على مساحة مربعة تبلغ حوالى (13) فداناً- كل ضلع من أضلاعه الأربعة يبلغ (233) متراً، وبارتفاع وصل إلى (146) متراً، وبسواعد أعداد من العمال بلغت مائة ألف عامل على مدى عشرين عاماً، وباستخدام آلاف الحجارة التى يبلغ متوسط الواحد منها (طنين ـ طنين ونصف) وبعضها يزن ثمانية أطنان، ثم بتخطيط هندسى دقيق، ودراسة جيولوجية واعية، وبحث فلكى عميق أقام أجدادنا المصريون القدماء الهرم الأكبر لخوفو فى الألف الثالثة قبل الميلاد، والذى أصبح أروع روائع الحضارة المصرية القديمة، وأحد عجائب الدنيا التى ما زالت تبهر أنظار العالم كله حتى اليوم.
هذا الهرم الشامخ يعلو هضبة الأهرام، التى تطل على مدينة القاهرة كلها، ومنطقة الجيزة على نحو خاص، وتحتها مباشرة تقع قرية أبو رواش، وبمجرد أن يغادر الإنسان (المصرى أو السائح) تلك الهضبة التى تتميز بالسكون والجلال، وتفترشها الشمس طوال العام، وتتردد فيها الرياح من كل جانب، ثم يهبط منها فى شارع الهرم، على يمينه منطقة العمرانية، وعلى شماله شارع فيصل حتى يفاجأ بتنافر المشهدين: الأول الذى اختاره الأجداد بكل دقة لكى يقيموا عليه أهراماتهم العتيدة، والمشهد الآخر الذى تكدس فيه الأحياء فى مساكن تخلو تماماً من التخطيط والتنسيق، وتمتلئ بالقذارة والروائح الكريهة.
وهنا لابد من الاعتراف بأن هذا التناقض بين المشهدين ليس وليد اليوم، ولا حتى الأمس القريب، بل إنه يمتد لعشرات السنين. والمأساة أن أحداً لم يفكر فى محاولة التنسيق الحضارى بين المشهدين، حتى يقترب- أقول (يقترب) ولا أقول (يتطابق)- أحدهما من الآخر، فإن الفرق شاسع وكل ما جرى من حين لآخر هو الاقتصار على محاولة تنظيف وتجميل شارع الهرم الذى تنتشر فيه بعض الملاهى الليلية يؤمها الزوار العرب فى الليل.. ومع ذلك فإن حركة المرور العشوائية فى هذا الشارع تعود فتفسد أى محاولة للتنظيف أو التجميل، وينفث عادم السيارات على الزهور التى يضعونها فى الأوانى الفخارية الكثير من السموم واللهيب والسواد التى تحولها إلى أعشاب جافة!.
والسؤال الذى أطرحه: هل فكر إنسان عاقل فى تسيير ترام كهربائى من أول شارع الهرم إلى آخره، لكى يستوعب ركاب سيارات السرفيس، التى تعرقل حركة المرور فيه، وتشوه منظره؟! ثم هل تقدم إنسان آخر، لديه خيال وحس جمالى، وفكر فى إنشاء خط تلفريك، يصعد بالزائرين من أول شارع الهرم حتى آخره فى الهواء كما فعلت باريس فى منطقة (مونتمارت)؟!
إن المهندس المصرى المعاصر أصبح يفكر مع الأسف وكأنه مقطوع الصلة تماماً بتاريخ حضارته القديمة الرائعة، وكذلك بما يحدث فى مدن العالم المتقدمة، التى إذا لم يكن قد شاهدها بنفسه، فيمكن أن يطلع على معالمها وإنجازاتها المتطورة على شبكة الإنترنت!.
وأما مسئولو حى الهرم، فلا أدرى كيف ينامون فى الليل، وأكوام القمامة تملأ الشوارع والحارات فى المنطقة المحيطة بالهرم، دون أن يعملوا على إزالتها فى الصباح الباكر، وقبل أن يذهب الناس إلى أعمالهم، كما يحدث فى كل بلاد العالم؟!
كيف تتجاور القمامة مع الهرم فى حى واحد؟ وماذا يقول العالم عنا حين يزور السائحون هذا الهرم الشامخ، ويلتقطون الصور التذكارية بجانبه، ثم يشاهدون هذا المنظر القبيح فى الحى المجاور له مباشرة؟! ألا تقفز لأذهانهم على الفور، وبعد أن يعودوا لبلادهم- تلك المفارقة المزعجة بين المصريين: القدماء والمعاصرين؟ّّ!
إننى أكتب هذا المقال الحزين، لا ليكون صرخة فى واد، وإنما ليكون جرس تحذير وتنبيه وإيقاظ، ومحاولة للبدء فى عمل جاد، وهو ممكن وليس مستحيلاً. المهم فقط أن يتحرك المسئولون لكى يستحقوا الرواتب والمكافآت التى يتلقونها نظير مسئوليتهم، وأن يتفاعل معهم المواطنون المصريون لكى يستحقوا شرف الانتماء لوطنهم العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة