حرب غزة تهدد عرش المراجعات الفقهية لتنظيم الجهاد

الجمعة، 30 يناير 2009 01:30 ص
حرب غزة تهدد عرش المراجعات الفقهية لتنظيم الجهاد
كتب عمرو جاد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄المراجعات كانت الأمل لنهاية الفكر المتشدد ولكن التلاسن بين الظواهرى وإمام أفقدها مصداقيتها
◄العدوان الإسرائيلى أيقظ مارد العنف لدى المجاهدين.. وفرض مزيدا من العزلة حول المراجعات

فى الوقت الذى كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تدك منازل غزة فوق ساكنيها، وتقصف المستشفيات والمساجد بأطنان من الصواريخ مخلفة وراءها 1230 شهيدا و5550 جريحا، وما يمكن أن يسمى بقايا مدينة، كان الشيخ أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يحشد جميع أسلحته الصوتية وأدواته اللغوية لإصدار بيان حماسى يتوعد فيه أعداء الإسلام بيوم «قادم»، ينصر فيه الله أمة الموحدين ضد الصليبيين والصهاينة والخونة من المسلمين، دون أن يحدد إذا ما كان سيشارك فى هذا اليوم أم سيكتفى بإصدار بيانات مساندة للنصر القريب..

فى تلك اللحظة ظهر طرف آخر على السطح، وهو ثلاثة تنظيمات جهادية جديدة تتبنى تكفير الحكام العرب وإهدار دمائهم، وهذا له معنى واحد هو أن فكرة الجهاد لم تمت بعد، وإنما كانت نائمة فى الصدور إما بفعل ظروف أكبر من الجهاديين أنفسهم، أو بفعل «المراجعات» التى أطلقها سيد إمام، ولكن يبدو أن حرب غزة جاءت لتوقظها فى أذهان العديد ممن ينتظرون اللحظة التى يحصلون فيها على الشرعية بعملية هنا وتفجير هناك.

ما سبق يستدعى تساؤلا أكبر حول مصير تلك الفصائل والتنظيمات الجهادية التى استكانت لمراجعات سيد إمام، وتخلت عن فكرها المتشدد، فهل يترك هؤلاء أفكارهم ترقد كما هى بسلام فى ماضيها، أم أن الفتنة واقعة لا محالة؟

لم يكن هناك انقسام حول مراجعات وقف العنف، أكثر من تلك اللحظة التى دمرت فيها غزة وفشلت السياسة والمقاومة فى رد العدوان، عند هذه اللحظة كان لا مفر للتفكير الهادئ من أن يتراجع لتحل مكانه خيارات أكثر دموية، فالواضح أن تجاهل الدولة للجهاديين بالتزامن مع سخونة الأحداث فى العالم الإسلامى، وبالأخص هذه الحرب قد يوقظ حس العنف لدى هؤلاء من منطلق أن المراجعات لم تكسبهم شيئا، فالأولى بهم البحث عن إحدى الحسنيين، ولكن ما يضعف هذا الاحتمال أن كبار الرافضين للمراجعات وعلى رأسهم الظواهرى اكتفوا فى حرب غزة بالبيانات والتسجيلات مجهولة المصدر، التى لا تتعدى كونها طلقات صوتية فى الهواء، لكن الجعجعة الفارغة للظواهرى وبن لادن يجب ألا تنسينا أن العنف عقيدة كانت فى يوم من الأيام المحرك لكل من يدخل تحت لواء الجهاد، ويمكن أن تستيقظ بشكل عشوائى لديهم سواء فرادى أو جماعات، وهنا تكمن الخطورة، فحينها لن يقتصر الخلاف حول جدوى المراجعات نظريا فقط، بل سيكسوه اللون الأحمر، وتصبح المذابح فى غزة هى الشعرة التى تقصم ظهر المراجعات.

إذا كان العنف هو الأصل فى عقيدة الجهاديين، فلماذا كانت المراجعات الفكرية لتنظيم الجهاد من البداية؟ ألم يكن من الأفضل لهم أن يظلوا فى السجون ويحتفظوا بأفكارهم بدلا من أن تأتى لحظة مثل حرب غزة يضطرون على إثرها إلى رفع السلاح مرة أخرى؟

مفتاح الفهم لتحول هذا الفكر يلزمنا العودة بالزمن للوراء.. تحديدا عام 1964 مع تكوين أول فصيل جهادى، منذ ذلك التاريخ لم تفلح متاريس الدولة فى تجفيف منابع هذا الفكر ووقف تمدده فى عقول الذين تم استقطابهم من الشباب، وعلى الرغم من الانتكاسات التى مرت بها الجماعات الجهادية فإنها حملت رصيدا تاريخيا من الدم نتيجة لترسخ أدبيات العنف ومبرراته فى فكر القيادات الجهادية الذى انتقل إلى أتباعهم الذين يصل عددهم لحوالى 40 ألف جهادى، وقد نتج عنه حالة صدام دائم مع الدولة ونفور شعبى وضع هذا الفكر فى مأزق أيديولوجى حاد، خاصة بعد أن ألقى الآلاف منهم فى السجون على خلفية قضايا عدة مثل «التكفير والهجرة»، «العائدون من ألبانيا»، وغيرهما مما كان سببا فى تصفية الجسد المادى للقضية الجهادية، ليأتى بعد ذلك عام 2001 بحادث برجى التجارة وتبدأ معه مرحلة «الحرب على الإرهاب»، هنا بدا الموج عاتيا فى مواجهة الجماعات الجهادية خاصة الصغيرة منها بخلاف القاعدة وأصبح الخوف من تعميم العقاب.

فى هذه الأثناء بدت الحاجة ملحة أمام الفكر الجهادى لتغيير استراتيجياته والتحول من التشدد والتطرف إلى الاعتدال والوسطية، والاقتداء بما فعلته الجماعة الإسلامية عام 1997 بمبادرتها لوقف العنف، لكن الأمر يختلف عند جماعات الجهاد فهى للتشدد أميل، كما أن موقفها من مبادرة الجماعة لم يعط دلالة على إمكانية تقبلها للأمر فوصفتها بـ«الانسياق نحو العلمانية».

التأرجح الذى أصاب الجهاديين بين إرث العنف القديم وإلحاح المراجعة احتاج إلى ضحية، وكان نبيل نعيم قائد أحد أكبر تنظيمات الجهاد، هو الذى بدأ فى عام 2004 محاولات الرجوع عن عقيدة الجهاد، فقد أثبتت تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية نجاحها الباهر بخروج جميع معتقليها من السجون فى 1997، وكانت خطوة نعيم الأولى بالنكوص عن فكرة «الحاكمية»، التى تستوجب الخروج على الحاكم، وقتاله لتطبيق شرع الله، وانضم لدعوته بعض الفصائل الصغيرة الأخرى، لكن نزاعا تنظيميا بغطاء فقهى نشب بين نبيل نعيم وبعض قيادات التنظيمات الأخرى مثل مجدى سالم «جماعة المرج»، وأحمد سلامة مبروك «جماعة أبو زعبل»، فكان الرفض من هذه القيادات لفكرة المراجعات، خاصة بعد أن أعلنت قيادات أخرى مثل الشيخ أحمد يوسف حمدالله، والدكتور أحمد عجيزة، والشيخ أمل عبد الوهاب تأييدها لمراجعات نعيم، بالإضافة إلى سبب آخر ساقته المجموعات الرافضة، وهو أن نبيل نعيم ليس لديه الأهلية العلمية والشرعية لقيادة مثل هذه المراجعات.

فى ظل الخلاف حول المراجعات كان لابد من ظهور شخص آخر يمتلك القدرة على إنهاء تلك الخلافات ويوحد حوله أمة الجهاد، ليبدأ «الدكتور فضل» أو السيد إمام عبدالعزيز مفتى الجماعات الجهادية ومنظرها الأول فى طرح ما أسماه «وثيقة ترشيد الجهاد» عام 2006، وقد ناقش وثيقته مع قادة الفصائل والتنظيمات فى السجون ليعلن عنها نهائيا فى أبريل من عام 2007، وللوهلة الأولى بدأ التأييد من كل الأطراف، الأمن والإعلام وفصائل الجهاد الإسلامى داخل مصر، ليجوب سيد إمام بعدها طيلة 21 يوما سجون أعضاء المجموعات الجهادية يبشر بمنهاج جديد، مما جعل جانبا كبيرا من أعضائها يتجاوب مع فقه المراجعة لما للرجل من ثقة وانضباط فقهى.

أجواء التوافق التى جمعت عقول الجهاديين لم تدم طويلا، فقد عادت أزمة «ولاية الأسير» لتفرض نفسها مرة أخرى، بعد أن كانت سببا منذ 23 عاما لبث روح الفرقة والانقسام بين «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»، إذ كيف لمعتقل بالسجن وتحت نظر الأمن، أن يضع إطاراً جديداً لجماعات الجهاد ينقلب به على كل ما قامت الجماعة من أجله؟

من هنا جاء الانقسام المزدوج.. انقسام حول طريقة الطرح من بعض تنظيمات الجهاد الذين يؤمنون بالرجوع عن العنف ولكن تأخذهم العزة، فالقادة البارزون لفصائل الجهاد داخل مصر أو من يطلق عليهم «التيارات المحلية» كل منهم لديه رؤية خاصة فإن كانوا يتفقون على فكرة عدم جدوى الأعمال القتالية، لكن الخلاف بينهم ينطوى على الطرح وليس الفكرة وفق قولهم، بعضهم يفضل القبول بالمراجعات شريطة الانخراط فى العمل السياسى فى حين يقبلها البعض، ولكن مع عدم التحول إلى العمل السياسى بوصفه أن «له محاذير شرعية» فى حين يرفض بعض الجهاديين من خارج مصر «الجهاد الدولى» فكرة المراجعات أساسا بحجة أنها تحبط فكرة الجهاد فى عقول الناس.

فعبود الزمر مثلا لم يتمكن من الاطلاع على هذه المراجعات لكى يعطى فيها رأيه، وإن كان لا يمانع هذه الفكرة، لكن يؤمن بأن تناولها بالتطرف فى التأييد أو الرفض والتشكيك يؤثر فيها سلبا، وهى رؤية محايدة من عبود، ولكن بوادر الخلاف معها تظهر فيما يسمى «شخصنة المراجعات»، وخروجها على القيم الأخلاقية، أى أن تناول هذه المراجعات لبعض قضايا تمس الأشخاص يقلل من مصداقيتها، فعبود بهذه الرؤية مع مبادرة وقف العنف، ولكنه لم يبارك المراجعات بشكل نهائى.

لم يكن عبود وحده من المختلفين حول المراجعات داخل مصر، فهناك عدد قليل من الجهاديين فى السجون يتزعمهم أحمد سلامة، وعددهم لا يزيد على 200 فرد يرفضونها لأسباب يرجعها بعض المحللين إلى مطالب هؤلاء التى يراها الأمن غير ملزمة له، وهذا الرفض قد استغله نوع آخر من المخالفين للمراجعات فى تدعيم قولهم بأن الأمن هو المحرك لها، متعللين برفضه الإفراج عن باقى الجهاديين فى السجون لحين توقيعهم على المراجعات، وهى رؤية رفضها بعض المساندين لهذه المراجعات لاقتناعهم بعدم صحتها، فالمحامى منتصر الزيات أكد أن هناك العديد منهم حصل على الإفراج دون التقيد بالتوقيع على المراجعات، كما أن قيادات الداخلية تدرس جميع ملفات الجهاديين فى السجون لتوفيق أوضاعهم، مضيفا: «مخطئ من يعتقد بوقوف الأمن خلف المراجعات فسيد إمام بدأ فكر المراجعات قبل القبض عليه عام 1996».

هذا عن الرافضين للمراجعات من الجهاديين داخل مصر، أما رافضوها من الخارج، فيبدو أن الخلاف بينهم وبين قيادات المراجعات أقدم وأعمق من ذلك، وكفى للدلالة على ذلك ما علق به هانى السباعى الجهادى المقيم بلندن على المحاولات الأولى لنبيل نعيم فى طرح فكرة المراجعات قائلا: «ليس عندى مانع أن يتناقش الإنسان فى أى فكر أو أى تراجع، لكن يجب أن يكون فى مناخ مناسب، ومشكلتى أننى أرى السجن مناخا غير مناسب للمراجعات، وأنها ولدت كمسخ غير طبيعى فى بيئة غير صحية وهى بيئة السجون»، لم يكتف السباعى بذلك، ولكنه اتهم نعيم بالحصول على امتيازات داخل السجن ثمنا لإجبار زملائه وأتباعه على تأييد أفكار المراجعات، بل زاد عليها السباعى بمقولته «ليتنى مت قبل هذه الفتنة العمياء».
ربما يكون حديث السباعى عن الفتنة صحيحا، ولكن بخلاف ما يقصده فإن بوادر الفتنة الحقيقية ليست باعتبار المراجعات خروجا على الفكر الجهادى «الصحيح» من وجهة نظره، ولكن الأقرب للواقع أنها فتنة شقت صفوف الجهاديين وشتتت مذاهبهم، فالمتمسكون بتلابيب الماضى من الجهاديين يخشون من التمزق الذى يودى بهم إلى سيناريو قديم مفاده أن «الشاردة يسهل صيدها» وهذا يبدو جليا فى تمسك السباعى برفضه للمراجعات حتى بعد طرحها من قبل سيد إمام، وكذلك هجوم الرجل الثانى فى القاعدة أيمن الظواهرى على مراجعات إمام فى عام 2007 حين وصف «وثيقة ترشيد الجهاد» بأنها كتبت بإشراف أمريكا واليهود، لخدمة ما أسماه بـ«الأفكار الصهيوصليبية» وأصدر الظواهرى حينها كتابه «التبرئة» فى 190 صفحة، والذى صب فيه غضبه على مراجعات إمام وأفكاره، وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن الخلاف بين الاثنين قديم ومتأصل يعود إلى عام 1994 بعد اتهام سيد إمام للظواهرى بتحريف كتابه «الجامع فى طلب العلم الشريف»، وأتت المراجعات لتزيد هذا الخلاف، فقد رد إمام على «تبرئة» الظواهرى بكتاب «التعرية» فند فيه كل ما أورده الظواهرى، واصفا إياه بـ«الكذاب الدولى الذى يفترى ويقول الزور» وساهم هذا التلاسن فى تأجيج النزاع بين التيارين الجهاديين فى الداخل والخارج، ليتأكد أن المراجعات فى حد ذاتها ستصنع حالة مرجعية جديدة تتبع فكرا وليس أشخاصا.

تعددت التفسيرات حول اعتراض بعض فلول الجهاديين فى الخارج مثل هانى السباعى والقاعدة متمثلة فى أيمن الظواهرى على المراجعات، فهناك اتجاه يرى عدم وجود ضرورة لتغيير أفكار الجهاد الدولى لأنهم يقتنعون أن ظروفهم هناك تستدعى استمرار هذا الفكر المختلف تماما عن السياق وعن المراجع الجهادية الداخلية، فى حين أن الجهاد الدولى يرفضون مجرد التفكير فى التراجع عن معتقداتهم فيما يصفونه بـ «قلب المعركة»، مشترطين أن يغير الغرب سلوكه تجاههم تماماً، وهو تفسير وإن كان منطقيا فإن خطورته تكمن فى أنه يعطى مبررا لاستمرار القاعدة وغيرها فى تعاطى الفكر المتشدد، وظنها بأن الارتكان إلى مبدأ الجهاد الذى تتبناه هو عين الصواب ولا يضرهم من ضل إذا اهتدوا، أما التفسير الآخر فيقول إن أصل الخلاف حول أسلوب الكتابة فى «التعرية» بالقول بأن سيد إمام اتبع أسلوب الشتائم، وحول الكتاب إلى حوار شخصى بينه وبين الظواهرى الذى رد على الكتاب الأول، وأصبح الأمر فى الكتاب الثانى ثأريا، وغلب على الكتاب الأول أسلوب الصحافة الصفراء، وفقد الكتاب قيمته بسبب بعض الأمور التى أقحمها إمام فيه، فهناك انتقادات كثيرة من المؤمنين بفكرة المراجعات نفسها بسبب أسلوب الشتائم الموجود به.

وهناك تفسير ثالث يتبناه منتصر الزيات يتمثل فى أن من فى الخارج يريدون دائما حالة تعبئة ضد الأنظمة الداخلية باعتبارها تدور فى فلك الولايات المتحدة، وبالتالى فهم يريدون مناخاً يسمح باستقطاب شباب ينجذب لهذا الفكر، ولكنهم رأوا أن المراجعات الأخيرة جاءت لتجهض ذلك، وهو تفسير واقعى، ولكنه لم يذكر سوى جزء من الحقيقة، أما باقى الحقيقة فتأتى فى التفسير الذى يقول إن الاعتراض من جهاديى الخارج على المراجعات جاء كردة فعل على ما ذكره سيد إمام مما يعتبرونه أسرارا، مثل العمليات التى قامت بها التنظيمات بناء على الفكر المتشدد أو حتى بعض الصراعات التنظيمية، ولعل ما يؤكد هذا التفسير تلك اللهجة الحادة من مهاجمى المراجعات فى تناولهم لنقدها كوصفهم لها بـ«الأباطيل والافتراءات، والنكوص على الأفكار، وكسب ود النظام» ناهيك عن اتهامات بالتخوين والعمالة والسرقة وسفك دماء الإخوة والوشاية بهم.

لكن تفسيرا آخر يناقض كل ما سبق لينفى وجود تأثير للخلافات، حركة الإسلام السياسى خارجيا أو داخليا، ومبرره فى ذلك أنهم غير معنيين بما يحدث، لأن معركتهم أصلا بالخارج وهى متلاحمة مع القاعدة وتتأثر بما يحدث فى مناطق أخرى كالعراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها، فالجهاد العالمى الأممى يتأثر بسياسات الولايات المتحدة فى تلك المناطق، وهى بمعزل تماما عن المراجعات التى تمت فى مصر والتى جرت لصالح المجتمع الداخلى، وهدفت إلى وقف العنف بين شباب الجماعات والنظام الحاكم.

انقسام الجهاديين حول المراجعات يزيد يوميا بمتغيرات جديدة فالمؤيدون لها لا يكتفون بعودتهم إلى القطيع وإنما يمنون أنفسهم بحلم الانخراط فى العمل السياسى والنقابات العامة والأحزاب والتيارات المختلفة، وهو الطعم الذى ابتلعوه فى بداية المراجعات بوجود ما يشبه الصفقة بينهم وبين النظام على هذا الأساس، وهذا الحلم يزيد الآن مع احتمالية تكرار ما فعله الرئيس السادات حينما استخدم حركات الإسلام السياسى لضرب الشيوعيين، فهل يأتى اليوم الذى يستخدم فيه النظام الحالى هؤلاء الناس لكسر شوكة الإخوان؟ ربما يكون هذا صحيحا بعد تنامى قوة الإخوان وفرض أنفسهم على الساحة السياسية كلاعب أساسى ضد النظام الذى لم يفلح تعامله العنيف مع الإخوان فى إقصائهم.

وهو احتمال مستبعد أيضا إذا أخذنا فى الاعتبار أن النظام منذ عام 1997 لم يظهر أى بادرة فى هذا التوجه، إنما يحاصر أعضاء الجهاد السابقين داخل دائرة مراقبة أمنية لا تخلو من التضييق، بل إن النظام لم يسمح لهم حتى الآن بالعمل الدعوى، ورفض منحهم ولو مجرد زاوية صغيرة كمنبر للدعوة.

أيا كان حجم الخلافات أو مبررات الاعتراض لكن هناك حقيقة واحدة ظاهرة للعيان، وهى أن المراجعات الفقهية، سواء الأولى أو الثانية، قد شكلت زلزالا هز جذور الفكر الجهادى وصدع أركانه ولعل الخلافات والمناوشات بين المؤيدين والمعارضين هى أبرز مظاهر هذا التصدع، وشكلت بداية اختفاء الفكر الجهادى من أدبيات الإسلام السياسى ليس نبذا للعنف فقط، وإنما هى التجربة التى أثبتت أن أى صدامات داخلية دائما ما تكون فاشلة، لا تكسب فيها التنظيمات الجهادية سوى المزيد من الحصار والأرواح المتساقطة، حيث ذهب أحد الكتاب إلى وصف التلاسن بين الظواهرى وسيد إمام بأنه «نشر لغسيل الفقهاء الوسخ على الملأ» سواء كان الخلاف حول المراجعات تنظيميا أو فكريا أو حتى فقهيا فإن المستقبل لا يحمل خيرا لمن ينتظر من تنظيم الجهاد فى مصر الإفراج والانخراط فى النقابات والعمل العام، أو المطاردين خارج البلاد أو المختبئين فى الكهوف والجبال ينتظرون أمرا كان مفعولا، وإلى أن يأتى هذا الأمر فلا أحد يستطيع أن يراهن على قدرتهم على جمع ما بعثرته الحروب والصدامات ووثائق الترشيد، فبعد أن تخطى فكر الإسلام السياسى مرحلة الطفولة بنزقها واندفاعها غير المسئول، تأتى حرب غزة لتعيده مرة أخرى لدائرة العنف.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة