نشر المحلل السياسى يوسى ميلمان فى جريدة هآرتس الخميس الماضى، تحليلاً موسعاً عن خيارات الحكومة الإسرائيلية فى الحرب على غزة، بدءاً من الاجتياح البرى إلى وقف الحرب من اتجاه واحد مروراً بهدنة مع حركة حماس، وفق شروط دولية، التفاصيل فى التقرير التالى..
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، تتسع الخيارات المطروحة أمام الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع مجرياتها. فمنذ أن أعلنت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية الحرب على قطاع غزة، كان واضحاً إلى حد كبير أنها سوف تتعامل مع خيارين أساسيين لتحديد السيناريوهات المختلفة التى من الممكن أن تنتهى إليها الحرب؛ الخيار الأول، يرتكز على توجيه ضربات محددة يقوم بها سلاح الجو الإسرائيى، تقابل برد من حماس، تنشأ فى نهايته تهدئة ضمنية بين الجانبين تقود إلى هدنة جديدة. والخيار الثانى، يعتمد على إطالة أمد الضربات الجوية، مع إحداث دمار هائل فى البنية التحتية للقطاع، يزعزع حكم حماس، ويقود إلى هزيمتها. إلا أنه بوصول الحرب إلى يومها السادس فقد فاقت جاهزية حماس العسكرية، وقدرتها على احتمال الضربات الموجهة إليها، مختلف التقديرات والتوقعات الإسرائيلية. ومع ذلك، ما زالت إسرائيل تملك مجموعة من الخيارات والبدائل التى يمكن الاعتماد عليها، حسب مقتضيات المصلحة الإسرائيلية. يملك كل خيار تبعات إيجابية وأخرى سلبية، تحددها الانعكاسات المتوقعة على صعيد العالم العربى، والرأى العام الدولى والإسرائيلى.
خيارات
الخيار الأول: استمرار الوضع على ما هو عليه؛ هجمات يقوم بها الطيران الإسرائيلى ضد أهداف تابعة لحركة حماس، فى المقابل تستمر حماس فى إطلاق الصواريخ على إسرائيل. هذا الخيار سوف يضمن أن لا تتكبد إسرائيل خسائر فادحة بالأرواح. إلا أنه فى الوقت ذاته يبدو جلياً أن الضربات الجوية لن تقود إلى نصر حاسم، وعلى الأغلب سوف تطيل مدة الحرب، وتجر الجانبين إلى حرب استنزاف على جميع الخطوط.
الخيار الثانى: توغلات برية محدودة، ومتكررة، ضد أهداف محددة، يتخللها عودة القوات إلى القواعد التى انطلقت منها. هذا السيناريو سوف يظهر أن التصميم الإسرائيلى لضرب حماس، لا يقتصر على الضربات الجوية فحسب، بل يُظهر انفتاحها على خيارات واسعة ومتعددة، من ضمنها المواجهة المباشرة. وتعوّل إسرائيل على هذا الخيار أن يزيد الضغط على قيادة الحركة، والتأثير فى قدرتها على الصمود. لكن مقابل ذلك سوف يزيد الخيار من احتمالات تكبد إسرائيل خسائر فى صفوف جنودها، واقتراب جنودها أكثر من السكان الفلسطينيين، وليس بالضرورة أن يؤدى إلى زيادة فرص إحداث ترتيبات جديدة يمكن أن تنهى وجود حماس.
الخيار الثالث: اجتياح برى واسع ينتهى باحتلال القطاع. لا يبدو أن القيادة السياسية الإسرائيلية تفضل الخوض فى هذا الخيار، لما له من تبعات تتعلق بزيادة احتمالات وقوع خسائر كبيرة فى الأرواح بين الجانبين، ما يزيد الانقسام فى الرأى العام الإسرائيلى. وفى الوقت ذاته سوف يفرض على إسرائيل تحمّل مسئولية إدارة القطاع، وما يترتب على ذلك من تبعات.
الخيار الرابع: أن تعلن إسرائيل من جانبها وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار. لا تحتاج إسرائيل تبرير ذلك بالحديث عن إعطاء فرصة للمساعدات الإنسانية أن تصل للقطاع كما اقترح إيهود باراك. بل ما عليها أن تقوم به هو إعلان ذلك دون إبداء أى مبررات أو توضيحات. هذا الخيار سوف يكسب إسرائيل تعاطف المجتمع الدولى، ويجعلها فى موضع تقديره، ويخفف من امتعاضه عليها. كما أن ذلك سوف يظهر إسرائيل كدولة غير تواقة للحرب والانتقام، ما يمكن أن يدفع المجتمع الدولى والعالم العربى والرأى العام الفلسطينى فى الضفة وغزة، إلى الضغط على قيادة حركة حماس لاتخاذ خطوة مماثلة. لكن الجانب السلبى الواضح هو أن إسرائيل لم تحقق أى هدف دبلوماسى من قرارها الذهاب إلى الحرب.
خيار الهدنة المشروطة
الخيار الخامس: هدنة مع حركة حماس يتم التوصل إليها بوساطة دولية. ينبغى أن يكون هذا الخيار مفضلاً لدى القيادة الإسرائيلية، وأن تسعى لتحقيقه فى أسرع وقت ممكن، وأن تتجاوب مع الوساطة التى سوف يطرحها الرئيس الفرنسى ساركوزيه، فى زيارته المتوقعة للمنطقة، والتعاطى معه إيجابياً، للخروج من الطريق المسدود. يجب على إسرائيل أن تصر على أن أى اتفاق من هذا القبيل يجب أن يكون شاملاً وواسعاً، وأن يكون لأطول فترة ممكنة، ويضع فى الحسبان عدداً من القضايا التى تجاهلها اتفاق التهدئة السابق، كالإفراج عن جلعاد شاليط وإن ترتب على ذلك إطلاق سراح المئات من السجون الإسرائيلية. ومن المحتم أيضاً أن يجبر هذا الاتفاق إسرائيل على فتح المعابر ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة.
تبدو إيجابيات هذا الخيار واضحة. ولعله فى البداية سوف يضع حداً لإراقة الدماء، وهذا بحد ذاته سبباً لجعل هذا الاتفاق موضع ترحيب، ومن شأنه إطلاق سراح شاليط، وأن يساعد على "تدويل" الصراع بين إسرائيل وحماس، من خلال إدخال قوات دولية على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، فى شكل مماثل لتلك على الحدود اللبنانية، والذى ساعد فى وقتها على إنهاء الحرب مع حزب الله.
فى مقابل ذلك لا يخلو هذا الخيار من الآثار السلبية، فى كون إسرائيل لم تحقق نصراً فى هذه الحرب، رغم أنه سيكون بمقدورها الادعاء بأنها قد وجهت ضربة مؤلمة وقوية لحركة حماس. وفى كون الحرب لم تضعف حماس، ولربما تكون قد عززت من موقعها، ولاسيما أنها بذلك تكون قد استطاعت أن تجبر إسرائيل والمجتمع الدولى على الموافقة على هدنة تحقق أهدافها، بفتح المعابر وإنهاء الحصار، وبالتالى ترسيخ سيطرتها فى غزة.
الخيار السادس: وقف الحرب وإعادة السيطرة على محور فيلادلفيا. بذلك تكون إسرائيل قد أحكمت سيطرتها على جميع مداخل قطاع غزة ومخارجه، وسوف يمكنها ذلك من إحكام الحصار على حماس و"تجفيف" مواردها العسكرى، ووقف نقل الأموال إليها، وبالتالى إضعافها. ولكن هذا الخيار سوف يظهر أن إسرائيل لم تحقق الأهداف التى ذهبت إلى الحرب من أجلها.
ورقة شاليط
الخيار السابع: الدخول فى مفاوضات مع حماس بشأن التوصل لاتفاق سياسى، وترتيبات أمنية، بما فى ذلك إطلاق سراح جلعاد شاليط. بذلك ستكون إسرائيل قد غيرت سياستها بشكل كامل، وعليها الاعتراف أنها فشلت فى تحقيق هدفها المتمثل فى تركيع حماس، واضطرارها للاعتراف بها، والتخلى عن كل الأسس القانونية والأخلاقية التى تقول إن حماس منظمة إرهابية، ما سوف يدفع المجتمع الدولى لاعتراف واسع بها، والحوار معها، ما يؤدى إلى إضعاف مصر والسلطة الفلسطينية، واللتين تفضلان أن تخرج إسرائيل منتصرة، وحماس فى أضعف أحوالها.
إن أى اتفاق تصل إليه حماس مع إسرائيل، سوف يكون من شأنه أن يعزز قوتها وقوة مناصريها فى إيران وسوريا، وتمكينهم من الإعداد جيداً لأى مواجهة قادمة. إلا أن من شأنه أيضاً أن يجلب نوعاً من الهدوء ولفترة طويلة لسكان جنوب إسرائيل، وتمكين إسرائيل من إعادة النظر فى علاقاتها مع السلطة الفلسطينية بشكل مختلف تماماً، ودفعها إلى تقديم تنازلات بعيدة المدى من أجل تقوية موقعها. فوجود سلطة فلسطينية قوية ذات تأييد شعبى واسع، يعد أفضل ضمان لإسرائيل فى صراعها ضد حماس.
هآرتس: خيارات إسرائيل فى غزة مفتوحة وأقربها هدنة بضمانات دولية
السبت، 03 يناير 2009 02:11 م
إسرائيل تتجه إلى هدنة مشروطة بحصار حماس -AFP
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة