التفاوض، العقوبات، توجيه ضربة عسكرية، قبول التعايش مع دولة إيرانية نووية قضايا اعتبرتها صحيفة " لوفيجارو" الفرنسية تضع إطارا حول كل الخيارات المطروحة للتعامل مع الملف النووى الإيرانى، خلال لقاء فيينا الذى يجمع بين إيران والغرب بمقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذى يعقد اليوم، وهو ما وصفته "لوفيجارو" بأنه لا يدعو على الإطلاق للتفاؤل . ذاهبة إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووى سيكون بمثابة نقطة انطلاق سباق التسلح النووى فى المنطقة، خاصة فى السعودية وتركيا ومصر.
تتساءل الصحيفة فى تحليلها عن أسباب عدم التفاؤل بمفاوضات اليوم، ولماذا قد تخرج إيران هذه المرة عن القاعدة وتغير من موقفها بشأن النووى الإيرانى، خاصة وأن الأوضاع لم تشهد أى جديد؟ لاسيما وأن المطلب الرئيسى للدول الست، هو تجميد البرنامج النووى، لم يلق أى رد من جانب إيران.
وعلى الرغم من أن الأوروبيين يتفاوضون بلا كلل مع إيران منذ ست سنوات، إلا أن أيا من عروضهم لم يلق صدى لدى طهران. وخاصة وأن قيامها بإخفاء منشآتها النووية لمدة 18 عاما- قبل أن يتم الكشف فى 2003 عن موقع التخصيب فى نطنز- قد أفقد فيها الثقة منذ فترة طويلة.
تقول الصحيفة إنه على الرغم من أن مسألة تخصيب اليورانيوم أمر لا يشكل انتهاكا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التى وقعت عليها إيران، إلا أن لائحة المؤشرات التى تدعم اليوم شكوك المجتمع الدولى تجاه طهران طويلة للغاية، من بينها قيام النظام الإيرانى بالاستفادة من مساعدة شبكة الانتشار النووى السرية للباكستانى عبد القدير خان، وحصول الجمهورية الإسلامية على الآلاف من أجهزة الطرد المركزى، كما أن السرعة التى تتم بها أنشطة التخصيب تتعارض مع فكرة البرنامج النووى المدنى، بالإضافة إلى أن محطة بوشهر النووية لا يمكن تزويدها إلا بالوقود الروسى، وفقا لاتفاق تم التوقيع عليه بين إيران وموسكو، فضلا عن قيام إيران بإطلاق صواريخ بعيدة المدى، والكشف مؤخرا عن وجود موقع نووى جديد فى مدينة قم، الذى تقرر إنشاؤه فى 2003 فى الوقت الذى كانت فيه إيران قد تعهدت بتجميد برنامجها النووى.
وعلى الرغم من حصول مفتشى الوكالة الدولية للطاقة النووية مؤخرا على إذن بتفتيش الموقع النووى السابق فى 25 أكتوبر، إلا أنهم لا يملكون أى ضمان بأن زيارتهم ستسمح لهم بالحصول على تفاصيل خريطة المنشآت.
وتتساءل الصحيفة هل لا يزال هناك وقت فى ظل هذه الظروف لوقف البرنامج النووى الإيرانى؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن أن يتم هذا؟ وهو ما يجيب عليه دبلوماسى مطلع على الملف النووى: "إن المجتمع الدولى على قناعة بالطابع العسكرى للبرنامج النووى الإيرانى، وقد انتقلنا إلى مرحلة متقدمة فى التعامل مع المسألة، فكيف يمكننا إذن التراجع؟".
ووفقا للخبراء، فإن المجتمع الدولى لا يزال أمامه بضعة أشهر قبل أن تتجاوز إيران "الخط الأحمر"، أى مرورها من مرحلة "امتلاك المعرفة اللازمة لتصنيع القنبلة النووية" (كما أشار التقرير الأخير لوكالة الطاقة) إلى مرحلة "تطبيق هذه المعرفة" إلا أن الوقت يمر، لأنه، كما كتبت تيريز ديلبيش، مديرة الشئون الاستراتيجية فى لجنة الطاقة النووية، "الردع ضد الدول التى تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية يبدأ فى الأساس قبل حصول هذه الدول على الأسلحة".
وتشير الصحيفة إلى أنه فى حال فشل هذا الخيار الأول وهو المحادثات مع إيران، فسوف ينتقل الغرب إلى المرحلة الثانية، وهى تشديد العقوبات ضدها، والتى من بينها المشروع المقترح بحظر واردات إيران من الوقود، حيث إن الحظر ضدها لا ينطبق حتى الآن إلا على الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة بالبرنامج النووى، وذلك بسبب معارضة الصين وروسيا، التى تسعى الاستراتيجية الغربية لاجتذابهما.
وعما إذا كانت فكرة تشديد العقوبات على طهران ستجعلها تتوقف عن برنامجها النووى، يقول أحد المطلعين على هذا الملف أن النظام الإيرانى يعانى الآن من صعوبة اتخاذ قرار استراتيجى، مما قد يؤدى إلى التأثير على إجماع الآراء داخل الدوائر السياسية الإيرانية حول البرنامج النووى، فى حال أصبح الثمن الذى على إيران دفعه مرتفعا للغاية، كما أن اعتماد عقوبات جديدة ضد إيران من شأنه أيضا أن يكون مثالا لغيرها من الدول التى قد تفكر فى تطوير برنامجها النووى العسكرى.
بيد أن الغرب، كما تؤكد الصحيفة، لا يضمن نجاح خيار فرض العقوبات. فعلى الرغم من إلغاء الدرع الصاروخى الأمريكى فى وسط أوروبا وكذلك سياسة اليد الممدودة من جانب أوباما، إلا أن روسيا تعتقد أنه لا يزال "من المبكر جدا" اعتماد المزيد من العقوبات ضد إيران، لاسيما وأن القضية النووية الإيرانية ربما تكون قد اكتسبت طابعا يثير القلق أكثر من ذى قبل مع ازدياد قوة الحرس الثورى التى دعمها إعادة انتخاب أحمدى نجاد، بالإضافة إلى الضعف النسبى الذى تعانى منه إدارة أوباما التى تعيش اليوم فى مأزق على الساحة السياسية المحلية.
وبما أن أوباما يمنح الأولوية للحوار، على عكس سابقه بوش، فإن البعض فى باريس يخشى من أنه قد يقدم بعض التنازلات لإيران.
أما الخيار الثالث فهو توجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهى مسألة لا تزال قيد الدراسة فى البنتاجون وإسرائيل، كما تقول الصحيفة؛ فقبل أسبوعين، كان هناك فى باريس جمع بين رؤساء أركان حرب أمريكا وإسرائيل وفرنسا، وفى هذا السياق يشير الخبراء إلى وجود خيارين؛ أولا: ضربة مستهدفة، مثل القصف الإسرائيلى لمفاعل أوزيراك العراقى فى 1981، والذى من شأنه تأخير البرنامج النووى، ثانيًا: حملة جوية ثقيلة على غرار تلك التى أجريت فى كوسوفو فى 1999، لإجبار النظام على الخضوع لقواعد التفاوض، والذى قد يؤدى فى الوقت ذاته لتشديد موقف إيران أكثر ولإثارة غضب العالم الإسلامى.
أما الحل الأخير فهو استسلام المجتمع الدولى لقبول التعايش مع دولة إيرانية نووية، والخطر الذى قد يمثله هذا الخيار- بحسب رأى الصحيفة- هو احتمال رؤية دول أخرى، خاصة المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر، ضرورة الدخول فى سباق تصنيع القنبلة الذرية، حيث يحذر فريدريك تيلييه، المتخصص فى الشئون الإيرانية فى مجموعة الأزمات الدولية من أن امتلاك إيران للسلاح النووى سيكون بمثابة نقطة انطلاق لانتشار الأسلحة النووية فى جميع أنحاء المنطقة.
للمزيد من الاطلاع اقرأ عرض الصحافة العالمية على الأيقونة الخاصة به.
لوفيجارو: المفاوضات حول النووى الإيرانى لا تدعو للتفاؤل
الإثنين، 19 أكتوبر 2009 03:46 م