محمد السيد سعيد.. مفكر سرقه الموت فى غفلة من الجميع!

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009 02:07 م
محمد السيد سعيد.. مفكر سرقه الموت فى غفلة من الجميع! الدكتور محمد السيد سعيد
كتب سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
>> رحل المثقف الخجول بعد معاناة صعبة مع المرض ومعاناة أشد وأقسى مع أحوال البلد الذى سعى لإصلاحه بالكتابة والتحليل والتظاهر

بين أوراق الدكتور محمد السيد سعيد (رحمه الله) التى اطلعت عليها أثناء عملى معه نائبا له فى رئاسة مكتب جريدة البيان الإماراتية، ورقة مكتوبة بخط يده وبقلم رصاص تحدد هويته السياسية: «ليبرالى.. ديمقراطى..عدالة اجتماعية»، ولاحظت يومها، أن لفظ «العدالة الاجتماعية»، تمت كتابته بعد شطب كلمة «اشتراكى».

كان ذلك عام 2005، وكانت مصر وقتئذ تعيش غليانا ملحوظاً، ترفع من درجته حركة كفاية وكان الدكتور محمد السيد سعيد أحد مؤسسيها، وقادتها وكانوا من أطياف فكرية مختلفة، وكنت رغم حداثة العهد فى التعامل معه أشعر أنه يقربنى إلى كل المناطق التى أرغب أن أسأله فيها فكانت أسئلتى إليه التى لا تنتهى، وإجابته التى تحمل يقينا داخليا، لكنه اليقين الذى يقف دائما على أرض القلق، ومرة قلت له كلما شاهدتك يا دكتور متحدثا عن أفكار لامعة فى انسياب واضح، وعينيك صوب الفضاء يأتينى قول المتنبى: «على قلق كأن الريح تحتى»، كان يبتسم فى خجل، تلبسه أثواب العلماء المتواضعين، والمفكرين الذين تقلقهم الفكرة إلى الدرجة التى يخيل إليك أنهم يسعون إلى الإمساك بها لمعرفة حجم اليقين الذى تقف على أرضه.

وبهذه الحالة التى كان عليها لم أجد أصدق من التوصيف الذى قاله عنه صديق عمره الدكتور عبدالمنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام: «كان أكثرنا معرفة بالفكر بصفة عامة، ولم أعرف أحدا يطلق عليه صفة المفكر الشامل الذى يعرف الفلسفة وتاريخ الأديان وأشكالاً متعددة من الفنون المختلفة من الموسيقى إلى السينما قدر ماكان لديه، وربما كان هو الوحيد من بين كل الرفاق الذى كان يعيش الفكرة حتى تكاد تظن أنها سوف تمزق أضلعه وأعصابه ودورته الدموية، لأنه لم يكن حنجورياً قط مما جعل من جسده كله مكاناً للتوتر الكامن وراء ملامح هادئة».

كانت ملامح محمد السيد سعيد بالفعل هادئة، لكن مكامن التوتر لأجل البحث عن الحقيقة هى همه الدائم، ولهذا يمكن فهم لماذا هو شطب فى الورقة التى اطلعت عليها، كلمة «اشتراكى»، وكتب بدلا منها تعبير: «عدالة اجتماعية». شطب كلمة اشتراكى برغم أن الفكر الاشتراكى كان هو مدخله إلى عالم الفكر والسياسة والسياسيين، منذ أن دخل الجامعة عام 1968 طالباً فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وانضم إلى جمعية الفكر الاشتراكى بالجامعة أثناء تولى الدكتور عبدالمنعم سعيد قيادتها، وفى الجامعة مارس نضاله الطلابى مشاركاً فى المظاهرات، وتخرج فى الجامعة عام 1973، وشارك فى حرب أكتوبر عام 1973، وأنهى خدمته العسكرية ليلتحق بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.

سألته عما قرأته فى الورقة، ولماذا شطب على كلمة اشتراكى، عاد إلى الوراء يروى محطات أفكاره، ومن بينها أنه منذ النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى وهو مقتنع بأن الإجابات الكبرى التى قدمتها الماركسية لابد من تجاوزها، لأنها تخص مراحل تاريخية مضت وبالتحديد النصف الثانى من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، ولم تعد هذه الإجابات صالحة الآن.

لم تحمل هذه القطيعة من الدكتور محمد السيد سعيد للفكر الاشتراكى فى طبعته الماركسية الجامدة قطيعة لجانبها الإنسانى فيما يتعلق بمنحاها نحو العدالة الاجتماعية، ولم تمتد القطيعة لآباء هذا الفكر التاريخيين فى مصر، ورأيت منه شوقا لافتاً إلى الذهاب لاثنين من رواده للتسجيل معهما صحفياً هما محمود أمين العالم، والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، كان يبدو وهو يستعد لإجراء الحوارين معهما وكأنه يبحث عن صحة اختياراته السابقة على لقائهما، فالاثنان رحلا وهما على عهدهما بفكرهما الماركسى رغم كل التحولات التى حدثت.

ظل الدكتور محمد السيد سعيد يبحث عن الجديد الذى يستطيع من خلاله توسيع رقعة النضال وإخراجه من صيغه التقليدية، فكانت له البصمة الواضحة فى قضايا المجتمع المدنى، بالتحريض والعمل على إنشاء مراكز حقوق الإنسان، ولم يفعل ذلك بوصفه أكاديمياً يلقى الكلمة وفقط، أى مفكرا يجلس فى برج عاجى، وإنما ساهم بالحركة، وإثر ذلك كان اعتقاله عام 1989 بسبب تضامنه مع عمال الحديد والصلب، وهو الاعتقال الذى لقى فيه تعذيباً بشعاً، وكان زكى بدر وزيراً للداخلية وقتها، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد زيارة غاضبة قام بها إليه مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين وقتئذ. من فضاء السياسة إلى فضاء الكتابة، وعودة إلى ما يذكره الدكتور عبدالمنعم سعيد عن صديق العمر، يستوقفك عبارة قالها عن صديق العمر: «كثيراً ما كنت أقول له إن أفضل ما يمكن فعله لصديقى هو أن يعطى حجرة هادئة وقلماً، وسوف ينتج من الأفكار ما نباهى به الأمم كما فعل فى كتبه عن الشركات متعددة الجنسية والنظام العربى والثورة التكنولوجية العالمية».

لم يبالغ عبدالمنعم سعيد فى هذا الرأى، بل هو عين الحقيقة التى لو قلبت فى جانب منها لاكتشفت أنك ليس أمام مفكر من طراز رفيع يقول أفكارا وفقط، وإنما يقولها كأنه يحلق بك فى الفضاء لغة وجمالا، ولما سألته ذات مرة عن نصيبه فى الإبداع الأدبى، سألنى عن سبب سؤالى، فقلت له فى مقالتك نهايات أقرب لما يسمى فى القصة القصيرة بلحظة التنوير، وهى اللحظة التى تنتهى بها القصة لتكون كاشفة، قال: «كنت أكتب القصة القصيرة بالفعل لكننى فى مرحلة من حياتى جمعت كل ما كتبته وأشعلت فيه النار للتخلص منه نهائياً»، كانت إجابته مفاجئة ولما أبديت استغرابى، رد قائلاً: «فعلتها كى أحدد وظيفتى الأساسية كباحث فى الفكر والسياسة، وأقطع الطريق أمام أى شىء يسرقنى من هذه الوظيفة حتى لو كان الإبداع الأدبى نفسه»، أقدم محمد السيد سعيد على هذا الفعل، لكن فيما كتبه يتجلى خليط الفكر بجرعته الإنسانية التى تؤهلك مبتدأ ونهاية، للتوصل إلى أنك أمام مبدع من طراز رفيع، مبدع تشهد له حين تقرؤه، ومع اقترابك منه تجد امتداد إبداعه إلى نظرته للبشر والتعامل معهم، خاصة هؤلاء الذين كان يشعر نحوهم بمسئولية إنسانية، وكم رأيت بعينى محتاجين يدقون بابه، ويلبى حاجتهم فى صمت، ورغم اختلاف السبل مع الرفاق القدامى، رأيت الكثيرين منهم يلجأون إليه مع قسوة الظروف عليهم، وفى كل مرة كنت أراه يفك أزمة محتاج كنت أزداد يقينا بأننى أمام رجل يحمل قلبا بداخله إنسان، قلبا يسع الكرة الأرضية، أمام رجل يؤمن بأن رسالة المفكر لا تقف عند ما يقوله للبشر، وإنما ما يفعله لهم أيضا.

لمعلوماتك...
>> 1950 وتحديداً فى شهر يونيو ولد الدكتور محمد السيد سعيد
>> 2007 أسس جريدة البديل ورأس تحريرها حتى عام 2008






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة