على سيد على

شيخ الأزهر على "حصيرة بلاستيك"

الأحد، 18 أكتوبر 2009 07:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ ثلاثة شهور تقريبًا، كنت فى زيارة للهيئة المصرية العامة للكتاب، طلب منى صديقى أن أساعده فى البحث عن كتابه التائه فى إدارة النشر، بصفتى كنت ـ يومًا ما ـ موظفًا فيها قبل أن يخرجنى الله من ظلمات الجهل، ويهدينى إلى صراط مستقيم. لن أسرد عليكم – كما قد يعتقد البعض - معاناة صديقى مع متاهات النشر بالهيئة، ففساد هيئة الكتاب يعلمه القاصى والدانى ولا داعى "للت والعجن فيه". فالموضوع أكبر من صديقى ومن كتابه ومن الهيئة وفسادها.

الحكاية باختصار، أنه بعد رحلة بحث فاشلة عن الكتاب، أردت أن ألتقط أنفاسى فى مكتب أحد زملائى القدامى، كان يجلس معه رجل خمسينى لم أره فى فترة عملى السابقة، كان يتحدث مع زميلى مستعيدًا ذكرياته أثناء عمله فى مكتب الراحل الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب السابق.

وبرغم أنه ليس من عادتى أن "أرمى ودنى" لحديث ليس موجهًا إلىَّ، إلا أننى دون إرادة بدأت ألتفت إليه، عندما جاءت سيرة شيخ الأزهر الراحل جاد الحق على جاد الحق، ربما لأنه توفى فى عام 1996 وكنت وقتها لا أزال بالفرقة الثانية فى الكلية، وكل ما أعلمه عنه أنه "راجل كويس.. وإنه لازم يكون كويس عشان هو شيخ أزهر".

قال الرجل متأسيًا: "هقولك حاجة غريبة مش هتصدقها" ثم روى موقفًا جمعه بشيخ الأزهر الراحل، عندما طلب منه الدكتور سمير سرحان أن يذهب إليه بدعوة لحضور ندوة تنظمها الهيئة. قال الرجل إنه ذهب إلى عنوان الشيخ فى شارع المنيل، متوقعًا قبل وصوله أن الرقم الذى سيصل إليه فى الشارع سيكون محله فيلا كبيرة عليها حراس، ربما يأخذون منه الدعوة لتوصيلها إلى سكرتارية الشيخ، أو على أقصى تقدير، سيسمحون له أن يصل بالدعوة إلى السكرتارية.

فوجئ الراوى عند وصوله إلى الرقم المقصود بمنزل قديم لا تزيد أدواره على ستة، بعد دخوله لم يجد سوى فرد أمن يجلس على استحياءٍ كمَنْ يعلم أن وجوده لا معنى له، سأله عن شقة شيخ الأزهر، أجابه بأنها فى الطابق السادس، عاد وسأله عن "الأسانسير" الذى لا يراه، فأجابه رجل الأمن بأن المنزل لا يوجد به "أسانسير". قبل وصوله للطابق الخامس تحشرجت أنفاس الراوى، وبدأ صدره يضيق، وتساءل بينه وبين نفسه: كيف لشيخ الأزهر الذى قارب على الثمانين أن يصعد ستة أدوار على رجليه يوميًّا؟.

ضغط الرجل على زر الجرس متوقعًا أن يفتح له الخادم، فما لبث أن رأى شيخ الأزهر بجلالة قدره يقف أمامه قائلا له: "تفضل" حتى قبل أن يعرف سبب مجيئه، نظر الراوى إلى الأرض وهو يناول الشيخ الدعوة، محاولا أن يجمع شتات نفسه ليقول للشيخ: "دكتور سمير كلفنى أوصل الدعوة دى لجنابك".

رفض شيخ الأزهر أن يأخذ الدعوة من الرجل وهو يقف على الباب، وأصر على دخوله قبل أى شىء، وأمام إصرار شيخ الأزهر، لم يملك الرجل إلا الاستجابة. يقول الراوى إنه بمجرد دخوله حدث له ما يشبه الصدمة من هول ما رآه.. صالة مطلية جدرانها بالجير، تغطى أرضيتها "حصيرة بلاستيك" ولا يوجد بها سوى كنبتين، جلس على إحداهما بجوار شيخ الأزهر الذى أسمعه "وصلة" من عبارات الترحاب، ثم ما هى إلا دقائق، وكانت زوجة شيخ الأزهر، وهى فى السبعين من عمرها، تتقدم بجلبابها الريفى، تحمل صينية، يظهر الصدأ على حوافها، وعليها كوب شاى وكوب ماء.

شيخ أزهر فى شقة "إيجار قديم" مفروشة حصير بلاستيك ومطلية بالجير. دفعتنى الدهشة إلى البحث عن حياة ذلك الرجل، فعرفت أنه كان يرفض تقاضى أية مكافآت تزيد على راتبه، سواء فى ذلك أعماله فى الأزهر، أو نظير ما يسجله للإذاعة من حلقات.. على فكرة أنا أتحدث عن شيخ الأزهر الراحل جاد الحق على جاد الحق وليس شيخ الأزهر الحالى محمد سيد طنطاوى "عشان محدش يتلخبط".

شيخ الأزهر الراحل كان يعيش على حصيرة بلاستيك، معنى ذلك أنه لم يكن يخشى فى الحق لومة لائم، ولكى تتأكد من ذلك بنفسك، يكفى أن تكتب فى موقع "جوجل" قبل اسمه كلمة "مواقف"، ستكتشف أنه كان نصيرًا للأقليات المسلمة فى شتى بقاع العالم، ستعرف أنه كان رافضًا لسياسة التطبيع مع إسرائيل، ورفض أن يستقبل الرئيس الإسرائيلى عيزرا وايزمان أثناء زيارته للقاهرة فى عام 1993.

وأيد الإمام الراحل العمليات الاستشهادية ضد المحتل الإسرائيلى ولم يقل إن من ينفذها حكمه كالمنتحر.. لا تسع الكتابة عن مواقف شيخ الأزهر الراحل مجرد مقال، لذلك أدعوك إلى "عمل سيرش" على "جوجل" لتعرفها أنت باستفاضة.

وبما أن الشىء بالشىء يذكر، سألت عن منزل شيخ الأزهر الحالى، فعلمت أنه يسكن بفيلا كبيرة فى القاهرة الجديدة بالتجمع الخامس، بجوار فيلات لكبار المسئولين والوزراء السابقين والحاليين، أبرزهم المهندس محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق.

لن أتحدث عن مواقف شيخ الأزهر الحالى، ليس لأن مواقفه لا يسعها مجرد مقال، ولكن خوفًا من أن يقيم ضدى قضية سب وقذف كالتى أقامها ضد الزميل محمد الباز، والأستاذ عادل حمودة، ولأنى لا أملك سوى 5 آلاف جنيه - أحتفظ بها على أمل الفوز فى قرعة إسكان الشباب التى تقدمت بها للحصول على شقة 65 مترا فى مدينة النهضة – أدعوك أن تكتب فى خانة البحث على موقع "جوجل": "مواقف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى" ثم تضغط على "سيرش" لتعرفها أنت بنفسك.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة