تبذل العربية السعودية أو بالأحرى آل سعود، كل جهد ممكن لنزع رداء الوهابية وتصديره إلى مصر بكل ما يحويه من إرث أورثها التزمت والجهل وجعلها مفرخة للإرهاب والراعى الأول للإرهاب وللإرهابيين الرأس ولبس البولغة هى صفات المسلم ومن خرج عليها ليس بمسلم، حرموا كشف وجه المرأة واعتبروها عورة ورجسا من عمل الشيطان يجب أن يخفى "واخترعوا النقاب"، وحولوا القرآن إلى مندبة كبرى بأصوات شيوخهم التى جاءتنا عبر شرائطهم المجانية.
بدأت الكارثة عندما تحالف آل سعود والوهابيين فى صفقة سياسية سرعان ما تحولت إلى لعنة ونقمة على السعودية وكل من مد يده إلى السعوديين بالعون، حدث هذا فى الربع الثانى من القرن العشرين عام ١٩٢٥، وقبل هذا العام كعادتها منذ عهد شجرة الدر قد فرغت للتو من إرسالها للمحمل المصرى المتجه إلى الحجاز ومعه كسوة الكعبة ومتطلبات الحرمين والكم الهائل من الصدقات التى كانت توزع على فقراء السعودية.
ولم يكن بها مورد ماء يشرب منه الحجاج، فأنشأ الملك فؤاد الأول خزان المياه الوحيد فى منى، وقد كانت التكية المصرية تشهد كل يوم أفواجا من السعوديين، يأتون إليها لتناول نصيبهم من الطعام الذى كان يوزع عليهم بكثرة وكرم، وظلت التكية المصرية من أهم موارد الرزق للفقراء والمحتاجين وما أكثرهم فى ذلك الوقت، وأكثر من ذلك كانت تهتم بصحة السعوديين، حيث كل يوم يمر مئات من المرضى السعوديين على طبيب التكية، فيقوم بفحصهم ويمنحهم الدواء والطعام والشراب مجانا، وكانت القنصلية المصرية فى جدة مأوى للحجازيين المحتاجين، ولم يكن السعوديون حتى هذا الوقت قادرين على تصريف أمورهم بمفردهم دون مساعدة الحكومة المصرية.
كانت الحكومة المصرية أيضاً تسقى عقولهم أفكارها المستنيرة، المتمثلة فى إسلامها الهادئ الذى لا يرى فى المرأة عورة تستوجب الحكر والإخفاء، ولا يرى فى الفن جريمة، يحب رسول الإسلام بلا صخب، ويرضى الله بلا ضجيج، يستطيع أن يتلاءم مع الحياة دون تفريط، ويستوعب التطور والتكنولوجيا الجديدة ويتواصل معها، ينتج فقها يناسب كل جديد ولا يقف متحجرا مصمتا أمام مستجدات العلم، وضعت مصر إسلامها النقى أمام السعوديين الذين كانوا يحتاجون الغذاء والكساء والتنوير وكادت الشجرة تؤتى بثمارها، لكن حدث ما أرهق السعوديين وأفسد على العالم الإسلامى دنياه وآخرته كما يلى: سيطر الوهابيون على الحكم فى السعودية، وأصبحت كلمتهم هى الأعلى، لم يكتفوا بالأفكار فقط، ولكنهم نزلوا إلى الميدان، بدأو فى نهاية عام ١٩٢٥ بتدمير مايسمى بقبور آل البيت، حطموا قبرى السيدة خديجة زوجة النبى محمد "ص" وأمه آمنة وأغلقوا غار حراء الذى تلقى فيه النبى الوحى، وعندما بدأ الوهابيون نشاطهم الإرهابى بدأوا بأقرب الناس إليهم، نبيهم.
خرب الوهابيون الآثار المقدسة فى الحجاز، ومنها قبور آل البيت دون إذن ودون علم آل سعود، وليس فى هذا تبرئة لساحتهم لكنها إدانة لهم، فقد فعلها الوهابيون بعد أن شعروا أنهم أقوى منهم، فلم يهتموا حتى بأن يخبروا بن سعود بعملهم التدميرى، ولهذا قال بن سعود: "حزنت عندما تأكدت أن للآثار حرمة وكرامة عند الكثيرين من المسلمين فى أنحاء العالم، ولذلك سأبذل الجهد! فى إعادة هذه الآثار إلى ما كانت عليه".
لم يفعل ابن سعود شيئا. واكتفى بالتصريحات فقط. وكان الملك عبد العزيز بن سعود عاجزا عن مواجهة الوهابيين الذين مضوا لتنفيذ خططهم بشتى الطرق، ولم يراعوا فى ذلك سلطة ملك ولا حرمة قبور آل البيت، وأرادوا السيطرة ومنحهم الملك الضعيف الفرصة فاغتنموها حتى النهاية، ففرضوا أفكارهم بالقوة الرجعية المتزمتة ومبادئهم السطحية، ولم يكونوا يهدفون إلى نشر هذه الأفكار فقط، ولكن قرروا السيطرة على العالم الإسلامى كهدف لهم، واعتدوا على مصر أولاً، لأنها كانت هى صاحبة السيادة فقد بدأوا بالاعتداء على المحمل الذى كان خيرا ورخاء ينتظره السعوديون كل عام بفارغ الصبر، ففى منتصف عام ١٩٢٦ تحرك المحمل المصرى كعادته بعد أن أقيمت الاحتفلات بكسوة الكعبة فى القاهرة، والتى أرسلها الملك فؤاد الأول من قصر عابدين وكان على يساره أحمد زيور باشا، وأخذ المحمل طريقه المعتاد إلى السعودية، ولكن عندما وصل إلى منى تعرض له الوهابيون .. فأطلقوا عليه النيران وسقط العديد من المصريين بين قتيل وجريح، بسبب حقد الوهابيون على كل ما هو مصرى..
اشتعل الموقف فى مصر واعتبرت الحكومة الاعتداء على المحمل إهانة لها، فسارع السعوديون لتقديم الاعتذار فقد وقعوا فى حرج ولابد أن يزول، وفى أغسطس وصل إلى القاهرة الأمير سعود كبير أنجال الملك عبد العزيز بن سعود سلطان نجد وملحقاتها وملك الحجاز وعاهل الوهابيين وصحبه فى هذه الزيارة عدد كبير من الوهابيين ليعتذر ويمحو الأثر السيئ الذى خلفه اعتداء الوهابيين على المحمل المصرى فى منى، ظلت مصر تعطى.. وظل حقد الوهابيين عليها ينمو.. تفجر البترول فى أرضهم توحشوا وقرروا أن يسيطروا على العالم الإسلامى بالمال، وبدأت أفكارهم تتسرب من تحت جلودنا.. جعلوا إطلاق اللحية وقص الشارب وتقصير الثياب ووضع الشال على الرأس ولبس البولغة هى صفات المسلم ومن خرج عليها ليس، بمسلم، لكنها تعاملت بمنطق الكبير الذى لابد أن يعفو ويصفح عندما يخطى الصغار. وضعت الحكومة المصرية الوهابيين وقتها فى حجمهم، فهم مجموعة من المتطرفين الذين يطوعون الدين من أجل مصالحهم حرموا كشف وجه المرأة واعتبروها عورة ورجسا من عمل الشيطان يجب أن يخفى "واخترعوا النقاب"، وحولوا القرآن إلى مندبة كبرى بأصوات شيوخهم التى جاءتنا عبر شرائطهم المجانية، وبعد أن كنا نصدر للسعودية الإسلام السمح مع الطعام والشراب والدواء الذى كنا نمنحه لهم كعطايا، بدأ الغدو السعودى يصدر لنا إسلاما متجهما كئيبا صنعوه بأيديهم، فكفروا من يصنع التماثيل ويعمل بالتصوير، ومنعوا المجلات المصورة لأنها فتنة وحالوا بين المرأة وبين لبس الكعب العالى لأنه يزيد من فتنتها التى تغوى الرجال! وحرموا السفر إلى بلاد الكفر والتى كانوا يعتبرون مصر من بينها، وسهلوا ذلك بأن أنفقوا بسخاء على كتيبات صغيرة تحمل أفكارهم الوضيعة وشرائط كاسيت تحمل أفكارا عن خزعبلات عذاب القبر وأهوال جهنم والعلاج بالقرآن وبول ولبن البعير والحجامة الإسلامية "السعدية تنفق واحد مليار دولار "حوالى" 5.50 مليار جنيه مصرى على نشر الدعوة، وأكثر من ذلك يصجر ثقافته بتمويل الإرهابيين لمحاربة الإبداع فى عقر داره، مستغلين أحوال مصر الاقتصادية التى أنهكتها حروب وسياسات لم تراع مصالح المصريين قدر مراعاتها لمصالح العرب وعلى رأسهم الفلسطينيون، فظهرت جماعات المناوئة والإرهاب بألوان وأشكال وأسماء مختلفة من الإخوان المسلمين إلى التكفير والهجرة والجهاد ختاما بالطابور الخامس من مرتزقة الفتاوى الإسلامية والدعوة والإرشاد بكل الأشكال والألوان، انتشر هذا الوباء فى السبعينيات فى عهد السادات الذى لم يتوانَ لحظة عن إخراج صراصير وفئران الإسلام من جحورهم لضرب الناصريين "والشيوعيين"، فدفع حياته ثمنا لثقته فى هؤلاء المرتزقة تاركا خلفه وباء ينخر فى عظام شعب مصر وفى الإسلام المعتدل.
اليوم، توغل الإرهاب السعودى إلى عمق المجتمع المصرى، وأعلن حربا على الفكر والإبداع فى مصر، وإن لم تنتبه الحكومة الحالية إلى مؤامرة آل سعود، وشرعت بكل ما تملك من أجهزة أمنية وإعلامية فى استئصال هذا الوباء، ستنتهى مصر إلى هاوية وحرب طائفية، فلول الإرهاب طالت عقول أبنائنا وأخواتنا وبناتنا فى مدارسهم، تلقنهم كره الحياة والإبداع تحت سمع وبصر وزارة التعليم التى لا تحرك ساكنا لمحاربة التطرف والتلوث الفكرى وسعودة عقل المصريين! فهل تفيق الدولة للمؤامرة وتضرب بيد من حديد قبل أن تمتد إليها يد التطرف المتوغلة فى التعليم والجيش والشرطة و"المساجد"، فنستيقظ نحن على كارثة؟
لم أكن قط من أنصار نظرية المؤامرة، ولكن فى حالة السعودية الوهابية لا أملك إلا الاستثناء!!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة