محمد رفعت

فلاحات.. من خارج المسلسلات!

الجمعة، 16 أكتوبر 2009 07:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أن العلاقة بين الطب والأدب ستظل وثيقة.. وأن المهنة الإنسانية الراقية التى قدمت لنا مبدعين كبار من وزن شاعر الأطلال إبراهيم ناجى، وأبو القصة العربية القصيرة يوسف إدريس، وصاحب الرواية الأكثر مبيعاً على مستوى العالم العربى فى السنوات العشر الأخيرة، وأقصد علاء الأسوانى، يجمعون بين رسالة الطب ورسالة الفن والأدب.

والصيدلانية كريمة الحفناوى آخر عنقود الطبيبات الأديبات.. وكتابها الجديد "يوميات صيدلانية"، والذى صدر مؤخراً عن دار "عين" للنشر واحد من أبسط وأصدق التجارب الذاتية التى صدرت منذ سنوات طويلة، ويذكرنى كثيراً بكتاب الدكتورة نوال السعداوى عن مذكراتها كطبيبة وإنسانة، وإن كان كتاب "كريمة" لا يركز كثيراً عليها، بقدر ما يهتم بتقديم نماذج إنسانية لفلاحات من لحم ودم، لا علاقة لهن بالصور الهزلية الكاريكاتيرية التى نشاهدها للفلاح والصعيدى فى أعمالنا الدرامية، وتضع الدكتورة "كريمة" من خلالها يدها على كنز من القصص الإنسانية التى تستحق كل واحدة منها أن تتحول إلى رواية أو فيلم أو مسلسل، يحكى قصة الشقاء والحب والنضال الحياتى الحقيقى لشخصيات مصرية بسيطة تعشق الحياة وتتمسك بالأمل وتواجه الفقر والمرض بنفوس راضية وقلوب لا تعرف اليأس من رحمه الله.

وتقدم "كريمة" من خلال أسلوب سهل ممتع خالٍ من "الحذلقة" اللغوية واستعراض العضلات الثقافية نساء من نوع مختلف، نراه كثيراً فى بلادنا لكننا لا نعرف عنه شيئاً، ولا نهتم بأن نسأل لكى نعرف.. أما الدكتورة كريمة فلم تكتف بالاهتمام والسؤال، لكنها هجرت القاهرة بما فيها من حياة عصرية وفرص للنجاح والكسب المادى المضمون، واختارت أن تفتح صيدلية أو "أجزخانة" على حد تعبيرها وتعبير أهل الريف فى إحدى القرى التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة، وكان هذا الاختيار مفاجأة لأهالى القرية أنفسهم، الذين اندهشوا فى البداية لتلك القاهرية التى اختارت عن اقتناع الحياة بينهم ومعهم، وفضلتهم على المدينة وزيفها وضوضائها.

ورغم النغمة الحزينة التى تسيطر على معظم فصول "يوميات صيدلانية" بحكم النماذج الإنسانية التى تتحدث عنها، ومعظمها لنساء "سريحات" يبعن البيض والسمن لنساء المدينة، أو يفترشن الأرض بأقفاص الفاكهة، أو يعملن خادمات فى بيوت أثرياء القرية، أو حتى "داية" أو قابلة تحمل على عاتقها مهمة الحفاظ على شرف وسمعة من تفرط فى أعز ما تملك من فتيات القرية والقرى المجاورة لها ويلجأن إليها لإجراء عمليات إجهاض، رفضت أن تكشف لصاحبة اليوميات عن الآلية التى تقوم بإجرائها بدون إمكانيات جراحية أو غرفة عمليات مجهزة.. رغم هذه المأساوية التى تعرى لك الحقيقة ببساطة وبدون زيف أو إدعاء، إلا أن الكتاب لا يخلو من لمحات ومواقف كوميدية نابعة من بساطة وأمية معظم من تتعامل معهم الصيدلانية فى "أجزخانتها" فمنهم من يطلب منها "البرشام اللى بيشنكل الميه" وهو يقصد دواء للتبول اللاإرادى، وبدوية تريد "الدوا اللى بيشخلل"، وهى تقصد كبسولات تصدر صوتاً نتيجة اهتزازها داخل عبوة الدواء.. ولولا هذه المواقف خفيفة الظل، لما استطاع قارئ الكتاب أن يحتمل الإحساس بالحزن والأسى على المعذبين فى الأرض، الذين يحكى عنهم كتاب كريمة الحفناوى، ويشكلون النسبة الغالبة من مجتمعنا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة