معظم شباب اليوم طريح الفراش يلفظ أنفاسه الأخير، مَرِضَ دون مقدمات، راقد الآن بمستشفى "السقوط المروع" أجريت له الفحوص والتحاليل، فلم يظهر رسم القلب إلا سرطان اليأس قد انتشر فى جميع جسده، ورسم المخ أثبت وجود وعى زائف، وثقافة مستوردة.
عندما علم بوجود المرضى تمادى فى الضحك، ولم يحرك ساكناً، إلا أن المرض اشتد عليه وأحس بدوار الوعى الزائف، تلفت عن يمينه، أعجبه دواء عفا عليه الزمن، غير صالح للاستخدام الآدمى، تناوله فرحاً معتقداً فيه الشفاء، شلت يده، لم يسأل عن مكنون هذا الدواء، يد حمقاء منقوش علها النجمة السوداء دسته له؟
ها هو التابوت الأبدى يجهز، والعويل والنحيب والآهات حلت على الوجوه، مات منتحراً فهل يجوز الصلاة عليه، فهل حينما يدفن سيترحم الجيل القادم وينعيه، ها هى ذكراه البالية على الألسنة، والرياح تنثر جثمانه ما بين الجبال والأودية.
لم يدرك الشباب أن حالة اليأس هى جملة اعتراضية -لا محل لها من الإعراب- سيستأنف سياق الكلام بعدها.
لم يسمع صوت التاريخ ينادى من خلف القرون أن ما بعد المحنة منحة، وأن بعد سقوط بغداد عين جالوت، وبعد سقوط القدس حطين، وأن بعد "أثناء" العسر يسرا.
وليته سمع قول الشاعر
البحر موعدنا
وشطآننا العواصف
جازف
فقد بعد القريب
ومات من ترجوه
واشتد المخالف
لن يرحم الموج الجبال
ولن ينال الأمن خائف
القلب تسكنه المواويل الحزينة
والمدائن للصيارف
خلت الأماكن للقطيعة
من تعادى أو تخالف
جازف ولا تأمن لهذا الليل أن يمضى
ولا أن يصلح الأشياء تالف
هذا طريق البحر
لا يفضى لغير البحر
والمجهول قد يخفى لعارف
جازف
فإن سدت جميع طرائق الدنيا
أمامك فاقتحمها ولا تقف
كى لا تموت وأنت واقف
