حوار - وائل السمرى - تصوير: عمرو دياب
◄◄لو خاض فاروق حسنى معركته لليونسكو «بثوابته الوطنية» لاحترمه العالم.. واعتذاره لا يرضى وطنية أى وطنى لكن فى النهاية سقوطه سقوط لمصر
هنا عبدالرحمن الأبنودى.. الصوت صوت جبل عال، والملامح ملامح أرض عفية، والنظرة نظرة حكيم هده التنبؤ وتعبته غفلة الناس، والضحكة ضحكة طفل يزهو بذكائه و«شقاوته» ساخرا من «تكشيرة» الكبار، هنا عبدالرحمن الأبنودى.. تاريخ من الشعر والألم والغناء والفرح والانتصار والانكسار.
هنا عبدالرحمن الأبنودى حالة من الشعر والشجن والانتشاء بالذات والفخر بها، والضحك من غير قيود ولا شروط رغم أنه قال «الابتسام بقى عزيز الحقوا صورونى وأنا بابتسم الضحكة بقت صعبة أصعب من الرغيف على الجعان والوش ماعادش بيقبلها بسرعة زى زمان».. هنا عبدالرحمن الأبنودى.. ببيته بالإسماعيلية كان ميعادنا وما أطيب لقاء الأبنودى بميعاد أو بدون «بعدما تعدى الكارته أتصل بيا وأنا أقولك توصل إزاى لمقبرة الأفيال اللى أنا قاعد فيها».. هكذا كان وصفه لبيته الذى يحسده عليه الكثيرون، عبرنا «الكارته» ودخلنا طريق الإسماعيلية ثم قرية «نفيشة» (اسمها هكذا وليس نفيسة) ثم جاء اتصاله: أنت فين يا سمرى؟ فقلت: عند قرية نفيشة فقال: هتلاقى مزلقان عديه كنت وقتها أمر عليه فقلت له: خلاص أنا عديت المزلقان، فقال: الله.. عديت المزلقان.. يا سلام.. حلوة «عديت المزلقان» دى.. والله تنفع مطلع أغنية.
قراءة الوجه مثل قراءة الكف، ووجه «الأبنودى» إن رأيته تستطيع ببساطة أن تقرأ ماضى مصر وحاضرها وطالعها، سألته: مين يونس اللى خليت محمد منير يغنى له ومين عزيزة؟ فقال: يونس ده أنا وأنت وكل الباحثين عن الحرية مهما كان ثمنها، واللى مابيرضوش بالسجن ولو كان فى قفص من دهب، واللى بيحبوا الحرية ولو كانت توهة فى الصحرا.
قلت: الكثيرون اعتقدوا أنك تؤسس لأسطورة جديدة، فيها مصر هى عزيزة ويونس هو الشاعر، بدلا من أسطورة «بهية وياسين».
فقال: لا أبدا.. عزيزة كانت بتحب يونس، ويونس ماكانش بيحبها لأنها سجنته، لكن للأسف إحنا حبينا مصر ومصر ماحبتناش، رديت: بجد؟ فقال: مصر الرسمية طبعا ماحبتناش، لكن مصر الحقيقية كانت معانا فى السجن.
سألته: لماذا هجرت بيتك بالمهندسين وجئت إلى «مقبرة الأفيال» قال: حكم الدكاترة يا ابن عمى هما اللى قالوا لى سيب القاهرة وعيش فى مكان فيه خضرة عشان الصحة خلاص مابقتش تستحمل، وكمان أنا فلاح قديم، وكان صعب عليا أسيب كل خبرتى الفلاحية تروح هباء، فاشتريت هذا الفدان وكان أصله بركة، وحينما رأتها زوجتى نفرت، لكنى «من وراها» ردمتها وزرعتها أشجار مانجة، لأنى أنا اللى كتبت «آه يا ليل يا قمر والمانجة طابت ع السجر» وهذه الأغنية يتوارثها الفلاحون، فهم هنا يعتقدون أن المانجة تطيب على القمر، وحينما تمشى بالليل سترى أن ثمرة المانجة بها ضوء خاص، وتستطيع بسهولة أن تميز لونها المضىء عن لون ورق السجر المطفى.
صوت الأبنودى يخفت ويكسوه الحزن، مسترسلا يقول: للأسف منذ أكثر من خمس سنوات والمانجة هنا أصبحت «وباء» وليست محصولا، لدرجة أن الناس هنا أصبحت تقطع السجر وتزرع مكانها شتلات يبيعوها بخمسة أو بعشرة جنيه للمزارع الجديدة بتاعة الأفندية البهاوات، لأن المحصول بقى قليل، ولأن المنطقة أصيبت بما يشبه المرض الذى دمر زراعتها وجعلها تتسول لقمة عيشها، قلت له: هل للرى بمياه االصرف الصحى دخل فى هذه المنطقة هى الأخرى؟ فأجاب: لا مياه الصرف الصحى ملهاش دخل، السبب فى ده إسرائيل، الفلاحون هنا يعتقدون أن إسرائيل هى التى دمرت زراعتهم وسربت لها «إيدز النخيل» الذى ينخر فى نخلهم وأشجارهم فتصبح هيكلا عظميا مريضا، وبدلا من أن يملأها الخير يملأها السوس، النخلة اللى طول عمرها رمز للتاريخ وللعظمة أصيبت فى مقتل، والناس هنا يدللون على أن إسرائيل هى السبب فى هذا بقرائن كثيرة ويقولون «أشمعنا المدن الساحلية والقريبة من إسرائيل هى اللى اتصابت فى الأول بالمرض ده» وكلامهم هذا وجيه ومنطقى، وكل هذه البلاوى تدل على أن إسرائيل لم تتوقف عن حربها ضدنا بدليل الحرب الشرسة التى تخوضها فى منابع النيل لتحاصرنا وتشاركنا فى شوية الميه اللى حيلتنا.
قلت له: أليس هذا الكلام يصور إسرائيل وكأنها أسطورة لا تقهر وكأنها متوغلة فى كل تفاصيل حياتنا، وبالتالى يسهم هذا الترويج فى تنمية اليأس من التغلب عليها؟
فرد: أنا لا أكلمك عن نفسى ولكنى أكلمك عن اعتقاد الفلاحين، وما يجعلنى أقول لك هذا الكلام هو وجاهته ومنطقيته، فطول عمر الفلاح مسلوب الحق ومنتهك وواخد على أنه يزرع وغيره يحصد، والحاجة الوحيدة اللى كانت بتصبره انه يشوف زرعته وهى بتكبر فينسى هموم الدنيا وظلم المتجبرين، لكن دلوقتى سلبوه حتى الفرحة دى، ومن حقه الآن أن يستغرب، فليس من مصلحة أحد أن يخرب عليه زرعته، لا الحكومة لها مصلحة، ولا اللى بيسرقوه لهم مصلحة، لأنهم ببساطة لو خربوا اللى بيسرقوه هيسرقوا إيه؟ وعشان كده الفلاحين اعتقدوا أنه مافيش غير أعدائنا اللى من مصلحتهم يدمروا زراعتنا ويضعفونا، والمشكلة ان كلام الفلاحين حقيقى والقول بأن إسرائيل قوية ومتوغلة فى كل تفاصيل حياتنا أمر غير مبالغ فيه، وأكرر.. هذا حقيقى مائة بالمائة، ومعظم الناس الذين يعملون فى مزارع الكبار إسرائيليون، أو من عرب 48 الذين تعلموا فى المدارس الإسرائيلية وتعلموا أن يكرهونا مثل الإسرائيليين تماما، وفى عهد وزير الزراعة الغابر فتح لهم الباب على البحرى، وبهذا التدخل السافر دمرت كل المحاصيل المصرية الأصيلة، وللإعلان عن قوتها وسيطرتها تقتل الجنود المصريين على الحدود، وبيننا وبينهم ما يسمى بمعاهدة السلام، ولا أحد يقدر على أن «يكح» فى وجهها.. تقدر أنت تقتل جندى إسرائيلى؟ لماذا لا «نشخط» فى إسرائيل ونقول لها بطلى «لغوصة» فى منابع النيل، وللأسف مابقاش فيه وجه مقارنة بينّا وبين إسرائيل لأن النظام أضعفنا وسمح لها بالتوغل فى حياتنا إلى أن أصبحنا «مقاطعة إسرائيلية» بعدما كان بيتعمل لنا ألف حساب.
سألته: مع كل هذه الحرب التى تخوضها إسرائيل ضد مصر، كيف ترى اعتذار فاروق حسنى لإسرائيل، قبل خسارته فى انتخابات اليونسكو بعد أن حاول استرضائها بأى شكل؟
فقال: فاروق حسنى خاض معركة كبيرة وهو ممثل مصر وسقوطه سقوط لمصر، لكنه شتت نفسه بمعارك لا لزوم لها، وكان أولى به أن يخوض المعركة فى الخارج وليس فى الداخل، ومشكلة فاروق حسنى أنه فنان يستفز بسرعة، وإن كان فاروق قال «هاحرق كتاب» فى ساعة استفزاز فهم يحرقون الأطفال الفلسطينيين كل يوم بلا سبب ولا ذنب، والاعتذار عن هذه الجملة كان لا يرضى وطنية أى وطنى، فقط أنا لمت عليه هذا الاعتذار العلنى لإسرائيل، فما كان عليه أن يفعل هذا، ولا أى منصب فى العالم يجعلنا نتنازل عن ثوابتنا الوطنية، ولو كان فاروق حسنى خاض معركته بثوابته الوطنية لكان احترمه العالم جدا، إنما التراجعات فى السياسة دائما لها ثمن، وكنت أتمنى أن يفوز حسنى باليونسكو لأن لو يمسكها مصرى أفضل بكثير من أن يمسكها آخر، على الأقل كنا هنلاقى فلوس نعمل المشاريع الثقافية الكبيرة اللى زى المتحف المصرى الكبير، لكن المصريين شاطرين جدا فى تمزيق بعض وتكسير عظام بعض.
قلت له: أليس هذا تحاملا على المصريين؟
فقال: دى خاصية فينا مش عارف جت لنا منين، حتى أولادنا اللى راحوا يشتغلوا فى الخليج كانوا بيعملوا كده مع بعض، وكانوا بيبيعوا بعض لكفلائهم، وبيفتنوا على بعض و«يفقعوا أسافين« فى بعض وياكلوا حق بعض، انظر لما حدث فى موضوع السيرة الهلالية الذى يتاجر به الأساتذة الأكاديميون، الذين «ينصبون» باسم السيرة الهلالية ويسترزقون منها على الجاهز، لتعرف كيف نتفنن فى تشويه بعض، ياراجل دول راحوا لليونسكو وقالوا إن عندنا ملحمة زى الإلياذة والأوديسا وعايزين نجمعها، ولا جابوا سيرة للراجل اللى أفنى أجمل سنين عمره فى جمعها والحفاظ عليها، وكأنهم عايزين يجمعوا فى المجموع، وبالفعل نصبوا على اليونسكو وأخدوا منه 240 ألف دولار، أى ما يقرب من مليون ونص ولا عملوا للسيرة االهلالية حاجة، أخدوا الفلوس وحطوها فى جيوبهم وعاملين أكادميين ومحترمين وعلماء.
قلت له هم يقولون إنك تسىء للسيرة الهلالية لأنك تعتمد على مصدر واحد فى جمعها.
فقال: لم يعد هناك مصدر لجمع السيرة الهلالية لأن شعراءها اثنان لا ثالث لهما وقمت أنا بجمع السيرة من منهما، وأنا أعرف لماذا يشن بعض المرتزقة هذه المعركة الرهيبة ضدى لأنى وضعت العمل فى التليفزيون، وبوظت عليهم لقمة عيشهم، وأنا مش عايز فلوس لا منهم ولا من غيرهم، لكن كل اللى كنت عايزه إنهم ينسبوا الحق لأصحابه، والفرق بينى وبينهم إنى أديت هذا العمل بإيمان حقيقى، لكنهم يتعاملون مع السيرة الهلالية زى تجار الآثار اللى بيهربوا الآثار لبره، وأنا قبل ما هما يتولدوا، وأنا باجمع فى السيرة ولو كانوا أصلاء فى عملهم لكانوا عرفوا أن الراوى شىء والشاعر شىء آخر، أنا نفسى أكون راوى رغم أنى عبدالرحمن الأبنودى الشاعر، لأنى أخدت السيرة من الشعرا اللى بجد «جابر أبوحسين» و«سيد الضوى» وهما دول الوحيدين اللى يصح أن نطلق عليهما لقب شاعر السيرة الهلالية.
ذكرته بقصيدة «المتهم» التى كتبها عقب مقتل السادات وبالتحديد بالبيت الذى يقول فيه «وتعبت أقرا اليفط بحثا عن العنوان.. وتعبت أقرا الوشوش بحثا عن الإنسان.. كل الخرايط ما توضح تبهت الأوطان» وسألته: لسة بتتعب فى قراية الوجوه واليفط؟
فقال: طبعا وأنا لسه عند اعتقادى أنه «كل الخرايط ما توضح تبهت الأوطان» القصيدة دى أنا دفعت تمنها غال.. وللأسف أنا لست من مدعى البطولة وعشان كده مابحبش الكلام فى الحجات دى، أنا بعمل اللى عليا وادفع تمن أعمالى وأنا ساكت، والقصيدة دى كانت مكتوبة فى السادات بعد موته، وتعتبر تكملة لقصيدة «المد والجزر» اللى تنبأت فيها بموت السادات، وقلت فيها «مأساتنا أن الخونة بيموتوا بدون عقاب ولا قصاص.. مأساتنا أن الخونة بيموتوا وخلاص» ودى كتبتها فى فبراير وهو مات فى أكتوبر فكتبت «المتهم» وهذه القصيدة من أجمل قصائدى هى وقصيدة الأحزان العادية التى أقول فيها «ويهين المعنى الظابط ويدوس بالجزمة على الحلم.. ربنا رازقه بجهل غانيه عن كل العلم» ودول من أعز القصائد وأهمهم بالنسبة لى، تنبؤات الأبنودى لا تتوقف عند «مد وجزر» أو «المتهم» فيقول: فى قصيدة سوق العصر تنبأت بكامب ديفيد، وبسبب هذه القصيدة هاجمنى بعض شراذم الشعراء، ومدعو الثقافة، لكنى كسبت الرهان لأن رهانى دائما كان على الغد، ومشكلتهم أن الغد يأتى دائما ولا يخلف موعده أبدا.
سألته: هل اختفى الشعر وانسحب من حياتنا وولى أوانه؟ أم أن الزمن لم يعد يستوعبه؟ بمعنى آخر: هل غياب الشعر عن حياتنا بسبب عدم ملاءمته لنا؟ أم بسبب انحدار قدرات الشعراء؟
فقال: لا الشعر لم يختف ولم ينته زمنه، لكن نحن فى زمن لا طعم له ولا لون ولا رائحة، وهنا تظهر قدرات الشاعر فى التعامل مع هذه الظروف «الدهنية الغائمة» حينما يكون هناك أحداث كبرى فى الواقع يأتى الشعر «ومالوش جميلة علينا» لكن «الجدعنة» أن تكتب فى مثل هذه الظروف المحبطة الميتة وتستطيع أن تحرك الناس، لهذا صمت كثيرون من الذين يقال عنهم إنه شعراء كبار، وعاشوا على ماضيهم، ولو فتشت فى ماضيهم فستجده ماضى «شكلى» صنعه لهم آخرون، ولم يصنعه شعرهم، سألته: من تقصد فقال: كل الصامتين الذين انعقد لسانهم وخرسوا، وعصى الشعر عليهم.
الأبنودى يصف تجربته مع لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة قائلا: ظللت فيها ثلاث سنوات ولم أذهب فيها إلى المجلس الأعلى للثقافة إلا مرة واحدة، وبعدها استقلت لأنى وجدتها مضيعة للوقت، سألته عن رأيه فى المشكلة التى أثيرت بخصوص شعر العامية ومعاملته كشعر درجة تانية فى المجلس الأعلى للثقافة فقال: الكلام ده مايخصنيش أنا، فقلت له ألا يخصك اسم صلاح جاهين والدعوة بإطلاقه على مؤتمرات الشعر؟ فقال لا طبعا صلاح حبيب قلبى، لكنى أرى أن مشكلة إطلاق اسمه على مؤتمر الشعر مشكلة مفتعلة، ولا تخصنى هذه المشاكل من قريب أو بعيد، ولم أتدخل فيها لأنها «قول حق يراد به باطل» وأنا قضيتى هى الشعر والشعراء فقط، بعيدا عن اللجان والاحتفاليات، وحينما كنت أقدم أمسياتى فى معرض الكتاب كنت أحرص على تقديم المواهب الشابة، وهذا أجدى للشعر وأنفع للشعراء وهذه خدمة عملية، أما هذه المشاكل والصراعات فهى خدمات نظرية هدفها «الزعيق» سألته: أليس من الممكن أن يحصل شاعر عامية آخر غير الأبنودى على جائزة الدولة التقديرية؟ فقال: أتمنى أن يوجد الشاعر الذى يستحق هذه الجائزة، و«إن وجد» فسأصفق له، وحينما رشحنى الدكتور فوزى فهمى لجائزة الدولة التقديرية كان من الصعب على لجنة التحكيم التى ربما لم يقرأ بعض أعضائها أشعارى أن يتجاهلوا عبدالرحمن الأبنودى كحالة ثقافية ممتدة من المحيط إلى الخليج.
قلت له: فى كل عام يطرحون أسماء متكررة للحصول على جائزة مبارك.. فهل يمكن أن نرى اسم الأبنودى مرشحا لهذه الجائزة؟
فقال: لا أظن أن هذا سيحدث.. ولا أحب أن يحدث. لأن الرغى اللى بيحصل حواليها أكتر من قيمتها وشبهتها أكبر من تقديرها، وأنا عندى اكتفاء ذاتى من التقدير، لأنى فى الأساس أتوجه لجمهور، أكتب له ويعتبرنى شاعره وصديقه وأهله، وأنا أعتبر نفسى صديقه وشاعره وأهله.
يقول: حلوة الحياة يا اخوانا.. الحياة حلوة .. أنا قبل كده كتبت «هى كده الحياة.. ضحكتين وآه.. ضحكتينك عيشهم.. دمعتينك حوشهم.. ده زمن بيلعب.. وأنت العب معاه» يعنى الحياة لعبة وطول ما أنا عايش بقدر احب وأعيش واضحك. ذكرته بأغنية من كلماته كان محمد قنديل يقول فيها: يا ناعسة لا لا لا لا.. خلصت منى القوالة.. والسهم اللى رمانى قاتلنى لا محالة، فقال: ياااه دى بتفكرنى بحبيبى أمل دنقل، خلانى أدور عليها كتير وهو يطلبها وكأن روحه متعلقة بيها، سألت محمد قنديل عنها فقال لى دى تايهة منى ومش عارف ألاقيها، ثم اكتشفت أن حلمى أمين هو الذى لحنها فطلبتها منه وذهبت إليه فوجدته غارقا فى كومة شرايط بيدور على الأغنية وعلى دخلتى لقاها.. فضل «أمل» يسمعها لحد ما مات.. لسه كنت أمبارح باقول لآية بنتى «عمرى ما شوفت حد قوى فى مواجهة الموت زى أمل دنقل» كان الله يرحمه جبل، وكنت أدخل عليه فيقول لى: أنا شايف الموت واقف ع الباب ومشى أول ما أنت دخلت، وكان بيصحى من الغيبوبة فيقول لى: أوعى تضحك عليا ولا تلسن أنا بطلع مع «أرمسترونج» القمر وبارجع تانى وباخرف وأنا هناك، وكان بيحكى لى ويقول هايحصل بعد موتى كذا وكذا وكذا وأعمل كذا وكذا وكذا، وكل شىء قاله أمل عن موته اتحقق وبكل التفاصيل، والحمد لله ربنا وفقنى فى أن أفعل ما أمرنى به أمل.
خبرات الأبنودى فى الحياة تتعدى الشعر والشعراء والأغانى والسياسة بكثير.
يقول: اشتغلت راعى غنم وحبيت المهنة دى جدا لأنها أعطتنى صفاء فى الرؤية وحبا للتأمل وحبتها أكتر لما عرفت أنها كانت مهنة الأنبياء، اشتغلت كمان فى الحصاد ورا الحصادين وللمفارقة ده كان اسمه «التصييف» شوف المفارقة الناس تروح تصيف فى مارينا وإحنا كنا بنصيف فى نار شمس الصعيد، ونروح ع المغربية نعزل سنابل القمح عن سنابل الشعير عن الحلبة والكمون، نعمل بيها أجران صغيرة وتفضل تكبر تكبر حتى آخر الحصاد، ومن هنا كنت أحفظ الأغانى اللى كان يغنيها الراجل اللى تحت الشادوف، كان بيغنى وهو بينزع من الشادوف، وكان بدل ما يصرخ من التعب كان بيغنى لأنه كان راجل صعيدى ولا يصح له أن يصرخ صراخا صريحا، فكان بدلا من أن يقول «آه يا دراعى» كان يقول «عيبن عليا إن جلت أنا يا درااعيييييييى» ويمد فى حرف الياء ليصبح صرخة كبيرة، وهذا يدل على أن الغناء ليس ترفا كما يعتقد البعض، ولكنه ضرورة، فالفلاح كان يرى أن الغناء شريك له فى العمل، ومؤنسه فى الوحدة، وطريقه الوحيد للتعبير عن الألم بلا استجداء العطف من الآخرين، وكان أداة لمناجاة السماء والشكوى لله فكان يقول: أدعى على أبويا يموت غريقى.. اللى جعل وسط البحور طريقى، فالغناء كان مثل الأذان هذه الأيام به ونس وروح وألم ودعاء، وأقول للذين يفكرون ويبحثون عن الأغانى الفرعونية إنها هى ذاتها التى كان يغنيها الشيخ هاشم وموسى العبور وحسن موسى وهى التى يغنيها الفلاحون حتى الآن؛ لأن الشادوف نفس الشادوف والشقاء نفس الشقاء ما اختلف فقط هو اللغة، لأن الأغانى كما قلت لك كانت شريكا فى العمل، والعمل لم يختلف، والغريب أن أغانى الفلاحين كانت فى فصل الفيضان ووفرة المياه مختلفة كثيرا عن الأيام العادية، فكانوا بيغنوا قائلين «نجعك يا هلال كان هنا شال» شوفت الغنا سهل إزاى مع سهولة العمل؟ شوفت إزاى فيه روقان ودلع وسهولة قلت له: بمناسبة الروقان والدلع والسهولة.. هل تقبل أن تكتب أغنية لهيفاء وهبى؟ فابتسم وقال: آه أقبل. فسألته هاتكتب لها إيه: فقال: الأغنية اللى أنت إدتنى مطلعها... عديت المزلقان.
لمعلوماتك...
◄ يعد من أشهر وأكبر شعراء العامية فى مصر
◄ ولد فى أبنود فى محافظة قنا فى صعيد مصر عام 1938م
◄ أول من اهتم بجمع السيرة الهلالية
◄ كتب الكثير من الأغانى لأشهر وأكبر المطربين المصريين
◄ شارك فى كتابة السيناريو والحوار لفيلم الطوق والأسورة
◄ من أشهر كتبه كتاب «أيامى الحلوة»
◄ وهو شاعر العامية الوحيد الحاصل على جائزة الدولة التقديرية
قال: إسرائيل لم تتوقف عن حربها ضدنا بدليل تدميرها زراعتنا وقتلها جنودنا وخوضها حربا شرسة لتحاصرنا فى شوية الميه اللى حيلتنا
عبدالرحمن الأبنودى: النظام أضعفنا حتى أصبحنا «مقاطعة إسرائيلية».. وللأسف إحنا حبينا مصر ومصر ماحبيتناش
الجمعة، 02 أكتوبر 2009 01:00 م
عبد الرحمن الأبنودى مع وائل السمرى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة