بعد توقف دام لمدة سبع سنوات عن كتابة الرواية، عادت الكاتبة بهيجة حسين برواية جديدة تحمل عنوان "حكايات عادية لملء الوقت"، "القهر" هو بطل الرواية الرئيسى ومحركها الأساسى، وهو نفسه البطل السابق لروايات الكاتبة، وهى "البيت"، "رائحة اللحظات"، "أجنحة المكان"، "مرايا الروح"، فمقاومة القهر كما تقول بهيجة رسالة تحملها فى كل أعمالها، عن روايتها الجديدة. كان لليوم السابع معها هذا الحوار..
"حكايات عادية لملء الوقت".. لماذا هذا الاسم وكيف قمت باختياره؟
توقفت بعد رواية "البيت" لفترة طويلة عن الكتابة، تصورت خلالها أننى لن أعود لكتابة الراوية مرة أخرى، وفجأة شعرت بداخلى بمساحة من الفراغ تفجرت فيها بداخلى الحكايات التى كنت أشاهدها منذ الصغر، وأقول لنفسى أنها مجرد حكايات عادية، وقررت فى لحظة كتابتها، وقلت لنفسى لتكن حكايات عادية لملء الوقت، وكان الاسم دون قصد.
هناك جو حميمى فى الرواية مما يوحى بأن الشخصيات حقيقية.. هل هذا صحيح؟
هى شخصيات واقعية وليس بالضرورة أن أكون قابلتها، ولكنها موجودة فقد "لملمت ما تبقى من حكايات جدتى وأعدت كتابتها بطريقتي" كما قال "ماركيز"، فهناك من بين هذه الشخصيات ما سمعت عنه فى الحكايات، وهناك من عرفته بالفعل، وهناك من سمعت جملة واحدة عنه وبنيت عليها ملامح الشخصية، لكنها نماذج موجودة فى المجتمع المصرى، خاصة فى الريف الذى تربيت فيه وشربت منه حتى النخاع.
هل كنت تخططين لتصبح "الخالة ملك" بطلة أحداث الرواية ؟
لا أعلم، فالكاتب يضع ملامح الشخصيات ومساحتها، ولكن أحيانا تترك الشخصية الإطار والملامح المرسومة وتفرض نفسها بقوة على العمل، وتسير فيه محددة مصائرها بنفسها، وهو ما حدث مع شخصية "خالتى ملك"، حيث فرضت نفسها داخل العمل ووجدتها تأخذ هذه المساحة، وتتفاعل مع كل أحداث وشخصيات الرواية دون قصد مني، ولذلك استولت على مساحة كبيرة من الرواية.
ألم تكونى قاسية فى رصد التحول فى حياة "الخالة ملك" ؟
التغير الذى حدث "لملك" هو تحولها من شخصية ناعمة أنثى بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إلى سيدة قاسية جامدة المشاعر، فهى بالماضى كانت فتاة حالمة رقيقة جميلة الملامح ومطمئنة، لكن ما مرت به من قسوة وضغط وقهر وظروف اجتماعية جعلها تتحول تماما من تلك الأنثى إلى شخصية قوية "جبارة" قاسية الملامح والطباع، وهذا التحول يحدث للكثير فى الواقع سواء كانوا رجال أو نساء، فعندما يمر الإنسان بظروف قاسية ويعرض لقهر وقسوة وظلم يتحول لشخصية مختلفة دون قصد منه.
تناولت فكرة تحكم "القسمة والنصيب" فى الرواية.. فهل تؤمنين بها ؟
استخدمت تلك الفكرة فى الرواية للهروب من الإجابات والمسئولية فقط، بمعنى أنه عندما أرادت الأم الهرب من الإجابة على أسئلة ابنتها قالت لها إنه النصيب الذى لابد من التسليم به، لأنه لا مفر منه، وهذا ما قصدته فى الرواية، لكن بعيدا عنها فهى موجودة بالمجتمع المصرى بشدة، وللأسف ترسخ هذه الفكرة لثقافة "التواكل" وعدم تحمل المسئولية أو السعى للتغيير، فكل ما تفرضه علينا الحياة نقبله على اعتبار أنه نصيب، فى حين أنه يمكن تغييره، وهذه الثقافة زادت فى الآونة الأخيرة بعد أن أحاط بنا اليأس وفقدنا القدرة على الحلم.
هل اختلفت طبيعة الشخصيات التى تناولتها فى الرواية الآن؟
بالطبع، فالشخصيات نفسها تطورت، والواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى أيضا تغير، لكن بطل الرواية وهو القهر مازال موجودا حتى الآن، وإن اختلف فى أشكاله، لكن مضمونه قائم.
لماذا تصرين على تناول القهر فى كتاباتك.. بمعنى آخر ألا يؤثر هذا على تلقى العمل؟
البشرية تحولت لقسمين قاهر ومقهور، ومن يقهر يعيد إنتاج قهره على إنسان أضعف منه، وفى مصر خاصة نعانى القهر بكل أشكاله ومستوياته، وأنا ضد القهر تماما لأنه ظرف لا إنسانى، ولذلك أعتبر أنه رسالة يجب تناولها فى كتاباتى، خاصة مع تزايده، فنحن نعيش قهرا تاريخيا وثقافيا واجتماعيا ودينيا واقتصاديا وسياسيا، وكل من لديه سلطة على فرد يستخدمها لقهره بأى من الأشكال السابقة، ولذلك سوف أستمر فى تناوله، طالما ظل موجودا.
ولماذا تصرين على الكتابة عن القهر الممارس ضد المرأة؟
لأن المرأة هى الكائن الأضعف، فهناك مثل شعبى يقول "الضابط ضرب العسكري، قام العسكرى ضرب مراته"، ومنها يتضح أن المرأة هى الكائن الأكثر "غلبا"، وعادة ما ينصب القهر وإعادة إنتاجه عليها، فجميعنا مقهورون رجالا ونساء كما ذكرت، لكن عندما يقهر الرجل يعيد إنتاج قهره على المرأة، سواء كانت زوجة أو بنت أو أخت، وبالتالى فهى تعانى نفس القهر الذى يعانيه الرجل من المجتمع، بالإضافة لمعاناتها من قهر الرجل ضدها، ولذلك تستحق تسليط الضوء عليها.
ذكرت من قبل أن خطاب القهر وصل لذروته فى روايتك لكن لم يصل لمنتهاه.. فهل وصل بهذه الراوية للمنتهى؟
لا لم يصل للمنتهى، وسأظل أحمل هذا الخطاب طالما ظل موجودا بالمجتمع، فهى قضيتى وسأظل أتناولها دائما.
ماذا أضافت الرواية لبهيجة حسين؟
الراوية بشكل عام مبرر للتمسك بالحياة، أما "حكايات عادية لملء الوقت" فقد أعادتنى لكتابة الرواية بعد انقطاع دام سبع سنوات ومنحتنى مزيدا من الحرية وأعطتنى آفاقا جديدة فى الكتابة.
هل يؤثر نشاطك السياسى بحزب التجمع وعملك كصحفية على كتاباتك؟
بالطبع، هناك تأثير سلبى، وهو أن العمل الصحفى يأخذ وقتا وجهدا كبيرا، خاصة وأنهما يستخدمان نفس الأدوات فى الكتابة والرصد، وهناك دور آخر إيجابى، وهو تكوين خبرة ثرية بالواقع ومعرفة بتفصيله كما يرفع من مستوى الكتابة واستخدام اللغة، كذلك ينعكس الدور والتوجه السياسى على كتابة الروايات من خلال تناول الأحداث.