فى كل يوم بعد أن تنتهى معاناة هذا اليوم، أو بعض من معاناته التى لا تنتهى أجلس أمام برامج التوك شوه- كما يطلقون عليه- لأتفقد حال الدنيا، أو بالأحرى حال أم الدنيا وخصوصا أنى أعيش متغربة عنها، أزورها كل عام بفرحة لقاء ودمعة فراق يلوموننى عليها بعض الأصدقاء، ويعددون أمامى شكاواهم ومساوئ الحياة المتعددة التى باتوا يحيونها كل يوم، وأنا بدورى أقول لهم هذا هو كلامكم لأنكم لم تتذوقوا ليالى غربتها، لم تدمع عيونكم لأغانيها الوطنيه، لم تفتقدوا الأهل والخلان، ولم يتسرب من بين أيديكم العمر، ولا تعرف أين وكيف ستكمله هل تعيش غريبا وتموت غريبا؟ ومن أنت وسط غربة البشر وغربة المكان؟ وهكذا وكل طرف منا يحاول أن يثبت للآخر صحة أرائه وأعود مجددا إلى غربتى وأعود مجددا أتابع ما يجرى فى وطنى. أتضايق لبعض الوقت عندما أسمع أخباراً سيئة وأخشى أن أغير رأيى الذى دائما أدافع عنه ثم أعود، وأنسى ما قد سمعته وأتمسك بحبى لهذا الوطن بنفس القدر وربما أكثر، يزعجنى بعض السلوكيات السيئة للبشر مثل سوء الأخلاق فى الشارع، مثل كمية القمامة التى أصبحت لا تفرق بين رقى حى سكنى وتواضع آخر ومثل الشكليات التى نحرص جميعا على التظاهر بها دون الاهتمام بالجوهر، وهكذا وهكذا كل يوم مثل الآخر، وكل عطلة سنوية مثل الأخرى ولكن الحال كلما تقدمت الأيام كلما ساء بنا ولا أعرف لماذا ولم الصمت!!
نعم الصمت رغم علو الأصوات لقد تعالت أصوات المتظاهرين من كل فئة وأصوات الإعلاميين كل يوم تساؤلاً وأصوات رجال الحكومة بنفى التهم وبكثرة الوعود وأصوات المعارضين والمؤيدين وأصوات آلات التنبيه فى السيارات وأصوات الشجار الدائم بالشوارع ولكنها الأصوات الأنانية، الكل يصرخ لنفسه لا أحد يصرخ ليلملم أشلاء هذا الوطن التى تبعثرت يميناً ويساراً وهذا الوطن يصرخ ولا أحد يسمعه، بعض من أشلائه ضاعت تحت أقدام متشققة متعبة، شققها العناء واللهث وراء لقمة العيش وبعض من هذه الأشلاء دفنت غرقاً مع أرواح الشباب الأبرياء فى عمق المياه الذين يحاولون الفرار عن طريق غير أمن وتهون عليهم حياتهم وذلك أيضا بسبب لقمة العيش وجزء آخر هاجر مع من هاجروا إلى البلاد التى احتضنتهم أكثر من وطنهم الأم وألقوا بوطنهم داخل أحضان هذه البلدة التى هاجروا إليها، و ما تبقى يضيع الآن مع قسوة القلوب التى ترتكب كل يوم الحوادث المفزعة وقسوة القلوب التى خلت من الضمير ومن يضر شعبه بوجه الحمل وقلب الذئب، وتختفى وتتلاشى بين يأس المدمن الذى يتسبب لنا كل يوم فى حادث مروع، وقتل الأبرياء وكأن دماء وأرواح هذا الشعب لا تمت له.
تتسألون وما الجديد فنحن كل يوم على هذا الحال وما يقع عليكى أنتى من ضرر طالما أنك تقطنين بعيدا أقول لكم إنه الأمس نعم الأمس حيث هزت كيانى كلمات مدرس بالأجر فى أحد المدارس وله مده طويلة يعمل ولا يستطيع أن يضمن عمله هو وزملائه وكانوا جميعهم يتظاهرون طلبا لتثبيتهم بالعمل و لكن تألمت لتعليقات هذا الاب الذى أقسم إنه سوف يترك إبنه ليعمل لص .هذه الكلمات صعبه جدا على أى أب أن يتلفظ بها وهذا معناه أنه وصل إلى أقصى درجات اليأس., كم آلمتنى هذه الكلمات وكانت بمثابه ناقوس أيقظنى وجعلنى أتساءل هل لا زلتى أم الدنيا؟
