بالقائمة النسبية كنظام لانتخابات نزيهة تدخلها أحزاب تشارك مع مرشحيها فى حمل عبء الحملات الانتخابية وتتمتع بحرية تامة فى الحركة مع إزالة القيود النفسية التى تمنع تمويلها من تبرعات رجال الأعمال المؤديين لها.
هنا لن تكون هناك حاجة لمقاعد خاصة للمرأة ولن يكون هناك إقصاء للنخبة القادرة على حمل مسئولية النهوض بمصر. علينا أن نواجه الواقع بإصلاح جذرى لنقائص الحياة السياسية المشار إليها مع إلغاء نسبة الـ50% عمال وفلاحين والتى تم فرضها طبقاً لمقتضيات مرحلة سابقة، ولكن تم تقدسيها والسكوت عنها فى تغييب لمصلحة الوطن وافتئاتاً على مستقبله.
إن إصلاح الخلل الجسيم فى الحياة السياسية المصرية مع النزاهة التامة للانتخابات لهو ذو أولوية شديدة الضرورة، لأن هذا الخلل يصيب الأساس الذى تبنى عليه مسارات إدارة الحياة فى مصر ويجعل الأمل فى نهضتها أكثر بعداً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة