أكدت صحيفة واشنطن بوست فى عددها الصادر اليوم، الجمعة، أن إسرائيل تواجه نوعاً من الفشل، فى معركتها فى غزة.. لكن ربما يكون هناك نتيجة أخرى أكثر أهمية من ذلك. فالحرب على حماس أثبتت مرة أخرى أنه لا يمكن القضاء على الحركات المتشددة فى الشرق الأوسط بالوسائل العسكرية. وإذا استفادت إدارة الرئيس الأمريكى القادم باراك أوباما من هذا الدرس، فسيكون لديها فرصة أفضل لتحييد الجماعات التى تدعمها إيران مثل حماس وحزب الله، والتوصل فى النهاية إلى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل تراهن على إمكانيتها التقليل من قدرات حماس العسكرية ومن ثم إجبارها على قبول وقف إطلاق النار وفقاً لما تريده إسرائيل. وكما هو متوقع، رفضت حماس لعب هذا الدور. وحددت حماس انتصارها فى بقائها على قيد الحياة. ووفقاً لهذا المعيار لا تنوى حماس الموافقة على تهدئة جديدة ما لم تحصل على العديد من المكاسب فى المقابل مثل إنهاء الحصار الاقتصادى لقطاع غزة.
وأضافت أن هذا يعنى أنه سيتعين على إسرائيل الاختيار ما بين محاولة الإطاحة بحركة حماس من السلطة (وهو الأمر الذى سيكلف إسرائيل الكثير ويترك جنودها عالقين فى غزة إلى وقت غير محدد)، أو القيام بعدة تنازلات هامة لحماس أو الانسحاب دون الاطمئنان إلى أن مدنها الجنوبية لن تتعرض للصواريخ.
وفى أحسن الأحوال، قد يفوز رئيس الوزراء الإسرائيلى المستقيل إيهود أولمرت بموافقة على وجود قوات دولية للمساعدة على وقف تهريب أسلحة جديدة من مصر إلى غزة، وهو الأمر الذى لا يتطلب بالضرورة موافقة حماس. لكن هذا لن يعوق حماس عن الاستمرار فى تصنيع الصواريخ أو من الادعاء بأنها نجحت فى مقاومة الغزو الإسرائيلى مثلما فعل حزب الله فى لبنان.
ولا ينحصر المأزق الذى صنعه كل من وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبى ليفنى لأنفسهما فى قدرة حماس على سحب مقاتليها وصواريخها إلى المساجد والمدارس والأحياء المكتظة بالسكان، بحيث يمكنهم الاستمرار فى القتال الدامى لعدة أسابيع. بل إن المغالطة الأكبر هى الفكر السائد بين القادة الإسرائيليين بأنه يمكن القضاء على حماس بشكل ما بالحصار الاقتصادى أو بقوة السلاح.
وعلى العكس من القاعدة، حماس ليست مجرد منظمة "إرهابية" بل هى حركة سياسية واجتماعية تحظى بدعم يجب أخذه فى الاعتبار. ولها أيدولوجية تعادى الولايات المتحدة وإسرائيل، تحظى بتأييد فى كل الدول العربية من المغرب إلى العراق. ولأنها حركة متشددة، فإنها تعيش على الحرب والمعاناة التى تلحق بالفلسطينيين والغضب الذى لا نهاية له. ففى كل يوم تستمر فيه هذه الحرب تصبح حركة حماس أكثر قوة من الناحية السياسية وكذلك الحال بالنسبة لحلفائها فى الدول الأخرى وراعيتها إيران.
وعلى الرغم من أن إسرائيل ملزمة بالدفاع عن مواطنيها وحمايتهم من الصواريخ والتفجيرات الانتحارية، فإن الطريقة الوحيدة لهزيمة حماس هى الطريقة السياسية. فالفلسطينيون الذين لا يوجد لديهم تاريخ من الأصولوية الدينية يجب أن يتم إقناعهم باختيار قادة أكثر اعتدالاً مثل حركة فتح العلمانية. وفى الوقت نفسه، لابد من التسامح إزاء وجود حركة حماس ويجب تشجيعها بتحويل طموحاتها إلى السياسة أكثر من النشاط العسكرى. وهذا يعنى إجراء انتخابات مثل التى فازت فيها حماس عام 2006 والتى سيطرت بموجبها على البرلمان الفلسطينى.
هذه الانتخابات حدثت على الرغم من اعتراضات إسرائيل وتسببت نتائج هذه الانتخابات فى أن فقدت إدارة بوش (التى تدافع عن الديمقراطية فى الشرق الأوسط) أعصابها. وعندما توصلت حماس وإسرائيل إلى فترة هدوء استمرت لمدة ستة أشهر، بدأت السياسة تجدى نفعاً. فقد كشفت استطلاعات الرأى عن أن دعم الفلسطينيين لحركة حماس فى غزة والضفة الغربية بدأ يتهاوى. وبدأ الرئيس الفلسطينى وزعيم حركة فتح يتحدث عن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، وظن أنه يستطيع الفوز بكليهما.
وكانت مصر تعمل كوسيط من أجل التوصل إلى اتفاق بين الغريمين الفلسطينيين. وبدا انقساماً ما، يحدث فى حماس بين قادتها الذين يريدون التوصل إلى اتفاق ومد السلام مع إسرائيل، وهؤلاء المتشددين الذين تدعمهم إيران ويريدون "جر" إسرائيل إلى القتال.. وكان من الممكن أن تتأكد إسرائيل من أن المعتدلين سيفوزون من خلال رفع الحصار الاقتصادى على غزة والاستمرار فى وقف إطلاق النار. ومن ثم تستطيع إسرائيل التركيز على مفاوضات السلام مع عباس، وتحسين حياة الفلسطينيين فى الضفة الغربية فى الوقت الذى يُلقى فيه اللوم على حماس بالتسبب فى البؤس الذى يعيش فيه فلسطينيو غزة.
وبدلا من ذلك، اختارت إسرائيل القتال. والآن تعانى من خسائر كبيرة وتخلق صورا بشعة عبر التلفزيون، وستضطر إلى قبول تسوية غير مرضية لها.
بعد فشل إسرائيل فى غزة..
واشنطن بوست: لا يمكن القضاء على التطرف بالحرب فقط
الجمعة، 09 يناير 2009 05:12 م
مجازر إسرائيل فى غزة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة