فرانسيسكو دى جويا.. وأبشع لوحة فى التاريخ

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009 05:06 م
فرانسيسكو دى جويا.. وأبشع لوحة فى التاريخ "ساترن يأكل أبناءه" أبشع لوحة فى التاريخ
كتب ياسر سلطان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ساترن يأكل أبناءه، هو اسم لأحد أعمال الفنان الإسبانى "فرانسيسكو دى جويا" 1746- 1828، والذى يعتبره البعض العمل الأبرز، والأشهر فى تاريخ ذلك الفنان الذى توفى فى عشرينيات القرن التاسع عشر عن عمر يناهز السبعين عاما.

تنتمى اللوحة إلى تلك الفترة أو المرحلة التى يطلق عليها مؤرخو الحركة الفنية فى أوروبا بالمرحلة السوداء، ويخصون بها تلك السنوات الأخيرة من عمر الفنان فرانسيسكو دى جويا، والتى اشتهرت بطبيعتها التشاؤمية، والسوداوية، إذ هى تعد انعكاسا لحالته النفسية والمزاجية التى سبقت وفاته، وما صاحبها من فقده لحاسة السمع، واضطرابه الشديد، وتأثره أيضا بغزو الجيوش الفرنسية لبلاده أسبانيا، ففى هذه المرحلة اتسمت أعمال جويا بألوانها القاتمة، وشخوصها المشوهة، والمخيفة، وجنوح موضوعاتها إلى كل ما هو غريب وقاسٍ فى الميسولوجيا الغربية، غير أن هذا العمل المسمى "ساترن يأكل أبناءه" يعتبر من أهم، وأبرز الأعمال التى رسمها جويا خلال هذه المرحلة، وهو العمل الذى وصفه البعض بأنه الأبشع فى تاريخ الفن على الإطلاق، ويتناول فيه أسطورة الإله الرومانى ساترن، والتى تتداخل وتتشابه إلى حد كبير مع أسطورة الإله "كرونوس" إله الزمن عند الإغريق، ذلك الذى استولى على عرش الألوهية بعد قتله لأبيه "أورانوس" الذى لم يكن يعرف العدل، وتقول الأسطورة إن كرونوس هذا لم يكن أفضل من أبيه أورانوس، بل كان أظلم منه، وأكثر طغيانا، أما سبب التهامه لأبنائه فهو بسبب ما سمعه من نبوءات مفادها أن أحد هؤلاء الأبناء سوف يقضى عليه ويعزله عن عرش الألوهية لكن كرونوس أراد أن يتفادى تحقيق هذه النبوئة المروعة، وفكر فى بداية الأمر فى إقامة حصن أمان له يحميه من هجمات أبنائه المحتملة، لكنه لم يستطع التوصل إلى فكرة صائبة فى هذا الشأن، وكما جاء فى هذه الأسطورة لجأ كرونوس إلى حيلة وجدها ناجحة، وأكيدة الفائدة، وأصدر أوامره إلى زوجته ريا التى كان عليها أن تطيع أوامره، مهما كانت تلك الأوامر..

أمرها أن تسلمه كل مولود فور ولادته، وسلمت ريا إلى كرونوس كل مولود ولدته، وابتلع كرونوس كل مولود تسلمه من ريا، وتكرر ذلك الحدث حتى أصبح فى جوفه خمسة مواليد، وحين أدرك ريا المخاض للمرة السادسة، أخذت تصرخ وتتألم، إلا أن كرونوس لم يكن يتألم لألمها، ولم يكن يصرخ لصراخها، فقد كان ينتظر بفارغ الصبر نتيجة آلامها وصراخها.. لقد كان ينتظر المولود كى يبتلعه، ويضيفه إلى المواليد الخمسة التى ابتلعها.

وضعت ريا مولودا جميلا، ومثل كل المرات السابقة أشفقت على مولودها، لكنها هذه المرة عقدت العزم على ألا تسلمه لأبيه، فأتت بحجر، وألبسته أردية كى يبدو مثل المولود الصغير، وبعثت به إلى كرونوس الذى ابتلعه وهو يظن أنه ابنه، ونقلت ريا مولودها على الفور إلى كهف جبل مهجور ليتربى هناك مع حوريات الجبل. وحين أصبح يافعا أوعزت له أمه بفكرة الانتقام من والده، واستطاع بالحيلة أن يقدم له شراب الخردل الذى أفرغ ما فى أمعائه ليخرج أبنائه الذين ابتلعهم من جوفه، ودارت الحرب بين زيوس وإخوته من ناحية، وكرونوس وأتباعه من ناحية أخرى، وانتهت المعركة بهزيمة كرونوس على يد ابنه الشاب الثائر زيوس، وأصبح زيوس حاكم السماء والأرض، وعاقب كل من دافع عن الظلم والطغيان.

كانت هذه هى الخلفية التى أبدع على أساسها الفنان الإسبانى جويا لوحته الشهيرة، كرونوس، أو ساترن يأكل أبناءه، غير أن جويا لم يكن الفنان الوحيد الذى تناول تلك الأسطورة فى أعماله فقد سبقه عدد من الفنانين، لعل أبرزهم خلافا لجويا الفنان الفلامنكى الشهير "بول روبنز"، إلا أن لوحة جويا كانت الأكثر تأثيرا، وقدرة فى التعبير عن هذه الأسطورة بين كل الفنانين الذين تناولوها على الرغم من تكرار المشهد نفسه، ففى لوحة روبنز على سبيل المثال نرى ساترن وهو يقف ممسكا بابنه الطفل الذى يصرخ من الألم، وقد بدأ فى التهامه بطريقة وحشية، فى أسلوب كلاسيكى يراعى التفاصيل الدقيقة لحركة الأجسام والأطراف القابضة على جسد الطفل، إلا أن تناول جويا، وطريقته فى التلوين، والصياغة التى تقف فى مرحلة وسط بين المدرسة القديمة فى التصوير، والمدرسة الحديثة التى بدأت إرهاصاتها الفعلية على يد جويا كانت أكثر رعبا، وسوداوية من لوحة روبنز الذى سبقه فى تناول هذه الأسطورة بأكثر من قرنين ونصف.

ولقد أحال البعض هذا الأمر إلى انعكاس حالة جويا النفسية على مجموعة الأعمال التى رسمها فى تلك الفترة والمعروفة باللوحات السوداء.

ومن المؤكد أن لوحة جويا المرعبة تحمل من الإسقاطات الأخرى ما يبتعد بها عن كونها مجرد لوحة تسجيلية لأسطورة من الأساطير، فالظلم والقهر، والعنف، والاستبداد والفساد وجنون السلطة هى من الأمور التى يمكن لنا أن نراها واضحة فى تفاصيل، وثنايا، ودلالات العمل الذى أمامنا، وهى أمور تتسم باستمرارية الحدوث والتكرار فى حياة الناس والتاريخ، وما أشبه الواقع الذى نعيشه اليوم بهذه اللوحة التى نجح جويا من خلالها فى التعبير عن مشاعره وأحاسيسه الداخلية عبر استخدامه للظلال والألوان القاتمة، والحركة الثائرة، وكذلك الملامح الجنونية لذلك الكائن المهول الذى فقد صوابه، وفقد القدرة أيضا فى السيطرة على مشاعره، ورغباته الشريرة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة