محمد حمدى

موعد مع الوطن

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009 12:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلما أبحرت بين صفحات الإنترنت المتعددة الألوان والمشارب عدت بذاكرتى إلى بداية الثمانينات حينما سافرت فى الإجازة الجامعية للعمل فى إيطاليا فى شهور الصيف، لم تكن الفضائيات قد بدأت بعد، وبالطبع لم يكن إرسال الإذاعة المصرية يتخطى البحر المتوسط، أما الصحف المصرية فلا تصل إلى أوروبا باستثناء أعداد محدودة من الأهرام كانت تأتى على الطائرة وتباع فى اليوم التالى.

اعتدت صباح كل أحد ركوب حافلة من ضاحية مجاورة لميلانو، ثم مترو الأنفاق فى رحلة تمتد أكثر من ساعة للوصول إلى ميدان شهير فى قلب ميلانو يدعو بياتزا الدومو حيث تباع الأهرام المصرية لأشترى عدد السبت وأمضى النهار فى ساحة أشهر كنائس ميلانو لتصفح الجريدة وقراءة كل كلمة وكل حرف.

كان هذا موعدى الأسبوعى مع الوطن، أعرف أخباره مرة واحدة فى الأسبوع، ويفوتنى أكثر مما أعرف، لكن ظل هذا الموعد مع الأهرام بمثابة لقاء خاص مع الوطن أحرص عليه طوال شهور الغربة الصيفية.

الآن تبدو الحياة أسهل بكثير مما عشناها، فالإنترنت جعل البعيد أقرب مما نتصور، ويكفى أن تدلف بين صفحاته لتكون فى قلب الوطن، تقرأ صحفه وتشاهد أخباره وتسمع أغانيه وتستمع بأفلامه، ولن تغيب عنك بالطبع شائعاته.. والأهم أنه سهل وسيلة الاتصال بين البشر لدرجة أن تواصلى مع أناس فى كل أنحاء المعمورة أصبح يأخذ حيزاً كبيراً من أجندتى اليومية.

وحين ظهر الكمبيوتر والإنترنت كتب الكثير من علماء النفس والاجتماع عن مخاطره على الناس، فهو يساهم بشكل كبير فى وحدة البشر الذين تنقطع علاقتهم بالواقع الحقيقى ويغرقون فى واقع افتراضى مثل أحلام اليقظة.. وصدرت تحذيرات عدة من مخاطر الإنترنت قد يكون بعضها صحيحاً، لكن الأكيد أن فوائده حتى هذه اللحظة أكثر من مضاره.

وفى بلد مثل مصر كسر الإنترنت الحدود والقيود، وعرف الناس كيف يطالبون بحقوقهم، وكيف يصنعون رأياً عاماً مؤيداً، كما حدث فى قضية مصنع أجريوم للأسمدة فى دمياط، حيث تحول الفيس بوك إلى ساحة سياسية لمساندة أهالى دمياط فى مطالبهم.

المشكلة الأكبر أنه حين لم يكن الإنترنت موجوداً كنا نبحث عن الوطن ونحن فى الخارج مثل البحث عن إبرة فى كومة القش، بينما الآن ونحن نعيش فى قلب الوطن، ووسط هذا الفيض الذى لا ينقطع من أخباره وحكاياته نشعر فى أحيان كثيرة بالغربة الداخلية، وهى أشد خطراً من غربة المغتربين فى الخارج، لذلك أحن كثيراً للأوقات التى كنت أنتظر فيها موعدى مع الوطن فى بياتزا الدومو بمدينة ميلانو الإيطالية!






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة