محمد عبد الرحمن

هبة غريب.. ومأساة الصحفيين الجدد

الأحد، 18 أكتوبر 2009 07:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ماذا سيحدث إذا انتشر فى المستشفيات عشرات من الأطباء الشباب الذين لم يدرسوا الطب كما ينبغى، ولم يتدربوا جيداً قبل أن يشخصوا الأمراض ويكتبوا العلاج اللازم لمرضاهم، أطباء ارتدوا البالطو الأبيض عن طريق موظفين كبار فى هذه المستشفيات أعطوهم اللقب بلا وجه حق ودون أدنى مجهود، ووجدوا أنفسهم يحصلون على مرتبات جيدة واحترام المجتمع والناس، بالتأكيد سيتسبب هؤلاء فى الكثير من الكوارث التى سيتصل لمرحلة لا يمكن التصدى لها لأن مرور الوقت يجعل من المستحيل التمييز لاحقاً بين الطبيب الدارس ومن يحمل الصفة نفسها دون وجه حق.

لو طبقنا القاعدة السابقة على الوسط الصحفى فى مصر لن نجد أى غرابة فى واقعة "هبة غريب والكابتن أحمد شوبير"، ولست بصدد محاكمة الفتاة التى أرجو أن تكون فى حالة مراجعة من النفس الآن، وتعترف بأنها تورطت فى كل هذا بمحض إرادتها، لكننى أصرخ محذراً من أن "هبة غريب" ليست الأولى ولا الصحفى رقم 100 الذى يخالف ميثاق شرف المهنة من الجيل الجديد.

فالمتغيرات التى شهدتها الصحافة المصرية خصوصا فى السنوات العشر الأخيرة دفعت بالعشرات من غير المؤهلين لحمل "بطاقة صحفى" أولاً ثم تعلم المهنة ثانيا، عدم التأهيل هنا بالمناسبة لا يتعلق بالمهنية وطريقة الكتابة واستخدام الكمبيوتر كما تهتم نقابة الصحفيين، وإنما فى فقدان أبسط القواعد التى تصنع صحفياً يدرك أن الكلمة التى يكتبها مسئولية أمام الله أولا والمجتمع، ثانياً بالتالى يجب أن يحاسب نفسه ألف مرة قبل أن يكتب كلمة واحدة، بالطبع كانت المهنة طوال عقود متتالية تعانى من صراعات وخلافات بين رموزها، لكنها كانت تقوم على احترام كامل لقواعد اللعبة، وكانت الجماعة الصحفية قادرة على تنبيه من يخرج على تلك القواعد بأن هناك أصولاً لا يمكن تجاهلها.

كان الصحفى الصغير يدخل المؤسسة الكبيرة وهو مستعد للوقوف على قدميه شهوراً طويلة قبل أن يسمح له بالجلوس بالقرب من غرفة البوفيه، ورغم كل ما هذه الصورة من قهر، لكنه كان قهراً مطلوباً على ما يبدو لأن من يصبر سيكمل المشوار بنجاح، لكن فى السنوات الأخيرة ومع ظهور صحف حكومية وخاصة بدون دراسة مسبقة وقلة عدد الصحفيين المؤهلين بسبب إحباط المتميزين منهم اللاهثين دائماً فى سباق دخول نقابة الصحفيين، أصبح الباب مفتوحاً أمام الجيل الذى لم يتلق تعليما جيداً فى المدارس والجامعات، والذى دخل الصحافة لأن زميل أو قريباً قال له "ما تيجى تجرب مش هتخسر حاجة"، فيما الصحافة هى الخاسرة بالطبع، لنجد من ترك عمله كمحاسب وأصبح محرراً فنياً، وتركت عملها كمدرسة بالأجر لتصبح صحفية تحقيقات، هؤلاء الذين لا يعرفون متى صدرت الأهرام، ولا من هو أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل، ولم يقرأوا مذكرات محمود السعدنى عن أيامه الأولى فى شارع الصحافة، ولم يتابعوا كيف أصدر مصطفى وعلى أمين دار أخبار اليوم.

هؤلاء دخلوا المهنة فى ظروف أصبح فيها رئيس التحرير هو الشخص الوحيد الذى يجب أن ينال رضاه، فإذا كان "الريس" منتمى للحزب الفلانى ويكره الفنان العلانى، فالصحفى يجب أن يكون على دين رئيسه، أما إذا كان "الريس" يحب الصحافة الساخنة ويطلب الالتفات حول المعلومات من أجل صياغة جاذبة للقارئ المظلوم فى هذه الصراعات، فالصحفى يجب أن يستجيب، بالتالى عندما يجد صحفياً عمره لا يزيد عن 25 عاماً نفسه فى جريدة، وهناك من بداخلها من يساعده على طلب رشوة من مصادره، فلماذا لا يوافق إذا كان دخله سيتضاعف ورئيسه المباشر سيحميه ورئيس التحرير سيغض الطرف والمصدر لن يعارض لأنه يعرف كيف يحمى مصالحه.

وعندما تجد صحفية سواء كانت هبة غريب أو غيرها نفسها فى عامين فقط تكلم الكابتن والمستشار اللذين يمثلا نخبة المجتمع، فلماذا تفكر من الأساس فى أنها يجب أن تكون على الحياد، ولا تتورط فيما يسىء لها وللمهنة التى تنتمى إليها، بل إن "هبة" كانت متسقة مع ذاتها على شاشة المحور لأنها أدركت أن اللعب مع الكبار يعنى أن تكون طرفاً فاعلاً، فوافقت على أن يسمع الجميع صوتها وهى تضحك على الكلمات الخادشة للحياء، لأنها لو انسحبت من اللعبة وأعلنت الندم لن تجد أى فرصة فى أى مكان آخر، وإذا كان الكبار يفعلون هذا بها، فهل نطلب منها أن تلتزم هى بميثاق الشرف.

ما حدث مع "هبة" يحدث كل يوم فى صمت مع صحفيين جدد لم يجدوا القدوة أمامهم فى اليوم الأول لدخول هذه المهنة، وسيحدث ما هو أبشع من ذلك طالما استمر "الريس" فى قبول محررين جدد يدينون له هو بالولاء استعداداً للانقلاب عليه فى أقرب فرصة، ليؤكدوا له أنهم تعلموا الدرس عرفوا من أين تؤكل "كتف صاحبة الجلالة".





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة