جاء قرار شيخ الأزهر بحظر النقاب ليعيد الجدل الدائر حول شرعيته، فانقسم المسلمون إلى معسكرين، أحدهما «أصولى» يلزم النساء بالنقاب مستندا إلى نصوص قرآنية ونبوية، والآخر «وسطى» يشكك فى روايات وأحاديث واجتهادات المعسكر الأول، ويرى أن الحجاب هو الفرض، بينما لا يوجد نص واحد يؤكد فرضية النقاب، ومن هؤلاء الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، والتى توضح أن هذه «الزوبعة» المثارة حول قضية النقاب، تتلخص فى أنه عادة يهودية وفدت إلينا من العهد القديم فى التوراة (إصحاح 38، 24)، حتى إن موسى بن ميمون -وهو حبر فى الشريعة اليهودية- يخرج المرأة التى لا تلبس النقاب، وترتدى غطاء الرأس «الشبيكة» من اليهودية.
وأضافت أن الموروث الثقافى الذى تثبّت لدى بعض القبائل نتيجة الاختلاط بين العرب واليهود، أوجد قضية «النقاب».. نصير قالت إن الإسلام لم يفرض النقاب ولم يرفضه، وجاء فى القرآن ما يؤكد موقف الإسلام من شكل المرأة المسلمة ولباسها، فقال تعالى: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن»، وقوله جيوبهن يقصد به صدر المرأة، فلو كان غطاء الوجه مطلبا إسلاميا لقال «وليضربن بخمرهن على وجوههن»، وما يؤكد هذا التفسير عن المفسرين، عندما يطلب الحق تبارك وتعالى فيقول: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم»، وقال أيضا: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن»، والنقاب فى عهد النبوة كان نادرا.
بالإضافة إلى أن الصحابيات فى العهد النبوى شاركن فى جميع مناحى الحياة وفى الحروب ولم نر المرأة ترتدى النقاب فى هذه الحروب، كما فى الحج أيضا لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين.
واختتمت «نصير» رأيها، قائلة: نريد أن نخرج من هذه المسألة الجدلية بشىء من الدراسة والتبصير وبيان حقيقة القضية، كما أكدت أنها ليست مع أى طرف يعالج هذه القضية بشىء من الخشونة أو التجاوز، فى إشارة غير مباشرة لموقف شيخ الأزهر الأخير مع التلميذة المنتقبة.
الدكتور عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤيد ما ذهبت إليه الدكتورة آمنة نصير، ويرى أن النقاب ليس فرضا ولا سنة ولا واجبا «ولا أى حاجة»، بحسب قوله.
يتابع بيومى: الذين يقولون بفرضية النقاب، يعتمدون على رواية ضعيفة، فعندما يقول الله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم»، فالأمر هنا يقع على غض البصر، ثم يقول: «ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها»، فإن الله يبيح للمرأة إظهار الوجه والكفين، فإذا كان الله يبيح كشف الوجه، فلماذا يغالى «المتنطعون» ويزايدون على الله فى دينه؟!
«بيومى» ذهب أيضا إلى أن الذين يتعللون بقوله تعالى «يُدنين عليهن من جلابيبهن» كدليل على فرضية النقاب، بأن تلك فريّة وتعسف، لأن الجلباب هو الذى يغطى من الرقبة إلى القدمين، وما يغطى الرأس فهو «خمار»، وهناك حديث نبوى فى صحيحى البخارى ومسلم يؤكد أن النسوة فى عصر النبى أغلبهن كن كاشفات الوجوه، فالنقاب غلو، والقرآن نهى عن الغلو، والرسول قال: «هلك المتنطعون- قالها ثلاثا».
وبينما طالبت «نصير» بالتبصير وتوضيح الأمور بالحجة والبرهان حول هذه القضية الجدلية، رفض «بيومى» اعتبار النقاب حرية شخصية، معللا رفضه بأن الحرية الشخصية تنتفى إذا غطت القيمة الدينية، بمعنى آخر، فإن «بيومى» يقول: كنا نعتمد الإقناع ولا زلنا نطالب به، لكن عندما تتمادى حركة التطرف وتظهر قنوات فضائية تروج للتشدد والتطرف وتثبتهما فى نفوس الناس فنحن إذن أمام حتمية إجراء يضع حدودا للحرية الشخصية ويرشدها.
من جانبه، قال الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا: النقاب معناه فى اللغة تغطية الوجه، ولا يوجد فى الشريعة الإسلامية ما يفيد تغطية وجه المرأة، بل إن الأدلة الشرعية تنفى ذلك، فعندما توجه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد صلاة عيد الفطر إلى الصفوف الخلفية للنساء فى المسجد، وَعَظَهُنّ، وكان مما قال: (تصدقن فإنى أُريتكن أكثر أهل النار)، قال راوى الحديث، فقامت امرأة من سِطة النساء-أى من أوسطهن- سفعاء الخدين (أى خديها لونهما أسمر مُشْرَبٌ بحمرة) فقالت: ولم يا رسول الله؟... إلخ الحديث، والشاهد هنا أن راوى الحديث رأى المرأة كاشفة وجهها، ووصف لون خديها، فكيف يرى راوى الحديث المرأة إلا إذا كانت لا تغطى وجهها، إذن، النقاب ليس فرضا.
لكننا فى الوقت نفسه لا ننقص من قيمته، فلو غطت المرأة وجهها أو لم تغطه، فلها حرية التصرف فى ذلك، غير أننا لا نقول إنه فرض، فمن شاءت فلتغطِّ وجهها ومن شاءت فلا تغطيه.
ويرى «عثمان» أن الأمر «سهل وبسيط» ولا يحتاج إلى منع المنتقبات من دخول المدارس والمؤسسات، مشيرا إلى أن الأزهر يجب أن يكون وضعه خاصا ومختلفا عن جميع مؤسسات الدولة، قائلا: لا داعى لذلك فى الأزهر، خاصة أنه فى مقدور أى امرأة أو أى فتاة منتقبة اللجوء للقضاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة