قد تشغلك صحة رئيس دولتك، قد تنشغل بالسؤال عن حالته الصحية وعن قدرته على إدارة الدولة، قد تحاول البحث فى الموضوع يمينا ويسارا وفى كل الاتجاهات، لكنك فى النهاية لن تصل سوى لإشاعات، ولن تجد من يؤكدها لك أو حتى ينفيها بشكل قاطع.
هذا هو الحال فى مصر وفى معظم أقطار الوطن العربى، صحة الرئيس "سر عسكرى"، يقترب فى سريته من العمل المخابراتى، بل ربما يفوقه فى السرية، فالرئيس يجب أن يكون دائما فى كامل صحته وعافيته، أو كما قالت قرينة رئيس الجمهورية السيدة سوزان مبارك "زى الفل" فى وصفها لصحة الرئيس مبارك.
لكن فى الأيام القليلة الماضية، بدأ تغيير واضح فى المشهد السياسى لمصر، فعندما تستضيف أكبر المؤسسات التعليمية فى مصر بإشراف من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل اللورد ديفيد أوين وزير الخارجية البريطانى الأسبق ليتحدث فى ندوة مفتوحة عن "الصحة البدنية والنفسية للزعماء وتأثيراتها على الحكم وصنع القرار"، فإن ثمة تغيير يلوح فى الأفق، أو بأقل تقدير فإن هناك رسالة غامضة من هذه الاستضافة فى الوقت الذى تكثر فيه الأقاويل حول صحة الرئيس مبارك.
اختيار مؤسسة هيكل للصحافة لديفيد أوين ليحاضر للصحفيين المصريين، ليس الأمر الوحيد الذى يثير الانتباه، لكن تاريخ الاستضافة نفسه.. 14 أكتوبر القادم، وبالعودة بالزمن قليلا للوراء، نجد أن هذا اليوم هو نفس التاريخ الذى تولى فيه الرئيس مبارك الحكم، 14 أكتوبر 1981، مما يثير التساؤلات مرة أخرى حول الارتباط بين استضافة أوين، والرسالة السياسية التى يريد كاتب كبير مثل هيكل توصيلها للرئيس مبارك.
"هيكل يريد توصيل رسالة واضحة لمبارك، لأنه عندما يتولى أى رئيس أكثر من فترتين متتاليتين فإنه خطأ أخطاء جسيمة.. والرئيس مبارك له أكثر من 5 فترات فى الحكم"، هكذا عبر جورج إسحاق المنسق العام لحركة كفاية عن رأيه فى استضافة ديفيد أوين يوم 14 أكتوبر.
وأشار إسحاق إلى أن لا أحد يريد أن يفصح عن رأيه فى مسألة صحة الرئيس، لكن هيكل أفصح عنها بكل صراحة وبشكل علمى ودقيق، من خلال استضافة كاتب متخصص فى تأثير صحة الرؤساء على اتخاذ القرارات، ليحلل الأمور بشكل موضوعى، وأضاف "التوقيت هام وله دلالاته فى هذه الندوة".
اللورد ديفيد أوين أشهر من كتب حول صحة الرؤساء حول العالم، وله فى ذلك مؤلفات هامة، كشف فيها عن أسرار خطيرة، أكد خلالها وجود شواهد تاريخية تشير إلى كثرة الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية بين حكام العالم منذ القدم، وألف أوين كتاب باسم "المرض والسلطة"، قدم فيه دراسة للمرض وأثره على الحكام، وينظر فى كيفية تأثير المرض والعلاج البدنى والنفسى فى عملية إدارة الحكم وفى اتخاذ القرارات التى قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو الطائشة، ويظهر اهتمام أوين واضحا بالحكام الذين لا يعانون من المرض بالمعنى العادى، حيث تعمل وظائفهم العقلية بشكل أكثر جدية، لكنهم أصيبوا بما أطلق عليه "متلازمة الغطرسة"، ويقول أوين فى كتابه "مثل هؤلاء الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق المفرط فى النفس، وازدراء النصيحة والمشورة التى تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أى نصيحة مهما كانت".
الحالة الصحية لشاه إيران رضا بهلوى، أشهر الأسرار التى كشف عنها أوين، وذلك عندما توصل إلى مرض بهلوى وهو التضخم فى الكبد والسرطان، وهو الأمر الذى أبقاه سرا على الشعب لفترات طويلة، وفى أواخر أيام الشاه عندما شعر بتدهور حالته الصحية لم يفعل شيئا سوى أنه كان يترجى أطباءه مطالبا إياهم بـ"الحفاظ على صحتى لمدة عامين"، وذلك لكى يستطيع نقل السلطة إلى ابنه ولى العهد، وهو ما لم يمنحه المستقبل فرصة لتحقيقه، حيث قامت الثورة الإيرانية لتقضى على نظام حكمه بالكامل.
أما عن الرئيس الفرنسى ميتران، فأكد أوين أنه لم يرغب فى أن يفصح لشعبه عن حالته الصحية، رغم أنه تعهد فى بداية حكمه أن يصدر تقريرا كل ستة أشهر، يتضمن بيانا تفصيليا لوضعه الصحى، إلا أنه لم يلتزم بذلك خاصة بعد إصابته بسرطان البروستاتا، حيث فرض الرئيس سرية كاملة حول مرضه، حتى أنه منع أطباءه من إبلاغ زوجته بمرضه.
وكشفت دراسة أجرتها مجلة "الأمراض العصبية والنفسية"، أن 49% من الرؤساء الأمريكيين يعانون من اضطرايات نفسية، الاكتئاب تصدر قائمة الأمراض الأكثر شيوعاً بين الروساء الأمريكيين بنسبة 24%، تلاه اضطراب القلق بنسبة 8%، وكشفت الدراسة أن 27% من الرؤساء قد عانوا من الاضطرابات النفسية وهم فى مناصبهم.
"شفافية اضطرارية" هو الوصف الذى استخدمه د.وحيد عبد المجيد المحلل السياسى والاستراتيجى، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام لبيان الوضع الحالى لمسألة الكشف عن الحالة الصحية للحكام، وأضاف عبد المجيد "ليس بالضرورة أن تكون تلك الشفافية بنسبة 100%، لكن فى بعض الحالات يصبح من الصعب إخفاء المرض".
د.نبيل عبد الفتاح مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، رفض الربط بين استضافة الجامعة الأمريكية لديفيد أوين وبين الأوضاع السياسية فى مصر، لأن ذلك سيتسبب فى وجود توتر فى العلاقة بين الجامعة الأمريكية فى القاهرة والنظام السياسى فى مصر، وأكد عبد الفتاح أن الحالة الصحية للرؤساء ليست ملكا لهم وحدهم، لأنها تؤثر على قرارات الدولة.
ويشير عبد الفتاح إلى اختلاف الأمور فى الوقت الحالى، حيث تقوم الدولة فى بعض الأحيان بالإعلان عن الحالة الصحية للرئيس مبارك، وسفره إلى المانيا للعلاج.
لمعلوماتك..
1938 ولد ديفيد أوين فى إنجلترا
أوين كشف عن موت ميتران بسرطان البروستاتا.. وتضخم الكبد الذى قضى على شاه إيران..
لماذا استضاف هيكل خبير صحة بريطانيا فى عيد تنصيب مبارك؟
الأربعاء، 14 أكتوبر 2009 06:15 م
اللورد ديفيد أوين أشهر من كتب حول صحة الرؤساء حول العالم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة