الذين عاشوا نهاية الستينات والنصف الأول من سبعينات القرن الماضى مثلى يتذكرون بالتأكيد كيف كانت الحياة صعبة، لدرجة أن أمهاتنا كن يصنعن الصابون فى البيوت، لأنه لم يكن موجودا فى الجمعيات الاستهلاكية أومحلات البقالة.. شأنه شأن كل السلع تقريبا فقد كانت كل الموارد موجهة لإعادة تسليح الجيش استعدادا ليوم نتخلص فيه من عار الهزيمة.. لكن حتى فى هذه الحياة الصعبة جدا وغير المتصورة أو المحتملة كان المصريون يؤمنون بالنظافة.. والكثير من القيم الأخرى التى اختفت الآن.
وتقول دراسة حديثة جدا لهيئة سلامة الغذاء إن 48 % من المصريين لا يغسلون أيديهم قبل إعداد الطعام، و77% منهم لا يهتمون بتسخين الطعام المطبوخ قبل تناوله، وهو ما يساعد على تراكم الميكروبات وانتقالها للإنسان بسهولة.
وأكدت الدراسة أن 70% من المصريين لا يغسلون أيديهم قبل تناول الطعام، و75 % لا يهتمون أيضا بغسل الأيدى بعد السلام على المرضى، و54% لا يغسلون أيديهم بعد قضاء حاجتهم، إضافة إلى أن 50% لا يغسلون أيديهم بعد إلقاء القمامة من المنزل.
الدراسة التى أشرف عليها الدكتور حسين منصور، رئيس جهاز سلامة الغذاء، وأجريت على ثلاثة آلاف مواطن فى تسع محافظات، أغلبهم من ربات البيوت، وأكدت أيضا أن 97.4% من ربات البيوت لا يعلمن كيفية ترتيب الأغذية داخل الثلاجة، و67% من المصريات لا يعلمن أيضا طريقة فك اللحوم بطريقة آمنة بعد خروجها من «الفريزر»، إضافة إلى أن 85% من ربات البيوت لا يغسلن البيض قبل وضعه بالثلاجة، مما ينتج عنه تراكم عدد لا حصر له من الميكروبات داخل الثلاجة قد تنتقل إلى باقى الأطعمة غير المغلفة.
وتكشف هذه الدراسة والكثير من المظاهر فى الشارع مثل أكوام القمامة، وعادة البصق على الأرض، والتبول فى الشوارع، وغيرها أن المصريين أصبحوا تقريبا أشد شعوب الأرض عداء وكرها للنظافة، ورغم أننا نلعن الحكومة ليل نهار ونحملها كل مأساينا، لكننا نرتكب بأيدينا أكبر جريمة فى حقنا وهى معادة النظافة العامة والشخصية.
والغريب أن الدنيا قامت ولم تقعد على موضوع النقاب رغم الخلاف حوله وهل هو عادة أم عبادة، رغم أن تأثيراته المباشرة على حياتنا قد لا تكون ملموسة ولا تحتاج مثل هذه الضجة، بينما دراسة بمثل هذه الخطورة عن النظافة لا يهتم بها أحد، رغم أنها تحمل بداخلها كل عوامل فناء أى شعب!
ويبدو أننا لم ندمن عدم النظافة فقط، وإنما برعنا فى التفوق على أنفسنا والآخرين فى الاهتمام بتوافه الأمور وترك القضايا الحقيقية خارج اهتمامتنا، رغم أن التحدى الحقيقى الذى نواجه ليس نقابا لكل امرأة أو طفلة، وإنما البحث عن صابونة لكل مواطن!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة