على مدار أكثر من ألف عام قام الأزهر الشريف بدور بارز فى نشر الدعوة الإسلامية فى أنحاء العالم بالعلم والمعرفة والحكمة والموعظة الحسنة، ومثّل شيوخ الأزهر قمما شامخة وعلامات بارزة ورموزا مشرفة فى هذا الشأن، وكان آخرهم الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق - يرحمه الله - ولكن منذ قدوم فضيلة الشيخ الدكتور سيد طنطاوى تغير الأمر درجة كبيرة، واختلف قبول الناس للأزهر وعلمائه بسبب تدخل الجهات الأمنية فى تسيير شئون الأزهر، واعتبار شيخ الأزهر موظفا فى الحكومة بدرجة وزير – وهذا هو تعبير فضيلة الشيخ فى أكثر من موقف.
ولا يتوقف الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر عن إثارة الجدل بمواقفه وقراراته الارتجالية التى تفتقد إلى الحذر وفقًا لما يتطلبه منصبه. فبين الحين والآخر يخرج بآراء غير مألوفة، وشاذة فى الفقه الإسلامى من أمثال التعامل مع البنوك، ومواقف مستهجنة مثل مصافحة رئيس الكيان الصهيونى دون اعتبار لمشاعر المسلمين التى تثير أزمة فى الأوساط السياسية والدينية.
وكان آخرها واقعة زيارته لأحد المعاهد الدينية وإجباره لإحدى التلميذات على خلع النقاب الذى ترتديه، قائلا لها: إن النقاب مجرد عادة، وليس من الدين فى شىء. ومذكّرًا إياها بأنه "يعرف فى الدين أكثر منها ومن اللى خلّفوها"، بحسب ما نشرته بعض الصحف عن الواقعة. وهو ما أثار جدلا واسعًا حول طريقة وأسلوب شيخ الأزهر الذى يجب أن يلتزم النصح والإرشاد، ولا ينقاد وراء انفعالاته الوقتية، وهو الأمر الذى اشتهر به فى أكثر من مناسبة. فا بالله عليك لو تصرف الشيخ بطريقة أفضل مما فعل لترك أثرًا تربويًا فى نفوس التلميذة ونفوسنا جميعًا.
ولعل الزميل حمدى رزق فى مقالته بصحيفة المصرى اليوم بعنوان "لو كنت فظا" بتاريخ (5/10/2009) ترد بشكل واضح على أسلوب الشيخ فى الرد على التلميذة. وتخيل معى لو أن شيخ الأزهر لم يعلق على موضوع النقاب فى حينه وأجّله وناقشه فى إطار علمى بين علماء الأزهر ومسئولى المعاهد الأزهرية هل ستكون النتيجة بهذا الشكل؟!!
لقد أثار موضوع النقاب الإعلام والرأى العام برغم أنه بحت فى المجال الفقهى كثيرًا منذ القدم، ولعل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية فى مواصفات الداعى إلى الله أن يتسم بالعلم والرأفة بمعنى العلم بما يقول ويدعو إليه، والرأفة فى الأسلوب والوسيلة.
هذا الموضوع للأسف صرفنا عن قضايا الأمة الأساسية وخصوصًا نصرة الأقصى ومقدساتنا الإسلامية. وبدلا من أن يهتم الشيخ بهذا الموضوع ويقود الأمة لنصرة الأقصى شغلنا بخلاف فقهى لا ينفع الأمة فى حاضرها بشىء إلا زيادة الخلاف وتوسيعه بين المسلمين !!
يا فضيلة الشيخ مع احترامى وتقديرى لمقامك أرجوك أن تنتبه إلى مثل هذه التصرفات والتصريحات، وليكن لفضيلتك موقف واضح فى نصرة قضايا الأمة وتوجيهها إلى ما فيه خيرها وعزتها وكرامتها، ولا تشغلنا بالقضايا الفرعية التى لا تفيد فى تقدّم الأمة ونصرتها، فالأعداء كُثر يتربصون بنا، ويدنسون مقدساتنا ويجتمعون علينا، ويستخدمون كل الوسائل فى صرفنا عن ديننا، ولا يخفى على فضيلتكم هذا. وبطبيعة الحال لن أورد النصوص والأدلة على ذلك ففضيلتكم أعلم بها منى.
أنظر فضيلتك وقلّب فى القنوات الفضائية والصحف اليومية والأسبوعية ومواقع الإنترنت وخطب الجمعة لا شغل لهم إلا موضوع النقاب بين الفرضية والوجوب والإباحة والعادة، وتركوا عن قصد أو بدون قصد موضوع نصرة الأقصى وفلسطين، مما يصبّ فى خدمة الكيان الصهيونى!!
رحم الله مشايخنا وجزاهم عنّا وعن المسلمين خير الجزاء، فقد كانوا قدوة لنا فى العلم والعمل. وأضع بين يدى فضيلتكم مواقف للشيخ الجليل والإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود (نقلا عن موقع إسلام أون لاين):
1- صدر قرار تعيين الشيخ عبد الحليم محمود شيخا للأزهر فى (22 من صفر 1393 هـ = 27 من مارس 1973م)، وكان هذا هو المكان الطبيعى الذى أعدته المقادير له، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد من رئيس الجمهورية فى (17 من جمادى الآخرة 1394هـ= 7 من يوليو 1974م) يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدّم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرًا أن هذا القرار يغض من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية فى مصر والعالم العربى والإسلام .
روجع الإمام فى أمر استقالته، وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره، لكن الشيخ أصرّ على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويًا هائلا فى مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامى، وتقدّم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبًا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.
وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر الرئيس أنور السادات إلى معاودة النظر فى قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارًا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى فى كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية فى الأزهر.
وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه فى الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه ليواصل جهاده.
2- كان الشيخ عبد الحليم يدرك خطورة منصبه، وأنه مسئول عن القضايا التى تتعلق بالمسلمين، وأنه لا ينتظر من أحد توجيهًا إلى النظر فى بعض القضايا وغض النظر عن بعضها، فكان للأزهر فى عهده رأى ومقال فى كل قضية وموضوع يتعلق بأمر المسلمين، فتصدى لقانون الأحوال الشخصية الذى حاولت الدكتورة عائشة راتب إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، وحرصت على إقراره من مجلس الشعب على وجه السرعة، وكان هذا القانون قد تضمن قيودًا على حقوق الزوج على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية.
ولمّا علم الإمام الأكبر بهذا القانون أصدر بيانًا قويًا حذّر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون، بل وقف فى وجهه قبل أن يرى النور، لكن بيان الشيخ تآمرت عليه قوى الظلام فصدرت التعليمات إلى الصحف بالامتناع عن نشره، واجتمعت الحكومة للنظر فى بيان الشيخ عبد الحليم محمود، ولم تجد مفرًا من الإعلان عن أنه ليس هناك تفكيرا على الإطلاق فى تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح الإمام فى قتل القانون فى مهده.
3- اقترح البابا شنودة بطريرك الأقباط فى مصر تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعًا فى المدارس، مبررًا ذلك بتعميق الوحدة الوطنية بين عنصرى الأمة، وتقوية الروابط بينهما.
لقى هذا الاقتراح قبولا بين كبار المسئولين، وزار الدكتور مصطفى حلمى وزير التربية والتعليم آنذاك الإمام الأكبر ليستطلع رأيه فى هذا الاقتراح، لكن الشيخ الغيور واجه الوزير بغضبة شديدة قائلا له: من آذنك بهذا، ومن الذى طلبه منك، إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة، ويوم يُطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردى عليها سوى الاستقالة.
وما كان من الوزير إلا أن استرضى الشيخ الغاضب وقدّم اعتذارًا له قائلا له: إننى ما جئت إلا لأستطلع رأى فضيلتكم وأعرف حكم الدين، ويوم أن تُقدّم استقالتك لهذا السبب فسأُقدم استقالتى بعدك مباشرة. أضع هذا الكلام بين يدى القارئ الكريم ليعرف كيف كان سلوك شيخ الأزهر فيما مضى، وأقول لفضيلة الإمام الشيخ سيد طنطاوى سامحك الله.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة