فى ذكرى ميلادها.. محمود صلاح يكتب عن الأيام الأخيرة للسندريلا فى عاصمة الضباب

أزور لندن لأقرأ الفاتحة على روح «زوزو»

الجمعة، 30 يناير 2009 01:39 ص
أزور لندن لأقرأ الفاتحة على روح «زوزو» سعاد حسنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄سعاد أنهت كل متعلقاتها ودفعت إيجار شقتها واستعدت للعودة إلى القاهرة.. ولكنها عادت جثة فى صندوق

بالنسبة لأهل مصر المحروسة، لم تعد لندن هى عاصمة الضباب، أو تلك المدينة الكبيرة عاصمة الإمبراطورية التى كانت ذات يوم كابسة فوق أنفاس مصر وغيرها من البلدان، لندن أصبحت بالنسبة لنا فى مصر آخر محطة فى حياة سندريلا الشاشة المصرية سعاد حسنى، لندن بالنسبة لنا، آخر لقاءات زوز بالدنيا، لندن بالنسبة لنا.. الوحش الذى افترس السندريلا الأكثر دلعاً وفناً فى تاريخ مصر.. توارت فيها سعاد حسنى عن العيون لتعيش مع مبانيها قصة اكتئاب غير عادية، ومن شرفة عالية سقطت لتودع الدنيا وما فيها، وتبقى على لغز موتها سراً يبحث عنه كل مصرى يتطلع لزيارة عاصمة الضباب، فى ذكرى ميلادها يكتب الكاتب الصحفى الكبير محمود صلاح عن آخر لقاء جمعه مع سعاد حسنى فى عاصمة الضباب.. ويقر بأن العاصمة لندن أصبحت بالنسبة له ضريحا كبيرا يذهب لقراءة الفاتحة أمامه على روح السندريلا.

المدن كالنساء.. وهناك نساء لا تستطيع أن تحصل على تأشيرة دخول حدودهن إلا بصعوبة بالغة، وبعد أن تقدم ما يثبت أنك مواطن صالح!

وعاصمة الضباب - لندن - كانت دائماً فى حياتى مثل امرأة غامضة لكنها لا تحب سوى الرجل الواضح الصريح، لابد لى أن أقف مهذباً أمام ضابطة الجوازات فى مطار «هيثرو».
لتسألنى باللكنة الانجليزية التقليدية: سيدى ما سبب زيارتك إلى بلادنا.. عمل أم سياحة؟
فى كل مرة أتمنى أن أقول لها: أصْلى بالصلاة على النبى كده باحب لندن!
لكنى دائماً كنت أحسب حساب الصرامة المرسومة على جبين البنت الضابطة الانجليزية الحلوة.

وأجد نفسى أرد بأدب: أنا جاى أشوف الدكتور حضرتك!
أذكر بالتحديد أول زيارة لى إلى لندن، لكنها على كل الأحوال كانت قبل سنوات طويلة. كنت قد أصبت بنوبة قلبية مفاجئة.. وأنا أغطى حادث اعتداء الإرهابيين على السياح فى معبد الدير البحرى بالأقصر، وقرر الأطباء أنه لابد من أن أطير صباح اليوم التالى إلى لندن لإجراء عملية قلب مفتوح.. وتغيير ثلاثة من شرايينى المتعبة.

فى الطائرة التى حملتنى فجراً إلى لندن، عرفت أن صديقى الجراح العالمى المصرى د. مجدى يعقوب لن يستطيع إجراء العملية الجراحية العاجلة لى.
ليه؟
بيقول ما يقدرش يفتح صدر صاحبه وحبيبه!
طيب، وهو اقترح أن يجرى لى الجراحة البروفيسور براين وليامز. أشهر جراحى القلب فى بريطانيا. ماشى د. مجدى يعقوب يفهم أكثر منى ومن الكل.
لكنى كان مكتوباً على أن أصل إلى لندن، ولا أشاهد شوارعها الجميلة إلا بعد عشرة أيام من وصولى إليها، فقد أخذونى من الطائرة فور هبوطها إلى مطار هيثرو محمولاً على نقالة إلى سيارة إسعاف طارت بى إلى مستشفى «لندن بريدج» الذى يطل على نهر التايمز، حيث قضيت داخله عشرة أيام هى مدة العملية الجراحية والذى منه!
ويوم مغادرتى للمستشفى وعلى البوابة فوجئت بوحش الشاشة فريد شوقى يدخل، وكان مقرراً أن يجرى عملية قلب مفتوح أيضاً.
أخذنى فى حضنه بحب..
وقال لى بصوته المميز الله يرحمه: مبروك.. إيه الحلاوة دى يا واد.. اخرج بقى اتجوز.. الشوارع مليانة بنات إنجليز حلوين ما أقولكش!
سرعان ما اكتشفت أن وحش الشاشة عنده حق فعلاً، مافيش رصيف ولا شارع يا ناس فى لندن، إلا وبنات إنجليزيات وغير إنجليزيات يتمخطرن طوال النهار وبعض الليل، ما هذه الحلاوة والروعة، بنات حلوين آخر موضة، رائحات غاديات إلى أعمالهن ومنها، لكن بنات الإيه بيمشوا فى الشوارع بسرعة، والواحد موش ملاحق يبص على دى ولاَّ دى ولاَّ دى؟!
فى أول زيارة لى إلى لندن
تعرفت على الراحلة سعاد حسنى سندريلا الشاشة.
طلبنى صديقى الإعلامى عبداللطيف المناوى، وكان أيامها يعيش فى لندن مع زوجته المذيعة المتألقة رولا خرسا.
هاتتعشى عندى الليلة
طيب يا سيدى كتر خيرك
استنى بس.. أصل سعاد حسنى هاتيجى.. ولما عرفت إنك مدعو.. بتسأل إنت جاى تاكل ولا جاى محمود الصحفى؟
يعنى إيه؟
ما انت عارف.. أصل وزنها زايد شوية، وهى ما تحبش تقعد مع صحفيين!
خلاص يا عبد.. أنا موش جاى من أصله.. وخلى الست سعاد تستريح!
لكنها دقائق فقط مرت على المكالمة.. ثم دق جرس التليفون من جديد، رفعت السماعة، وأسرعت أقوله له: ما قلت لك موش جاى!
لكنى فوجئت بصوت ناعم كالحرير على الناحية الأخرى:
موش قوى كده!
يا نهار، هو صوتها الذى يحفظه قلبى عن ظهر قلب، صوت زوزو، صوت السندريلا سعاد حسنى، رحبت بى وأكدت علىَّ أن أحضر دعوة العشاء. وذهبت وكانت ليلة لن أنساها أبداً، ليلة عرفت فيها سعاد حسنى الإنسانة وليست الفنانة، ولمست بقلبى وعقلى محنة الغربة والمرض والوحدة التى كانت تعيشها فى لندن، وعرفت الطريق إلى شقتها البسيطة المتواضعة فى عمارة يمتلكها بعض العراقيين.

فى لندن نشأت صداقتى مع سعاد حسنى، وفى لندن كانت لنا أحاديث وحكايات، لم تسمح لى أبداً بنشرها إلا قبل مصرعها بشهرين. كان البعض هنا فى مصر قد هاجمها فى مقال سخيف، وزعم أنها تعيش كمتشردة، وتبحث فى صناديق زبالة لندن عن الطعام.
وقرأت هذه «المقالة الجريمة» وأنا فى الطائرة مسافر إلى لندن، ولم أتصل بسعاد حسنى عندما وصلت الفندق كما تعودت كل مرة أصل فيها إلى لندن، لكنها هى التى اتصلت فى المساء.

وما إن سمعت صوتى حتى انفجرت فى البكاء.
محمود.. هل قرأت هذا الكلام الفظيع عنى.. هل أنا كما تقول صاحبة المقال.. هل عرفتنى متشردة أو مجنونة.. يصح كده؟
حاولت تهدئتها قدر إمكانى. ولم أنه المكالمة قبل أن أجعلها تضحك واتفقنا على موعد فى الصباح. وفيه حكت لى أنها تخلصت أخيراً من كل متاعبها.. نقص وزنها «كيلو جراماً - شفتها بعينى - وسجلت أشعار عمنا صلاح جاهين لإذاعة الـ «بى. بى. سى» بمبلغ محترم، وعالجت أسنانها، وبقى لها أن تقضى شهراً أو شهرين فى المصحة لتعود سعاد حسنى التى عرفناها.

سألتها: يعنى إنتى راجعة مصر؟
قالت بوضوح: أيوه يا حبيبى.. ده أنا حتى أنهيت إيجار شقتى وأرسلت حقيبة من حقائب ملابسى فعلاً إلى مصر!
وعدت إلى القاهرة لأضع صورتها على غلاف مجلة «آخر ساعة» التى كنت أرأس تحريرها وعليه عبارة «أنا راجعة»!
لكنها رجعت من لندن.. جثة فى صندوق!
ومهما طالت السنوات لابد أن تنكشف حقيقة مصرعها الغامض
أما أنا..

ففى كل مرة أزور فيها لندن.. أذهب إلى برج «ستيوارت»، وأقف فى نفس المكان الذى شهد الفصل الأخير من حياة سعاد حسنى.
وأقرأ الفاتحة على زوزو!

ولو قدر لك أن تسافر إلى لندن فأنصحك بالجلوس على أى كافيتريا أو كافيه فى شارع «اكسفورد ستريت» واتفرج يا عم وإنت قاعد على كل ما لذ وطاب، هو شارع الموضة و«الشوبينج» حيث تقدر المشتريات فيه سنوياً بأكثر من 3 مليارات استرلينى يا أستاذ وليس دولاراً. والنساء من كل نوع وصنف يدخلن المحلات الشهيرة. «ماركس آند سبنس» أو «سيلفريدج» - اللى يعقد - ووراء كل امرأة رجل يدفع الحساب ويشيل الشنط البلاستيك من مشتريات المدام!

أنا طبعاً كنت «غشيماً» فتلك كانت أول زيارة لى إلى لندن. نزلت فى الفندق أول يوم وأنا أنوى الذهاب إلى بعض الأماكن السياحية. نظرت فإذا أتوبيس أحمر من أبو دورين، بكام التذكرة؟ 12 جنيه استرلينى يا مستر. ادفع دفعت. وركبت الأتوبيس مثل الحمار.
واستغرق الأمر بعض المحطات لأكتشف أن هذا ليس أتوبيساً عادياً. الأتوبيس العادى تذكرته ثمنها جنيه استرلينى واحد فقط لا غير. وسعادتى بكل غشم ركبت الأتوبيس السياحى الذى يقوم بجولة داخل لندن ويتوقف أمام أشهر معالمها السياحية والأثرية. وهكذا دفعت الـ 12 جنيهاً استرلينياً مقابل 3 محطات فقط. دفعتها بيدى مثل المقطف!

أما الآن وبعد كل هذه السنوات، وزيارة لندن مرتين فى السنة، فيحق لى أن أنصح أمثالكم أول شىء تفعله يا ناصح فور وصولك إلى لندن تشترى «أبونيه» مواصلات أسبوعيا ثمنه ثلاثة جنيهات استرلينية فقط. تركب «وتتسرمح» به طوال الأسبوع كل الأتوبيسات. فاهم؟!
الفنادق غالية - انت فى لندن - لكن هناك فى كل مكان هذا النوع من الفنادق نجمتين وثلاث نجوم، وهى أشبه ببيوت صغيرة من طابقين، يمكنك أن تحصل على غرفة فيها، صحيح التليفون والحمام مشترك، لكن 12 جنيهاً - ايجار الغرفة - أخف بكثير من 90 جنيهاً، وهو إيجار الغرفة فى أى فندق 4 نجوم. وهذه الفنادق الرخيصة يقبل عليها السياح وزوار لندن لأنها دائماً بالقرب من الأماكن السياحية مثل: «المتحف البريطانى، أو حتى «الهايدبارك».
وبمناسبة «الهايدبارك» وهى واحدة من أجمل حدائق لندن، فقد وقعت فى غرامها من أول يوم.. خضرة إيه وشجر إيه وزهور إيه وبحيرة جميلة مليئة بكل أنواع الطيور، أنا شفت بط مصرى يعوم على سطحها بمنتهى السعادة!

الحلوة التى كانت معى - ما تسألنيش مين؟ تريد فجأة أن تدخن شيشة
شيشة فى لندن يا جميلة؟
وأنا مالى.. عايزة شيشة
ركبنا التاكسى الإنجليزى الأسود التقليدى، السائق عرف ماذا نريد، فانطلق بنا إلى «ادجوار روود» أو شارع العرب كما يطلقون عليه، لماذا؟ ماتفهمش، لكن الذى حدث خلال سنوات طويلة ماضية أن إخواننا العرب من الخليج جاءوا واحداً بعد الآخر إلى هذا الشارع، وأحبوا الإقامة فى إجازاتهم، بل إن بعضهم اشترى بيوتاً فى الشارع وشوارعه الجانبية واستقر فيها.
وأسرع اللبنانيون الشطار إلى الشارع وبعدهم الباكستانيون، ومن أجل العرب افتتحوا المحلات وكتبوا عليها باللغة العربية «عندنا لحم حلال» مذبوح يعنى على الطريقة الإسلامية، ومحلات البقالة والصرافة وكل شىء مكتوب عليه باللغة العربية، مما يسهل معيشة وإقامة إخواننا العرب.

وفى«إدجوار روود» شارع العرب العشرات من المقاهى المخصصة لتدخين الشيشة واحتساء القهوة العربية، وأنت عندما تمشى فى هذا الشارع، قد لا تسمع أحداً يتحدث باللغة الانجليزية، وغير الهندية والباكستانية، عادى جداً أن تسمع عبارات مثل:
إيش لونك أبو عبد؟
هلا والله.. جيتم متى من أبو ظبى؟
شفت يا جعيد.. البنت الإنجليزية على الرصيف التانى.. أقطع دراعى إنها من غير اسمه إيش ده.. ملابس داخلية!

لمعلوماتك...
82 عدد الأفلام التى قامت سعاد حسنى ببطولتها
سعاد حسنى توفيت فى لندن 21 يونيو سنة 2001، بعد أن ظلت فى عاصمة الضباب شهورًا طويلة تعالج نفسها من الاكتئاب والسمنة، وفتحت وفاتها أبواب الجدل، حول ما إذا كانت طبيعية أو منتحرة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة