كلما جلست أمام التليفزيون المصرى وشاهدت البرامج الحوارية التى يقدمها، ينتابنى شىء من الدهشة، كيف يستطيع هؤلاء المذيعون الاحتفاظ بابتسامتهم الجميلة المتفائلة التى تعلو وجهوهم فى كل الأحوال رغم القضايا الخطيرة التى يناقشونها وهى غاية فى الأهمية، خاصة إذا ما تحدثوا عن الديمقراطية والحرية والتعددية الحزبية والبطالة ومشاكل الشباب ومشاكل الصرف الصحى ومياه الشرب الملوثة وكلها قضايا شائكة ومع ذلك لا يتخلون أبدا عن ابتساماتهم وتعلوا ضحكاتهم جنبات الاستديو، أما ضيوفهم الكرام أصحاب الياقات البيضاء، خاصة الشباب والفتيات، فهم فى غاية الأناقه والرقة لا تبدوا عليهم هموم الحياة ولا قلق الدراسة ولا خوف من المستقبل، بل هم مبتسمون متفائلون دائما.
فإذا ما انتقلت إلى البرامج الأخرى التى يقدمها إخواننا فى القنوات الفضائية الخاصة والعربية تبدلت الأمور إلى تكشيرة ونظرة بائسة على وجوههم حتى الضيوف برغم أنهم من نفس الشعب، مصريون لحما ودما، إلا أنك تلمح حالة القهر والإحساس بالظلم والخوف من المجهول تملأ عيونهم ومشاكل لا أول لها ولا آخر.
فإذا ما نتقلت إلى الصحافة وفكرت أن تقرأ صحفنا القومية تطالعك الصورة الضاحكة لرئيس تحرير كل صحيفة منها بما توحيه للقارئ أن الحياة جميلة ولونها بمبى وكلها تفاؤل وهو يكتب عن إنجازات الحكومة الخارقة والتى لو تحقق نصفها لكنّا الآن فى مصاف الدول الكبرى!!
فإذا قارنتها بصورة أى من رؤساء تحرير الجرائد المستقلة أو المعارضة تصدمك وجوه هائمة تبدو مهمومة بالرغم أنهم أصحاب مهنة واحدة ويكتبون عن قضايا وطن واحد نعيش عليه جميعا!!
أما إن كنت من هواة متابعة جلسات مجلس الشعب، فستصاب بالاكتئاب من صيحات بعض النواب وهم يصرخون يطلبون الكلمة أو يعلقون على حدث من الأحداث بينما الأغلبية الواثقة.. المطمئنة.. الموافقة دائما.. يتبادلون الابتسامات، فإذا ما نظروا تجاه هؤلاء المعارضين، تجد نظرة الشماتة فى عيونهم ولسان حالهم يقول موتوا بغيظكم!!
فمن أين يأتى هؤلاء بهذه السعادة والطمأنينة؟ هل يرون أشياء لا يراها غيرهم؟؟
إننى أعرف أن هناك أدوية ممكن أن تعدّل من الحالة المزاجية للإنسان مؤقتا، إلا أننى لا أعرف ما هو الدواء الذى يجعل هؤلاء يبدون بهذه السعادة والتفاؤل بصفة مستمرة!!
فهل توصل السياسيون عندنا لهذا الدواء؟ وهل يحتفظ المسئولون عندنا بهذه التركيبة السحرية؟ هل يعطونها فقط لمحبيهم ومعارفهم ومن يسير فى ركبهم؟ وهل يتكتمون الحديث عنها حتى لايتكالب الناس على شرائها أم أن الحالة عندنا لم تصل بعد للوباء وبالتالى لا داعى للإنزعاج!!
وهل توافق الحكومة على صرف هذا الدواء للحالات الخاصة والأكثر اكتئاباَ من ضحايا الثانوية العامة والخريجين الذين مضى على تخرجهم أكثر من عشر سنوات وما زالوا فى انتظار الوظيفة التى لا تأتى أم المكافحين فى طوابير الخبز أم المقيمين أمام المستشفيات الحكومية؟ أم أن حكوماتنا ستفاجئنا بقرار توزيع هذا الدواء مجانا مثلما وزعّت شنطة الإسعافات الأولية على أصحاب السيارات!! أو تكون مثل شنطة رمضان توزع على فقراء الأمة!! أم أن حكومتنا الذكية ممكن تعملها وهى تعلم أن رفع الحالة المعنوية للشعب ليست فقط مهمة لسعادته بل تقوى جهاز المناعة وتساعد على مقاومة الامراض خاصة المستحدثة مثل أنفلونزا الخنازير!!
وتستطيع الدولة أن توفر ثمن ملايين الجرعات من التامفيلو الذى نحتاجه لمواجهة أنفلونزا الخنازير وتنفرد الحكومة المصرية بهذا الاختراع الخطير وتكون حلّت مشكلة تزعج العالم كله بهذا الدواء السحرى!! ياترى ممكن تعملها الحكومه؟؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة