بعد نشر اليوم السابع مقالى (ردا على وائل السمرى.. بل هى أنفلونزا زرع الكراهية!) فوجئت بمقال للأستاذ براء الخطيب بعنوان (نعم.. نحن نزرع الكراهية) يرد فيه على مقالى المذكور انتهج فيه النهج القومجى الإسلاموى الشمولى المعروف والمتمثل فى تخوين واستعداء الطرف الآخر الذى يعارضه الفكر والتهكم عليه والاستهزاء بأفكاره! وفى هذا السياق أود أن أورد الملاحظات التالية على مقال الأستاذ براء:
لماذا كل هذا التخوين والتجريح؟
الأستاذ براء فى رده على مقالى لم يترك أى جزء من مقاله إلا وتهكم على أطروحاتى وأفكارى، بل ولغتى ووجه لى تهم العمالة للعدو والخيانة. وها هى بعض العبارات الموجهة لى فى مقاله:
(أحد الطامحين للحاق بقطار الانتهازية - ولا نقول الخيانة تأدبا - والشعبطة فى مؤخرة قطار الطامحين لثروة "الشيكيلات" الإسرائيلية.. صاحب هذا الكلام الساقط.. فنلفت نظره - إن كان عنده ثمة نظر.. يتصور المنبطح أنه يلقمنا حجرا عندما يقول.. فقد صور لك جهلك.. بطونكم التى انتفخت لتكون كروشاً من الثروات المدنسة).
بعد استخدام الأستاذ براء لهذه الألفاظ القاسية وهذا النهج التجريحى لا أجد فرقا بينه وبين شيوخ الفضائيات الأصولية الذين لا يتوانون عن ركل من يخالفهم الرأى بأفظع الشتائم والإهانات. هذا إن دل فإنما يدل على صدق كلامى بأن الفكر القومجى والفكر الإسلاموى هما وجهان لعملة واحدة.
الأول ينتمى إلى عبد الناصر الذى اتهم كثيرا من الحكام العرب المعاصرين له بالخيانة وتوعد أحدهم بنتف الذقن وسب الآخر بأمه على ملأ من الجماهير أما الثانى فهو نهج بنلادنى – نسبة إلى بن لادن.
ولا أعرف عن أى شيكلات وأى انتهازية يتحدث الأستاذ براء وأى أرصده فى بنوك سويسرا وأى كروش انتفخت من الثروات المدنسة؟!!! كل هذا لمجرد أنى اختلف معك فى النهج والرأى حول موضوع ما؟؟!! ما لا يعرفه الأستاذ براء عن كاتب هذه السطور هو أنه أكاديمى مصرى شاب وعصامى لا يعرف التسلق ولا النفاق ولا ينتمى ولا يحب أن ينتمى لأى حزب سياسى. هو مجرد إنسان يؤمن بأن أساس تقدم الأمم يكمن فى الليبرالية والحب والسلام والعمل والإنتاج. والحمد لله فهو نموذج يستحق أن تفخر به مصر لأنه حاصل على ثلاث جوائز أكاديمية دولية لم يحصل عليها أى أكاديمى مصرى أو عربى أو أفريقى متخصص فى مجاله من قبل.
أما التهكم على لغتى العربية واستبدال عبارة هذه التيارات بهذا التيارات ووصف هذا الخطأ اللغوى بـأنه (ملاحظة شكلية كما أنها ليست خطأ مطبعياً، بل هى عبارة تعكس الجهل بأبسط قواعد اللغة) فأود أن أقول للأستاذ براء بأن هذا الخطأ – والأخطاء اللغوية الأخرى الموجودة بمقالى السابق وربما مقالى الحالى - راجع بالأساس إلى عدم مراجعتى للمقال جيدا وأعترف أن هذه عادة من عاداتى الكتابية السيئة. على العموم إن تعليقك على هذا الخطأ بهذا الأسلوب التهكمى هو سلوك متوقع من أى فرد ينتهج الفكر القومجى!
أحب أن أذكّر الأستاذ براء بأن ثقافة ومنهجية الحوار السليمة تعنى النقاش بناء على الأدلة والبراهين المنطقية والاستعداد النفسى لقبول الرأى الآخر حتى نستطيع أن نصل إلى فهم مشترك فى النهاية أو نقاط متوافقة على الأقل وتعنى أيضا نبذ التجريح والتشنيع بكل مستوياته وعدم إطلاق الأحكام على بعضنا بعضا جزافا.
ليس دفاعا عن على سالم
لم أكتب مقالى السابق دفاعا عن شخص الأستاذ على سالم، وإنما كتبته دفاعا عن فكر السلام وردا على فكر الكراهية. ما لا يعرفه الأستاذ براء أننى لا أعرف الأستاذ على شخصيا وأن كل معرفتى له مقتصرة على مشاهدته فى البرامج التليفزيونية. ولعل ما ذكرته عن استشهاد شقيق الأستاذ على – وهو ما عرفته لأول مرة من مقالك - هو أكبر دليل على براءته من التهم التى توجهها إليه. هل يعقل أن يقتل أحد أخيك ثم تذهب إليه بدافع خيانة أسرتك مثلما حدث مع الرئيس السادات والأستاذ على؟ لا يمكن تخيل ذلك، ولكن ما يمكن تخيله أنك قررت نبذ الحروب. القضية يمكن تفسيرها ببساطة فى توجه السلام وطوى صفحات الحروب الموجود لدى البعض والذى لا يعنى أنهم خونهم بل يعنى أنهم دعاة سلام.
ما الحل الذى تقترحه؟
الأستاذ براء مثل غيره من القومجيين والإسلامويين أخذ يكيل الاتهامات لى ويجرح فى شخصى دون اقتراح الحل البديل!
هل حله المقترح أن أردد وراء أئمة الجوامع دعاءهم بتشتيت شمل اليهود وجعلهم قردة وخنازير وترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم؟!
هل حله المقترح أن أردد أغانى عبد الحليم الوطنية وأسمع خطب عبد الناصر المرتجلة وأحضر الندوات الشعرية القومجية وأرتدى الكوفية الفلسطينية؟!
أم أن حله المقترح يتمثل فى تدعيم حركة حماس فى مواجهة إسرائيل حتى إذا استقوت حماس وادعت نصرا مزيفا على إسرائيل عندما تقتل أو تأسر جنديا منها تنقلب على مصر لتحتل سيناء أو تقوم بالعمليات الانتحارية فيها؟!
تخيل يا أستاذ براء أن لك جارا ابن ستين فى سبعين يحاول أذيتك بأى طريقة ممكنه. ماذا لو تغاضيت عن كل أذاه مرة بعد الأخرى وقمت بأعمار بيتك وتربية أولادك على النحو الصحيح وعلمتهم فى أفضل المدارس وجعلت منهم أفرادا منتجين. ستكون النتيجة الحتمية أن يأتى إليك هذا الجار المؤذى معجبا بتجربتك ويطلب مساعدتك والاستفادة من خبرتك. هكذا سيكون الحال بيننا وبين إسرائيل لو اهتممنا بقضايانا الداخلية أولا.
تخيل لو أنك مريض – لاقدر الله – وليس أمامك سوى أن تأخذ مضادا حيويا مشتقا من مكون كيميائى توصلت إليه العالمة الإسرائيلية الحائزة على جائزة نوبل هذا العام؟!
تخيل فى نفس الوقت أنه إذا استطعنا بالفعل القضاء على إسرائيل وإبادة ما بها من سكان وتعدادهم خمسة ملايين نسمة هل يعقل أن يتركنا الجيل الإسرائيلى التالى، وإذا استطاع ذلك الجيل أن يأخذ فلسطين مرة ثانية هل تتوقع أن يسكت له الجيل العربى التالى؟
الخلاصة أن خيار الحرب سيؤدى إلى مزيد من الحروب الداخلية والخارجية وخيار الكره سيؤدى مزيد من الكره الداخلى والخارجى. فقط تأمل فى تجارب الماضى وستتأكد من ذلك.
كفانا أشعار وأغانى وشعارات جوفاء لا معنى لها يا أستاذ براء وكفانا هوسا بنظرية المؤامرة وتعالى إيدك فى إيدى نحارب الأمراض الموجودة فى مجتمنا أولا. تعالى نصلح نظامنا التعليمى ونحسن جودة البحث العلمى فى جامعاتنا ونحارب الأمراض الفتاكة المنتشرة فى مجتمعنا من كبد وسرطان وفشل كلوى التى لا يخلو أى بيت مصرى من ضحايا لها، تعالى نحارب الوساطة والمحسوبية ونعلى من قيم العدالة والمساواة فى مجتمنا تعالى نصلح من طرقنا وكبارينا حتى نقلل من حوادث السيارات التى يروح ضحيتها سنويا ما يفوق ضحايا حربنا التى تدعو إليها ضد إسرائيل، تعالى نواجه مظاهر الشعوذة والخرافة ونخلص مجتمعنا من سيطرة المتشددين الذين يظنون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة ونوفر للناس مياها صالحة للشرب وشبكات صرف صحى سليمة..!
أما إذا كنت مصمم على دعوتك للكراهية وللحرب فأقول لك مرة ثانية، إن الحل الأمثل أمامك هو الذهاب لقتال العدو فى إسرائيل أو أفغانستان – أو حتى إرسال أحد أبنائك على الأقل – كى تعطى لنا المثل الأعلى فى الدفاع عن أيدلوجيتك! وإذا كنت غير مستعد لذلك فاضعف الإيمان أن تتبرع بجزء من مالك لمن يواجهون الجيش الإسرائيلى فى غزة أو الأمريكى فى العراق!
الفرق بينى وبينك يا أستاذ براء أننى أنادى بالكف عن الحرب والكراهية وأدعو من يرديهما إلى أن يذهب بنفسه يحارب – بالطبع بدون تجريح أو تخوين- أما أنت فتقول أنك مع الكراهية والحرب لكنك غير مستعد على الأرجح لأن تذهب إلى أرض المعركة إلا إذا كان لديك رأى آخر؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة