بداية كل سنة هى فرصة جديدة لإبداء الإعجاب بالطريقة التى استخدمها قدماء المصريين لحساب الوقت والزمن. لقد عاش القدماء باتصال مباشر مع الطبيعة، فراقبوا الكواكب والنجوم والأشكال المختلفة التى يظهر بها القمر: كمزارعين راقبوا اعتدالات الربيع والخريف والانقلابات الصيفية والشتوية، وعظموا الشمس بصفة خاصة، فى الصعيد على وجه الخصوص، تلك المنطقة التى يندر فيها سقوط الأمطار. ومن المعروف أن هناك قاعدة علمية تقول إنه من أجل أن يكون حساب الزمن صحيحا، يجب أن تمر الشمس فى نفس النقاط على الأرض فى تاريخ وساعة واحدة. والمصريون القدماء هم الذين أرسوا هذه القاعدة وهم الذين حددوا السنة الشمسية بأكثر من 360 بقليل.
والواقع أن قبل 4000 سنة، كان المصريون يستخدمون التقويم القمرى الذى تستخدمه الأمة الإسلامية اليوم، وعدد أيامه 354. فكانت السنة مقسمة إلى 12 شهرا كل منها 29 أو 30 يوما، مما تسبب فى حدوث اختلاف سنوى مقداره 11 يوما. بين التقويمين الشمسى والقمرى. بعد ذلك جاء الملك زوسر من الأسرة الفرعونية الثالثة (2800 قبل الميلاد) وتأكد تطبيق التقويم الشمسى بظهور كوكب الشعرى اليمانية (سيريوس) الذى يستطيع المصريون رؤيته بالعين المجردة فى بداية الفيضان فى أواخر شهر يونيو من كل عام. وابتداء من هذه الفترة، انقسمت السنة المصرية إلى 360 يوما و12 شهرا كل منها 30 يوما، بالإضافة إلى شهر قصير جدا ومدته 5 أيام أطلقوا عليه اسم "النسىء". استمر الحال هكذا حتى سقوط مصر تحت براثن الحكم الرومانى. وعندما جاء يوليوس قيصر إلى الحكم فى عام 30 ق.م، تقلص الاهتمام بالتقويم المصرى الذى انحصر استخدامه فى الطقوس الدينية، ليحل محله التقويم الرومانى السائد فى معظم دول العالم آنذاك.
سنة أكثر طولا
ولتصحيح حساب السنة، قرر يوليوس قيصر إضافة يوما إضافيا إلى تقويمه الشمسى المكون من 365 يوما وربع، لتصبح أيام العام 366 مرة واحدة كل 4 سنوات، وتم الاتفاق أن يأتى هذا اليوم دائما فى نهاية شهر فبراير. لكن حتى تلك اللحظة، ظلت طريقة حساب الأيام ينقصها شىء. وبحسبة أخرى بسيطة، اكتشف العلماء أن عدد أيام السنة الفعلى هو 365.24226، أى أقل قليلا من 365 يوما وربع.. إذا يوجد فارق فى الحساب الأصلى مقداره 0.00774 يوم. وبعد هذا التاريخ بـ400 سنة، يصبح مقدار هذا الفارق 3.096 يوم. لكن حتى اكتشاف هذا الخطأ لم يشفع فى الحصول على حساب دقيق للزمن، لأنه بهذا الحساب، تصبح السنة الرومانية أطول من السنة الشمسية بمقدار 11 دقيقة و14 ثانية.
وفى عام 1582 الميلادية، بلغ الفارق حوالى عشرة أيام. وهذا ما اكتشفه علماء الكنيسة فى روما وأبلغوه إلى البابا غريغوريوس بابا الفاتيكان فى ذلك الوقت. ولتدارك هذا الأمر، أصدر غريغوريوس أمرا رسميا بأن يكون اليوم التالى ليوم 4 أكتوبر 1582 هو 15 أكتوبر وليس 5 أكتوبر كما هو متوقع!
عيد الميلاد: 25 ديسمبر أم 7 يناير؟
المهم أنه رغم كل هذه التصويبات، مازال تقويم يوليوس قيصر الذى يطبق فى حساب الأعياد الدينية الشرقية، يعانى من اختلافه بمقدار 13 يوما عن دورة الشمس التى يعتمدها تقويم غريغوريوس. ولهذا السبب يكون الاحتفال بعيد الميلاد لدى الطوائف الأرثوذكسية يوم 7 يناير 2009، وليس يوم 25 ديسمبر 2008، كما تعتقد الطوائف الكاثوليكية. وبشكل عام، فإن تحديد ميعاد الميلاد هو تحديد تقريبى، ولا أحد يستطيع - من الناحية العلمية البحتة - حساب اليوم والساعة اللذين ولد فيهما السيد المسيح.
خاتمة
تقويم قمرى أو شمسى.. صاحبه يوليوس قيصر أو غريغوريوس.. لا يهم. فقد قام الإنسان بتحديد التقويمات لحساب الزمن الماضى والآتى، ولتذكر أو تنسى الأفراح والآلام. وكما تعلمنا حكمة القدماء علينا أن نسير..
"تأتينا الساعات تدق فى آلة الزمن ولا نندم
ولا ننتظر هباء
بل نبتسم إلى الحياة
وتملأ الفرحة عيوننا".
الحسابات العلمية لم تحسم تاريخ مولد السيد المسيح.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة