أحمد حسن خيرى

شيخ حارة للزبالة

الخميس، 01 أكتوبر 2009 11:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طفح الكيل.. وأمتلأت أوانى الصبر عند الناس حتى فوهتها.. بعد أن عجزت المحليات فى التعامل مع قضية تلال الزبالة.. وتركتها ترتع فى الشوارع حتى تفحلت.. وتضخمت مع مرور الأيام.

مشكلة بسيطة نتعامل معها منذ عشرات السنين، حولها عجز المحليات مؤخرا إلى كارثة هلامية فى عقول عامة الشعب.. إلى كائن خرافى ينفث بينهم الأمراض الفتاكة.. تعاظمت آثارها مع اتجاه الدولة إلى التقليل من قيمة خبراتنا المحلية فى التعامل معها، وسعيها خلف عقد الصفقات مع الشركات الأجنبية من باب "عقدة الخواجة" متناسية الاختلاف البين بين طبيعة الشعوب وسلوكياتهم.

رغم تلك الإشكاليات ظهرت تجارب فردية ناجحة.. حولت الزبالة إلى مليارات، بأفكار مبتكرة معجونة بروح المجتمع المحلى.. بنائها منسوج ومجدولة بأساليب تحاكى وتتكيف مع قيم ومعتقدات قاطنى المناطق العشوائية.

البداية كانت فى منشأة ناصر.. بفكرة بعيدة عن العادة.. عن أساليب المحليات فى استنباط الحلول الجاهزة عبر التنقيب والبحث فى دفاترها القديمة.. المهترئة أو المستوردة من الخارج.

فكرتها بنيت على تنصيب.. ومنح تفويض شفهى لرجل كبير السن، يجرى تعيينه على درجة شيخ حارة للزبالة.. بهذا الابتكار نطقوا.. وصرخوا.. وحرقوا ثياب الحلول القديمة المعلبة.. وحولوا مشكلة الزبالة من خسارة وكارثة قومية إلى استثمار ومكاسب مادية.

جاء اختيار "شيخ الحارة" متناسق مع بعض المعايير التى اتفقوا عليها، حتى يحقق المستهدف منه.. شخصية حكيمة يوقرها الناس.. فى أفراحهم وأحزانهم يلتفوا حوله.. لديه الترخيص وتأشيرة الدخول للبيوت فى أى وقت يشاء.. يقابلونه بالترحيب والتبجيل.. يستشيره الرجال والشباب قبل النساء فى مشاكلهم الحياتية.. يحترمون رأيه.. وينصاعون خلف أحكامه وقراراته .

للتغلب على قلة خبرته فى إدارة زبالة الشوارع، من منبعها داخل المنازل مرورا بوضعها داخل الصناديق المخصصة لها.. لجأوا إلى إحدى الجهات الداعمة للعمل الأهلى بالمنطقة.. قدمت له التدريب والتأهيل والتوعية المطلوبة.. وأهلته على الطرق التى يحول بها الزبالة من نقمة إلى نعمة.. من كارثة وتلال إلى باب رزق للأسر الفقيرة.. واستنهاض مروءة ابن البلد بداخل أهالى الحى.. أدرك طرق فرز الزبالة من منبعها.. والتعامل السليم مع أنواع المخلفات الصلبة والسائلة
.
واستعدت عجلات الإنتاج للعمل.. وتهيأت مكابس البلاستيك المنتشرة فى داخل الأحياء للانطلاقة.. وانتظر الشباب فرص عمل سوف تتوالد.. وخامات سوف تنتج.. فزبالة مصر من أغنى زبالات العالم باعتراف المنظمات الدولية.. حيث وصل سعر الطن الواحد إلى 6 آلاف جنيه، وتنتج مصر قرابة 15 ألف طن قمامة يوميا، بقيمة تصل إلى حوالى 5 مليارات جنيه سنويا، قادرة على توفير 120 ألف فرصة عمل تتنوع بين عمليات الجمع والفرز وإعادة التدوير .

نجح شيخ الحارة فى نقل خبرته المكتسبة إلى أهل شارعه.. درب ربات بيوت المنطقة على تصنيف الزبالة.. نجح فيما فشلت فيه الشركات الأجنبية، التى رفعت شعار تحصيل الأموال.. والتعامل مع أهالى الأماكن العشوائية من منطلق تفكيرها الأوروبى.. بقيم ومعتقدات تختلف عن إدراك سكان.

نحن أمام تجربة وطنية ناجحة وشخصيات مختلفة فى تفكيرها.. وتكوينها.. يمكن تعميمها على نطاق المناطق العشوائية والنائية، لتتخطى بها المحليات مشاكل الشركات الأجنبية المسئولة عن نظافة القاهرة، التى خافت بعد فشلها أن تتعرض للمساءلة، فأعلنت عن إضرابها عن العمل بحجة عدم حصولها على مستحقاتها وتعرضها لخصومات وغرامات كبيرة.. فوضعت نفسها فى مرتبة المظلوم.. المهدر حقه.. لا المقصر.. المتواطئ على زيادة أكوام الزبالة فى العاصمة بشكل مخيف، وسط مخاوف من انتشار الأمراض الوبائية، واحتمالات تزايد الإصابة كل يوم بالطاعون.. والمحليات لا شاغل لها غير تكوين اللجان للبحث، وعقد اجتماعات فاشلة تتمخض عن تهديدات بفسخ عقد الشركات دون أن يقدموا خطة بديلة لحمايتنا واستثمار الزبالة .





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة