لا يدور الآن فى الأروقة السياسية والأوساط الثقافية المصرية حديث أهم من ترشيح وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى لمنصب اليونسكو، وما يتعرض له من ضغوط إسرائيلية ودولية تعمل على عدم فوزه بالمنصب.
وعلى الرغم من كل الدعم الذى تلقاه الوزير من الرئيس حسنى مبارك، الذى سانده فى هذا الترشيح، وأيضا من كل المسئولين فى الحكومة المصرية، إلا أنه كانت هناك موجة سخط عارمة فى العديد من الأوساط الثقافية المصرية ضد هذا الترشيح باعتبار حسنى "غير مؤهل" لمثل هذا المنصب الرفيع، وكان أبرزهم رأياً وأعلاهم صوتاً هو الشاعر أحمد فؤاد نجم الذى أشار إلى أن فاروق حسنى لا يصلح لتولى رئاسة اليونسكو من قريب أو بعيد، وذلك لأنه يفتقر للخبرة التى تؤهله لإدارة تلك المؤسسة الهامة.
ومع تعدد معارك فاروق حسنى وتعدد الانتقادات الموجهة إليه فى كل كارثة ثقافية تحدث كحريق المسرح القومى أو حريق قصر ثقافة بنى سويف، بات الحصول على دعم المثقفين المصريين أمراً صعب المنال.
الأمر الذى عوضه بقوة من خلال الحصول على دعم العديد من الدول الأوروبية والإفريقية والآسيوية وإجماع كامل من الدول العربية حتى أصبح الفوز بمنصب اليونسكو قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، خاصة بعد الحصول على موافقات "غير رسمية" من أكثر من 35 دولة من أصل 58 دولة أعضاء فى المنظمة.
حتى جاء شهر سبتمبر من العام الماضى ليفاجأ الجميع بمن فيهم الوزير شخصياً بتصريح من السفير الإسرائيلى فى مصر شالوم كوهين عن رأيه فى ترشيح فاروق حسنى للمنصب بقوله "لو كان فاروق حسنى يريد اليونسكو، ويريد الخروج من المحلية للعالمية، فعليه أن يقف أمام نصب ضحايا الهولوكست ويبكى بحرقة، عليه أن يحصل على رضا إسرائيل أولاً، عليه أن يكف عن تحريض المثقفين ضد إسرائيل، عليه أن يسمح بالتطبيع مع بلادنا ومثقفينا وأفلامنا وكتبنا وفرقنا الموسيقية والمسرحية، عليه أن يعرف أن هذا هو الطريق الوحيد لليونسكو".
ومن وقتها تحول كل ما حققه الوزير من انتصارات فى مجال دعم الدول الأجنبية له فى معركة اليونسكو يتحول إلى انتكاسات، واحدة تلو الأخرى، ففرنسا على سبيل المثال التى كانت واحدة من أهم وأقوى الدول الداعمة لفاروق حسنى، والتى صرح رئيسها شخصياً نيكولا ساركوزى فى لقاء ثنائى مع الرئيس حسنى مبارك، أن بلاده تدعم المرشح المصرى، قد أعلنت أخيراً وبشكل غير رسمى تريثها فى هذا الأمر إلى حين فتح باب الترشيح رسمياً كى تقارن بين مختلف المرشحين قبل أن تتخذ قرارها، وهو ما اعتبره البعض كالكاتب الكبير محمد سلماوى نتيجة واضحة للحملة الإسرائيلية.
وليتحول أيضا موقف أمريكا التى تربطها "علاقات إستراتجية" بمصر، كما يقول المسئولون المصريون دائماً، إلى الرفض التام، بل والتهديد بالانسحاب من اليونسكو والامتناع عن دفع نصيبها فى ميزانيتها22% إذا تم انتخابه، وتدور الأقاويل أيضا بأن أمريكا تضغط الآن على بلجيكا والسويد لينساقوا إلى الموقف المعارض للمرشح المصرى.
وبرغم أن فاروق حسنى قد أعلن أكثر من مرة، أنه يرفض التطبيع الثقافى مع إسرائيل، إلا أن تصريحاته بعد الحملة الإسرائيلية قد جاءت أكثر تساهلاً وتعاوناً مع الجانب الإسرائيلى، مثل ما أدلى به الوزير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية والتى أبدى فيها استعداده لزيارة إسرائيل لحل أزمة معارضتها ترشيحه لرئاسة اليونسكو ليستفز معارضة المثقفين مرة أخرى، فيصدر عشرات منهم بيانات احتجاجية ضد تصريحات الوزير للصحيفة الإسرائيلية وكان أبرز الأدباء الموقعين عليه بهاء طاهر، صنع الله إبراهيم، جمال الغيطانى، محمد البساطى، سيد البحراوى، أمينة رشيد، شيرين أبو النجا، حلمى سالم، عواطف عبد الرحمن.
المحاربة الإسرائيلية الضارية ضد فاروق حسنى قد رفعت أسهمه داخل مصر، وكان لها أكبر الأثر فى كسب بعض التعاطف الشعبى مع قضيته باعتباره "عدواً لإسرائيل" ولما يمثله الصراع الثقافى والحضارى بين الشعوب العربية وإسرائيل من محفز قوى لدعم الطرف العربى فى الصراع.. تظل كل هذه الأقاويل والمعطيات مجرد تكهنات لا أحد يعرف على وجه اليقين مدى تأثيرها ونتائجها المستقبلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة