ماذا ستفعل إسرائيل إذا لم تؤد المفاوضات الجارية حاليا أو تطبيق العقوبات إلى تخلى إيران عن برنامجها النووى؟ هل ستطبق "مذهب بيجن" الذى يقضى بحظر امتلاك قدرات نووية على دول الشرق الأوسط قد تهدد الوجود الإسرائيلى؟ هذا "المذهب" الذى طٌبق للمرة الأولى فى يونيو 1981، عن طريق تدمير موقع أوزيراك العراقى، ثم للمرة الثانية فى سبتمبر 2007 عندما دمرت القوات الجوية الإسرائيلية الموقع السورى المشتبه فى ضمه لمحطة نووية.
سؤال طرحه المحلل السياسى سامى كوهين فى صحيفة "لوموند" مسلطا الضوء على المعضلة التى تواجهها إسرائيل بين خيار الحوار والهجوم.
يقول كوهين إنه على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلى قد كرر ضمنيا التزامه بما أطلق عليه "مبدأ بيجن"، يوم الاحتفال بذكرى المحرقة فى 21 أبريل 2009، عندما قال: "لن نسمح لأولئك الذين ينكرون المحرقة بارتكاب واحدة أخرى"، إلا أنه ولأول مرة فى تاريخ وجودها، اختلفت نظرة إسرائيل لـ"مبدأ بيجن" الذى باتت ترى فيه أنه يملك عيوبا مثلما يملك مزايا وأن حصول إيران على النووى شر لا يمكن اجتنابه، لا سيما وأن هناك شعورا بالقلق يكمن وراء الخطاب الرسمى الإسرائيلى الذى يبدو فى مظهره حازما.
ويفسر كوهين تطورهذه الرؤية الإسرائيلية بشأن التعامل مع الوضع الجديد المحتمل فى إيران من خلال ثلاثة عوامل رئيسية.
أولا، وجود رؤية إسرائيلية مختلفة "للتهديد الإيرانى"، بدأت تعارض بشكل متزايد فكرة الاعتقاد فى أن رغبة النظام الإيرانى هى تدمير إسرائيل، وتظهر هذه الرؤية لدى أوساط الخبرة الاستراتيجية الأكثر "عقلانية"، التى ترى أن الخطاب السياسى الإسرائيلى يخيف الإسرائيليين، بدلا من طمأنتهم.
ويمثل وزير الدفاع، ايهود باراك، صورة هذا التطور فى التفكير الاستراتيجى، حيث نأى بنفسه عن لهجة رئيس الوزراء المحذرة قائلا فى منتصف سبتمبر : "إن إيران لا تشكل تهديدا لوجود إسرائيل".
يرى هذا الفريق أن مشروع إيران السياسى الأساسى ليس تدمير إسرائيل، حيث يعلم الزعماء الإيرانيون أن هذا الأمر مستحيل فى ظل توازن القوى الحالى بينهم وبين إسرائيل، كما أن دعمهم للقضية الفلسطينية سطحى، ومن ثم فهم لن يدخلوا فى حرب من أجل هذا السبب الضعيف، بالإضافة إلى أن إيران لا تخشى إسرائيل بقدر ما تخشى القوى النووية فى باكستان والهند والصين.
وبالنسبة لتهديداتها اللفظية، فإن الغرض الأساسى منها هو تخدير يقظة الدول العربية بشأن برنامجها النووى، من خلال محاولة توصيل رسالة إليهم، مضمونها هو "أن القنبلة الإيرانية المستقبلية لا تستهدفهم وإنما تستهدف إسرائيل"، ويبدو أن هذه الاستراتيجية، على حد قول كوهين، قد حققت نجاحها، بما أنه ما من تحالف عربى قد عارض سياسة "الهيمنة" الخاصة بإيران.
ولكن كابوس إسرائيل الحقيقى بشأن حصول إيران على الأسلحة النووية يتمثل فى سباق التسلح الذى سينطلق فى الشرق الأوسط، خاصة فى مصر وتركيا، اللتين قد تحذوا حذو إيران.
كما أنه قد يصبح مصدر قلق كبير بين السكان الإسرائيليين، حيث سيشجعهم على الرحيل من إسرائيل، وهو ما أظهره استطلاع الرأى الذى أجراه مركز الدراسات الإيرانية فى جامعة تل أبيب، والذى أشار إلى أن 23 ٪ من الإسرائيليين يعتزمون مغادرة إسرائيل إذا حصلت إيران على قنبلة نووية.
ثانيا، يتفق الخبراء الإسرائيليون على أن إيران ليست العراق، ومن ثم فإن توجيه هجوم جوى مفاجئ ضدها لا يمكن أن يحدث، خاصة وأن المواقع الإيرانية- على عكس موقع أوزيراك العراقى الذى كان هدفا سهلا- مدفونة على عمق كبير تحت الأرض، وبعض هذه المنشآت يصعب على أجهزة الاستخبارات التوصل إليها، وهو ما يؤكده إزاحة الستار فى 24 سبتمبرعن وجود موقع نووى جديد بالقرب من مدينة قم.
كما أن هناك شكا حول قدرة القوات الجوية الإسرائيلية فى تدمير المنشآت النووية الإيرانية فى ضربة واحدة.
وبالتالى ففى حالة قيام إسرائيل بتحقيق نجاح جزئى فقط فى ضرب إيران لهو أمر من شأنه تقويض صورة السلاح الجوى الإسرائيلى وقدرته على "ضرب عدو مهما كان وأينما كان". كما أنه سيقوى من عزم قادة إيران فى مواصلة هدفهم حتى النهاية.
ثالثا، تغير موقف الولايات المتحدة الأمريكية، لقد كان زعماء إسرائيل يعتقدون بأن جورج بوش سيعارض بجميع الوسائل، بما فيها العسكرية، حصول إيران على النووى، وأن الولايات المتحدة، إذا لم تقرر مهاجمة إيران بنفسها، فهى إما ستساعد إسرائيل على فعل ذلك، أو على الأقل لن تعترض على قيامها به، بيد أن كلا من هذه الآمال قد تبخرت.
فقد أشار بوش فى نهاية ولايته إلى أنه لن يتخذ مثل هذا القرار ولن يمنح الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بذلك، خوفا من رد انتقامى إيرانى ضد القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط (خاصة فى العراق) ومن مضاعفة الإرهاب فى أفغانستان.
ومن ناحية أخرى، أصبح زعماء إسرائيل على قناعة بأن باراك أوباما أكثر معارضة لخيار القيام بعملية عسكرية ضد إيران من سابقه، حتى إنهم يخشون من أن المفاوضات التى يتبناها أوباما يمكن تسخيرها لخدمة إيران.
ويقول كوهين إن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لم تشهد مثل هذا التدهور أبدا منذ انتهاء حرب الخليج فى 1991، عندما أجبر الرئيس جورج بوش الأب الحكومة الإسرائيلية على المشاركة فى مفاوضات مدريد.
ومن ثم فإن احتمال قيام الحكومة الإسرائيلية باتخاذ قرار بشن هجوم دون سابق إنذار، وحتى ضد نصيحة الولايات المتحدة، أمر غير مرجح، وذلك لأنها قد تولد أزمة كبرى مع الولايات المتحدة وتهدد التعاون الاستراتيجى الحيوى بينها وبين إسرائيل.
أما فى حالة حصول إيران على الطاقة النووية، ستلعب الصلات الجيدة بينهما دورا قيما، لاسيما وأن الولايات المتحدة قد تزيد من مساعداتها لإسرائيل، وتدعم من قدراتها الدفاعية ضد الصواريخ، بل وقد توسع نطاق الأمن النووى الإسرائيلى، بإعلانها أن أى هجوم نووى ضد إسرائيل من شأنه أن يؤدى إلى رد نووى من جانب الولايات المتحدة.
ويقول كوهين إلى أن هذا التحول فى التفكير الاستراتيجى الإسرائيلى لم يغير فى الوقت الحالى من الخطاب الرسمى، الذى لا يزال يدور حول "التهديد الوجودى" و"مبدأ بيجن"، وذلك لأن الإشارة دائما إلى أن "إسرائيل تملك فى يدها جميع الخيارات" تبقى وسيلة الضغط المتاحة، التى لا يمكن التنازل عنها، وإلا فقد باراك أوباما نفسه كل وسائل الضغط ضد إيران.
ويتساءل كوهين: إذا فشلت الولايات المتحدة فى الحصول على تنازلات من طهران، هل يمكن لرئيس الحكومة الإسرائيلية عدم مهاجمة إيران دون أن يؤدى هذا إلى تقويض مصداقية التهديد الإسرائيلى؟ يرى معظم الخبراء الإسرائيليين أن هذه المصداقية بدأت بالفعل تتزعزع؛ حيث إنه لا يبدو حتى الآن أن أيا من تهديدات إسرائيل قد نجحت فى التأثير على القيادة الإيرانية، بالإضافة إلى أنها ليست المرة الأولى التى تنشر فيها إسرائيل تهديداتها دون وضعها موضع التنفيذ.
بيد أنه قد يكون من السابق لأوانه التفكير فى استحالة هذا الخيار، الذى قد يتم اللجوء إليه إذا اكتشفت المخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية مؤشرات على هجوم وشيك ضد إسرائيل.
ويذكر كوهين أن العديد من كبار الخبراء الإسرائيليين بدأوا بالفعل فى تخيل ما يمكن أن يحدث مستقبلا: كيف يمكن لإسرائيل التصرف فى حالة وجود دولة إيرانية نووية؟ كيف يمكنها حماية شعبها؟ هل عليها الخروج من سياسة "الغموض النووى" لتكشف على الملأ قدرتها على الردع؟ قد يكون هذا القرار صعبا، إلا أن الفكرة بدأت تكتسب تأييدا متزايدا.
ويخلص كوهين إلى أن المعضلة لاتزال قائمة أمام إسرائيل: ضمان مواقع حماية للسلطة السياسية من شأنها ضمان بقائها، وبالتالى تعزيز مصداقية قدرتها على توجيه ضربة؟ أم فتح حوار، ولو حتى غير مباشر، مع الإيرانيين، مماثل لذلك الذى كان بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة فى وقت الحرب الباردة، مع خطر التعرض لهجوم عرضى من صواريخ نووية؟
لوموند: إسرائيل تواجه معضلة فى التعامل مع إيران
الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009 09:10 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة