على هامش قضية نور الشريف

صلاح عيسى يكشف المتهم الرابع فى شائعة "نور الشريف"

الخميس، 15 أكتوبر 2009 10:15 م
صلاح عيسى يكشف المتهم الرابع فى شائعة "نور الشريف" الفنان نور الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
>> نشر هذه الشائعات يعطى تيار التحريض ضد الصحافة أوراقا جديدة لمنع إلغاء الحبس فى قضايا النشر

تبدأ محكمة جنح السيدة زينب صباح غد الأربعاء، محاكمة ثلاثة صحفيين بينهم اثنان من أعضاء النقابة، هما «عبده مغربى» رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة «البلاغ الجديد»، وأحمد فكرى رئيس تحريرها التنفيذى، أما الثالث فهو إيهاب لمعى، الذى نشر خبر ضبط شبكة سميراميس للشواذ جنسياً بتوقيعه، فهو ليس عضواً فى النقابة.

القضية التى أثارت اهتمام الرأى العام بسبب إقحام الخبر أسماء أربعة من الفنانين هم: «نور الشريف»، و«خالد أبوالنجا» والأخوان «حمدى وعبده الوزير»، ضمن من وصفهم بـ«المتورطين فى شبكة الشواذ»، هى واحدة من أسرع القضايا الصحفية التى حققتها النيابة العامة، إذ لم يفصل بين تلقيها البلاغ الذى قدمه إليها الفنانون المتضررون من النشر، وبين صدور قرار الاتهام، سوى أربعة أيام، ولم يفصل بين قرار الإحالة، وبدء المحاكمة غداً، سوى ثمانية أيام.

أخطر ما فى هذه القضية، هو أن قرار الإحالة، لم يقدم المتهمين للمحاكمة بتهمة القذف والسب فى حق الفنانين الأربعة، التى ألغيت فى عام 2006 عقوبة الحبس فيمن يرتكبها سواء وقع القذف فى حق أحد الناس أو وقع فى حق موظف عام أو شخصية نيابية، واستبدلت به غرامة تتراوح بين 2500 و7500 جنيه، طبقاً لنص المادة 303 من قانون العقوبات، بل أحالهم إلى المحاكمة بالتهمة الواردة فى المادة 308 من قانون العقوبات، وهى تنص على أنه إذا اقترن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب بالطعن فى عرض الأفراد، أو خدش سمعة العائلات فإن العقوبة تكون الحبس والغرامة معاً، على ألا تقل الغرامة فى حالة النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات عن نصف الحد الأقصى، وألا يقل الحبس عن ستة شهور.

ومعنى الكلام أن الصحفيين الثلاثة، يواجهون احتمال الحبس لمدة تتراوح بين ستة شهور وثلاث سنوات، لأحدهم، أو لثلاثتهم، فضلاً عن غرامة لا تقل عن 3250 و7500 جنيه، هذا بالطبع غير التعويض المدنى الذى قد تحكم به المحكمة المدنية المختصة للمتضررين من النشر.

والاحتمال الأرجح، كما يقدر بعض رجال القانون هو أن تقضى المحكمة بإدانة واحد أو أكثر من المتهمين، فى ضوء المعلومات التى رواها بعضهم على شاشات التليفزيون، وكشفت عن أنهم لا يملكون دليلاً على صحة الخبر الذى نشروه، حول ضبط هذه الشبكة بواسطة شرطة الآداب فى فندق سميراميس وتحقيق النيابة مع أعضاء هذه الشبكة، بمن فيهم الفنانون الأربعة، وهو ما نفته الشرطة وكذبته النيابة، وأكدت إدارة الفندق عدم صحته.

ولو صح هذا التقدير فمعنى هذا أن حبس صحفى أو أكثر فى هذه القضية أصبح مضموناً كورقة البوستة.

فى البحث عن مشجب يعلق عليه الصحفيون المتورطون فى هذه القضية الخطأ المهنى الجسيم الذى وقعوا فيه، حين اندفعوا إلى نشر الخبر الذى أرسل فى وقت واحد إلى ثلاث صحف أسبوعية هى «البلاغ الجديد» و«الفجر» و«العربى» فنشرته الأولى بالأسماء والتفاصيل، ونشرته الثانية من دون أسماء وتفاصيل مختلفة، ولم تنشره الثالثة، من دون أن يتثبتوا من صحته، ذهب بعضهم إلى القول، بأن الخبر قد دسه عليهم ضابط برتبة مقدم، من مباحث الآداب العامة، وتطوع آخرون للقول بأن الحكومة هى التى دست الخبر على الصحف الثلاث بهدف الإيقاع بها، بسبب موقفها ضد الفساد، بينما اتهم نقيب الممثلين «أشرف زكى» الصحيفة التى نشرته بأنها تعمل لحساب الموساد الإسرائيلى، الذى أراد أن ينتقم من »نور الشريف» بسبب المسلسل التليفزيونى الذى قام ببطولته وعرض فى شهر رمضان الماضى بعنوان «متخافوش» والاحتمالات الثلاثة، تبدو بعيدة عن التصديق، عصية على الإثبات، وحتى لو كان أحدها، أو كانت كلها صحيحة، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن الخبر الذى نشرته الصحيفة كاذب، وينطوى على طعن فى أعراض الفنانين الأربعة وأن القانون صريح فى حبس من يثبت عليه ارتكاب هذه الجريمة.

أحدث الأحكام التى صدرت بحبس صحفى بتهمة الطعن فى الأعراض، هو الحكم بحبس ياسر بركات رئيس تحرير جريدة «الموجز» بتهمة الطعن فى عرض الصحفى والنائب «مصطفى بكرى» وهو حكم كان سينفذ لولا الجهود التى بذلت لكى يتنازل «بكرى» عن حقوقه، مقابل اعتذار نشرته الصحيفة، ولولا ذلك، لكان رئيس تحرير «الموجز» اليوم وسط اللغط الذى أثارته القضية، التى تفتح شهية كثيرين لحبس الصحفيين، ولم يتوقف أحد عند مسئولية مجلس نقابة الصحفيين عن المصير التعيس الذى ينتظر الثلاثى الطروب المتهم بالطعن فى الأعراض ولم ينتبه إلى أنها المتهم الرابع فى هذه القضية، الذى ينبغى أن ينضم إلى قفص الاتهام وإليك البيان.

عام الأزمة
فى ختام عام شهد أزمة ضارية بين الصحفيين والحكومة، بدأ فى 28 مايو 1995 بصدور القانون رقم 93 لسنة 1995 الذى غلظ العقوبات فى جرائم النشر فضاعف الغرامات ورفع الحد الأقصى لسنوات الحبس إلى الضعف أحياناً وألزم القاضى بالجمع بين الحبس والغرامة، عقد الاجتماع السادس والأخير من سلسلة اجتماعات الدورة الطارئة للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين لينظر فى جدول أعمال يتضمن نقطتين، الأولى: إقرار التعديلات التى أدخلتها الحكومة بناء على طلب الصحفيين على القانون، وقضت بإعادة مدد الحبس إلى ما كانت عليه قبل صدوره، والثانية: هى إقرار مثياق الشرف الصحفى.

وفضلاً عن ذلك، فقد كان الاجتماع بمثابة احتفال بالنصر الذى حققه الصحفيون على الحكومة، بعد عام كامل من المقاومة خاضوا خلاله المعركة بأساليب مختلفة، كان من بينها احتشادهم خلف مجلس نقابتهم، الذى كان يرأسه آنذاك النقيب إبراهيم نافع، ونجاحهم فى عقد جمعية عمومية طارئة ظلت -على امتداد العام- تلتئم مرة كل شهرين وفى عقد المؤتمر العام أقر مشروع قانون للصحافة يمثل رؤية الصحفيين لتنظيم قانونى يوسع من نطاق الحرية والمسئولية، تسلح به الوفد الذى كان يمثلهم فى التفاوض مع الحكومة، ونجح بالفعل فى تضمين القانون رقم 96 لسنة 1996 بعض نصوصه.

ولم يكن إقرار ميثاق الشرف الصحفى فى هذه الجلسة بعيداً عما دار فى جلسات التفاوض بين الحكومة والصحفيين إذ كان إصدار هذا الميثاق وتطبيقه، هو أحد شروط موافقة الحكومة، على إلغاء تغليظ العقوبات فى جرائم النشر، وهو ما دفع اللجنة التى كانت تدير الأزمة، لتكليف اثنين من النقابيين البارزين، هما «صلاح الدين حافظ» و«حسين عبدالرازق» لإعداد مسودته.

وفى تفسير الربط بين إلغاء التغليظ فى عقوبة الحبس، وإصدار وتطبيق مثياق الشرف الصحفى، قال لنا الرئيس «مبارك» الذى اجتمع بوفد يضم حوالى 30 شخصية نقابية قبيل انعقاد الجلسة الأخيرة للجمعية العمومية الطارئة بأيام، بأن الأزمة تعود إلى عدم تقدير بعض الصحفيين لحجم التحريض ضد حرية الصحافة وقوة التيار الذى يتربص بها داخل كواليس الحكم، وفى المجتمع وحتى بين الصحفيين أنفسهم.

وفى رده على الملاحظات التى أثرناها بأن القانون المصرى حتى بعد إلغاء التغليظ الذى جاء به القانون 93 لسنة 1995 يحتشد بنصوص تجعل الحبس يتربص بهم خلف كل سطر يكتبونه، وأن الأوان قد آن لإلغاء هذه العقوبات التى لا يوجد لها نظير فى قوانين البلاد الديمقراطية قال الرئيس: التزموا انتوا بمثياق الشرف وبآداب مهنتكم وحاسبوا الذين يخرجون عنها أمام النقابة ساعتها لن تطبق نصوص مواد الحبس عليكم.

النقابة بدلا من النيابة
وكان ذلك هو ما دفعنى أثناء الاجتماع الأخير للدورة الطارئة للجمعية العمومية، لأن أتكلم لأقول إن القانون 93 لسنة 1995 على سوئه وفجاجته لم يأت من فراغ، ولكنه جاء كرد فعل لأخطاء فى الممارسة وترخص فى الالتزام بأدبيات المهنة وتقاليدها، أعطى المعادين لحرية الصحافة فى كواليس الحكم، الذريعة التى كانوا يبحثون عنها، والسلاح الذى مكنهم من حسم المعركة لصالحهم، وأن الميزان إذا كان قد اعتدل بعد عام كامل من النضال لإلغاء القانون رقم 93، فإن الخطر لا يزال ماثلاً، وعلينا أن نسد باب الذرائع أمام هؤلاء بالالتزام بميثاق الشرف الصحفى وتطبيقه بكل حزم، ومحاسبة الذين يخالفونه أمام النقابة، حتى لا يعود القانون 93 أو ما هو أسوأ منه، ولا سبيل لذلك إلا أن تثبت النقابة أنها سلطة لضبط السلوك المهنى، وأنها قادرة على تطبيق مثياق الشرف الصحفى ومحاسبة كل من يخرج عنه، على نحو يثبت للجميع، أن الصحفيين قادرون عبر تنظيمهم النقابى على إحلال «النقابة» محل «النيابة» والعقوبات التأديبية محل العقوبات المدنية.

ظاهرة عربية
ولم يكن ميثاق الشرف الصحفى الذى صدر رسمياً بعد اعتماد المجلس الأعلى للصحافة 1998 هو الأول من نوعه فى تاريخ نقابة الصحفيين المصريين، التى ينص قانون تأسيسها عام 1941، على أن من بين أغراضها «سن القواعد المنظمة لمزاولة المهنة الصحفية وبيان العادات المرعية فيها وجزاء - أى معاقبة - المخالفين على الخروج عن مبادئ المهنة ولوائحها والعادات المرعية»، وتتالت بعد ذلك لوائح آداب المهنة ومواثيق الشرف الصحفية، حتى بلغ عددها 5 صدرت فى أعوام 1946 و1964 و1975 و1983، قضت جمعيها بإحالة من يخالفها من الصحفيين إلى المحاكمة التأديبية، لتقضى فى حالة إدانته بتوقيع عقوبات عليه تتراوح بين الإنذار والغرامة والحرمان من مزاولة المهنة لفترة محدودة، وتصل إلى ذروتها بالفصل من النقابة، وبالتالى الحرمان من العمل بالصحافة إلا أن التاريخ النقابى يؤكد أنه لم يحدث فى أى وقت من الأوقات، وعلى امتداد أكثر من ستين عاماً، أن أحيل صحفى واحد إلى لجنة تحقيق أو تأديب نقابية، بسبب مخالفته للائحة آداب المهنة، أو لمثياق الشرف الصحفى، أو صدور قرار واحد بإنذار صحفى أو حرمانه من مزاولة المهنة، أو فصله من النقابة لهذا السبب.

تلك ظاهرة غريبة، لا نجد لها مثيلاً فى تاريخ النقابات المهنية المصرية الأخرى، وبالذات التى لديها مواثيق شرف مهنية مثل نقابات المحامين والأطباء والمهندسين وهى ظاهرة ليس لها سوى أحد تفسيرين، الأول: أن تكون الصحف والصحفيون المصريون، نموذجا مشرفا للالتزام الصارم بآداب المهنة ونقابتها ومدونتها الأخلاقية، ينبغى أن تحتذى به صحف وصحفيو العالم، وهو احتمال تنفيه تقارير الممارسة الصحفية التى ترصد مخالفات الصحف المصرية لأدبيات المهنة وتقاليدها، وعشرات الدعاوى التى أقامها المتضررون مما ينشر فيها من أخبار وصور وتعليقات تنطوى على التشهير والابتزاز والطعن فى الأعراض وانتهاك للحق فى الخصوصية، مما تحظره مواثيق الشرف الصحفية، ويعاقب عليه كذلك القانون.

أما الاحتمال الثانى والأرجح: فهو أن مجالس الإدارات المتتالية لنقابة الصحفيين منذ عام 1941 وحتى اليوم قد تعاملت مع النص الذى تكرر فى قوانين النقابة الثلاثة التى صدرت فى أعوام 1941 و1955 و1970 والذى يلزمها بالحفاظ على تقاليد المهنة وآدابها وتطبيق ميثاق الشرف الصحفى باعتباره مجرد كلام لا معنى له، لم توقع العقوبة التأديبية على أى صحفى إلا حين أصدر مجلس نقابة الصحفيين قراراً بفصل د. محمد عبدالعال رئيس حزب العدالة الاجتماعية ورئيس تحرير جريدة الوطن العربى من عضوية النقابة، وهو قرار ألغته محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، لأن مجلس النقابة لم يتبع القانون الذى يشترط تقديم الصحفى إلى محاكمة تأديبية تقضى بذلك ولا يجيز لمجلس النقابة فصل أى صحفى.

أما وقد وضع مثياق الشرف الصحفى فى الثلاجة فقد عادت ريما لعادتها القديمة، واستأنفت بعض الصحف مسيرتها المظفرة فى الخروج على أدبيات المهنة وتقاليدها، بنشر الأخبار الكاذبة والمبتورة، والخلط بين الخبر والرأى والطعن فى إيمان الآخرين، وترويج الدعوات العنصرية والداعية للتمييز، وانتهاك الحق فى الخصوصية، واتهام المواطنين، خاصة الخصوم السياسيين، بغير سند، وإهدار حقوق الزمالة، وصلت إلى حد دفع المختلفين فى الرأى من الصحفيين إلى تبادل الاتهام بالخيانة والعمالة وتلقى الرشاوى من أجهزة الأمن، ومن السفارات الأجنبية ومن رجال الأعمال.

وكان طبيعياً فى ظل هذا المناخ من التسيب المهنى والأخلاقى الذى وقفت أمامه مجالس النقابة المتتالية عاجزة عن محاسبة الذين يمارسونه من الصحفيين، أن تفشل كل محاولة لفتح باب التفاوض مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، حول إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر.

ثلاجة مجلس الشعب وثلاجة نقابة الصحفيين
ومع أن المناخ الصحفى لم يكن - بسبب ذلك - مواتيا لفتح باب التفاوض حول إلغاء العقوبات السالبة للحرية، إلا أن الصحفيين تمسكوا بشعار إلغاء الحبس، ثم حولوا هذ الشعار إلى مشروع قانون بهذا الشأن يعبر عن وجهة نظرهم، ويقضى بإلغاء التأثيم فى عدد ملحوظ من مواد الباب الرابع عشر من الكتاب الرابع من قانون العقوبات الخاص بالجنح والجرائم التى ترتكب بواسطة الصحف، واستبدال عقوبة الحبس فى عدد كبير منها، بالغرامة المالية، وضعته لجنة تضم عددا من الصحفيين ورجال القانون، رأسها المستشار «عوض المر» الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية العليا، وأعده مجلس النقابة، وتقدم به النواب الصحفيون إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى فى مجلس الشعب، وكان طبيعيا أن تضعه اللجنة فى ثلاجتها مقاس 445 قدم - وهو عدد أعضاء مجلس الشعب - طالما أن مجالس الإدارات المتتالية لنقابة الصحفيين تضع ميثاق الشرف الصحفى فى ثلاجتها مقاس 4000 قدم، وهو عدد أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين.

ما يستحق التوقف عنده، فيما يتصل بموضوعنا هو أن مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة فى جرائم النشر، الذى تبنته النقابة، قد تناول كل المواد التى تنطوى على عقوبة الحبس، إما بإلغاء التأثيم نهائيا، أو بإبقائه مع إلغاء الحبس واستبداله بالغرامة، باستثناء مادتين.. أبقى المشروع التأثيم على حاله، وأقر المشرع على بقاء الحبس، هما المادة 178 التى تعاقب بالحبس على نشر الصحف للصور المنافية للآداب العامة، والمادة 308 التى تعاقب بالحبس والغرامة على الطعن فى الأعراض، وهى المادة التى تحاكم بمقتضاها الصحفيون المتهمون فى قضية الاتهام بالشذوذ!

وفى عام 2004 وبعد ثمانى سنوات من رفع شعار إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، فاجأ الرئيس مبارك الصحفيين، قبل ساعات من الجلسة الافتتاحية لمؤتمرهم الرابع، برسالة شفهية وجهها إلى نقيبهم آنذاك «جلال عارف» أعلن فيها انحيازه لمطلبهم بإلغاء هذه العقوبات.. ودخلت النقابة فى حوار مع الحكومة لتنفيذ الوعد الرئاسى لتكتشف أن المناخ القديم أشاعته الصحف الصفراء والصحفيون العشوائيون، خلال تلك السنوات، قد أعطى المتشككين فى قدرة الصحفيين على ممارسة الحرية بشكل مسئول يصون حقوق وحريات كل الأطراف، فى حالة إلغاء هذه العقوبات، سلاحا قويا استخدموه لمحاولة حصد الوعد الرئاسى بإلغاء الحبس فى أضيق نطاق خاصة أن وقائع السنوات الثمانى التى تلت إلغاء القانون رقم 93 لسنة 1995، أكدت أن النقابة عاجزة أو عازفة عن تطبيق ميثاق الشرف الصحفى، ونجح هؤلاء بعد مفاوضات شاقة فى تقليص الوعد الرئاسى ليقتصر إلغاء الحبس على خمس جرائم فقط، هى القذف فى حق آحاد الناس، أو فى حق الموظفين العموميين، وسب الطرفين، وإهانة سفير دولة أجنبية.

وما كاد مشروع القانون يصل إلى مجلس الشعب حتى اكتشف الصحفيون أن المعادين لحرية الصحافة داخل سلطة الرقابة والتشريع أكثر وأشرس من المعادين لها داخل السلطة التنفيذية، وأن بعض نواب المعارضة أكثر كراهية لحرية الصحافة من نواب الأغلبية، وجرت محاولة لإضافة عبارة «الطعن فى الذمة المالية» إلى المادة 308 الخاصة بالطعن فى الأعراض لتشملها عقوبة الحبس.

صحافة بلا أخلاق وبلا شرف
والغريب أن مجالس النقابة لم تستفد من الدرس الذى تلقته من هذه الحالة، ولم تتنبه إلى أن عجزها أو عزوفها عن تطبيق ميثاق الشرف الصحفى سوف يبقى على العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، فواصلت صمتها على المخالفات الصارخة للميثاق التى سادت خلال السنوات الخمس الماضية، التى شهدت اتساعا غير مسبوق فى مساحة حرية الصحافة، واتساعا غير مسبوق - كذلك - فى الخروج عن تقاليد المهنة وآدابها، تحولت معه بعض الصحف، إلى مشاتم عمومية وإلى اعتماد بعضها الآخر على الخطابات غير الموقعة فى نشر وقائع مشينة لشخصيات عامة، وإلى اعتبار الشائعة مانشتا رئيسيا للصحيفة، وقادها التنافس على جذب القارئ إلى البحث عن كل ما هو مثير من الأخبار، حتى لو كانت كاذبة أو تفتقد إلى الدقة، وإلى التوسع فى نشر مقالات رأي. لا يملك أصحابها إلا الألفاظ السوقية، وموهبة بطح أنفسهم على الآخرين، من دويه. أى يكون لذلك أية صلت بالدفاع عن مصالح عامة، وهبطت لغة الحوار على صفحات الصحف، وبين الصحفيين وبعضهم البعض إلى أدنى مستوى لهما فى كل تاريخ الصحافة المصرية، ويتبادل الصحفيون الاتهام بالخيانة والعمالة والتجسس والسمسرة وتدخين البانجو والعقم والرشوة.

حدث ذلك ويحدث فى ظل صمت كامل وعجز فاضح من نقابة الصحفيين فى تطبيق ميثاق الشرف الصحفى، وتجاهل تام لكل محاولة يبذلها الصحفيون إلى خطورة الصمت على هذا النمط من «صحافة الحواوشى» التى لا تستهدف سوى الإثارة، وعلى الرغم من كثرة الذرائع والتعللات التى تبرر بها مجالس إدارات النقابة المتتالية، عزوفها عن تطبيق ميثاق الشرف الصحفى ووجاهة بعضها فإن السبب الرئيسى وراء ذلك هو لحرية نقايبة خاطئة بأن دور النقابة هو الدفاع عن حقوق الصحفيين فقط، وليس الزامهم - كذلك - بواجباتهم وبتقاليد مهنتهم وأدبياتها، ومصالح انتخابية يتصور معها كل نقيب أو عضو بمجلس النقابة أن تحويل أحد أعضائها إلى التأديب بسبب مخالفته لميثاق الشرف الصحفى، سوف يفقده رصيد من الأصوات فى الانتخابات التالية.

وكل هذا هو السبب الذى دعانى منذ سنوات لتقديم اقتراح بأن يمارس مجلس النقابة سلطته القانونية فى تطبيق ميثاق الشرف الصحفى من خلال لجنة يختارها تضم أساتذة فى الإعلام وفى القانون تتلقى شكاوى المتضررين من مخالفة الصحف لبنود ميثاق الشرف الصحفى، وتحقق فيها، وتوصى بإحالتها إلى لجان التأديب إذا وجدت مبررا لذلك، على أن يقتصر دور مجلس النقابة على التصديق على قرار مجلس النقابة، وبذلك يتوقى الحرج الانتخابى.
ومع أننى قدمت هذا الاقتراح مرتين لمجلس النقابة فى عهد النقيبب جلال عارف بناء على طلبه، وفى عهد النقيب مكرم محمد أحمد، إلا أن مجلس النقابة فى المرتين تمسك بسلطته فى تطبيق الميثاق كاملة، وتجاهل القرار، أو شكل لجانا شكلية لا اختصاص حقيقى لها، لم تجتمع ولم تتخذ أى إجراء، معلنا بذلك أن النقابة تفضلها مهنة بلا أخلاق،.. وبلا شرف!

ولو أن ميثاق الشرف الصحفى كان قد طبق على جريدة «الموجز» بسبب كثير مما نشرته خلال حملتها على صاحب «الأسبوع» ولو أن كان قد طبق على ما نشرته جريدة «البلاغ الجديد» قبل أن يغرى صمت المجلس الطرفين، فيقعا فى مطب الطعن فى الأعراض، لما أصبحنا فى الموقف الراهن، الذى تصدر فيه أحكام بالحبس بتهمة تشين أية مهنة، وتفتح شهية كثيرين سيستغلونها للتحريض على تفعيل مواد الحبس فى قانون العقوبات.. لتطول كل صاحب رأى حقيقى.. وتلحق بالذين يتخذون الصحافة منبرا للدفاع عن المصالح العامة.

باختصار ووضوح: مجلس نقابة الصحفيين الحالى، والمجالس السابقة، هى المتهم الرابع الغائب عن القفص فى قضية الطعن فى أعراض الفنانين، ويجب على الصحفيين أن يقدمونهم للمحاكمة فى أول انتخابات قادمة، إذا كانوا حقا حريصين على نفى الانطباع الذى يقول بأنهم يفضلونها مهنة بلا أخلاق.. وبلا شرف.


أخبار متعلقة::

>> النقابة لا تعتذر والصحفيون لايقبلون محاسبتنا لهم






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة