التحقيق مع نائب الإخوان أشرف بدر الدين بلجنة القيم لن يكون الإجراء الأخير فى سلسلة إجراءات متوقعة من جانب الحكومة ضد جماعة الإخوان، الحكومة استعدت بالفعل لحملة عقابية رداً على تحركات الإخوان فى أزمة غزة ليس فقط من تسيير مظاهرات فى معظم المحافظات وصلت إلى مائة ألف بالإسكندرية، وأدت إلى حملة غير مسبوقة على المساجد الكبرى، منها مسجد الفتح بقلب القاهرة الذى دارت فى ساحته اشتباكات وصلت لحد التراشق بالحجارة والقنابل المسيلة للدموع.
تجاوزات الجماعة كما تراها الحكومة، بلغت أيضاً قيام مرشد الإخوان باتهام الإدارة المصرية بالتواطؤ مع إسرائيل، كما اعتبرت قيادات الجماعة القاهرة شريكة فى العدوان، سواء بعدم فتح معبر رفح أو حتى عندما تأخرت فى إعلان موقفها الجاد بمبادرة هى الآن أساس وقف إطلاق النار، وكل تحركات الجماعة كانت من باب إحراج النظام وإظهار أنه العاجز عن اتخاذ قرار فى صالح القضية الفلسطينية.
جماعة الإخوان مارست ضغوطها، سواء فى البرلمان أو فى الشارع أو حتى فى الفضائيات، واستخدمت كل الطرق لإظهار أن الحكومة المصرية، وخاصة الخارجية أخطئت فى حق الشعب الفلسطينى وأزمة غزة، ووصل الأمر إلى رسالة من المرشد العام أثنى فيها على دعوة أمير قطر إلى تعليق مبادرة السلام العربية، ووقف التطبيع مع الكيان الصهيونى، والعمل على محاكمة مسئولية أمام المحاكم الدولية، وفتح جميع المعابر، وتقديم كل المساعدات للمنكوبين، وإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة، والدعوة من أجل وقفٍ فورى للعدوان، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، بل إنه أعلن قبل قمة شرم الشيخ بأنها ستبوء بالفشل.
ومع كل هذا فالإخوان لا يعتبرون أنفسهم على خطأ فى قضية غزة بل كما يقول صبحى صالح، أمين عام الكتلة البرلمانية الخاصة بهم أنهم قدموا أقل ما يجب تقديمه من نصره الشعب الفلسطينى ومع هذا فكانت الاتهامات للجماعة بتبنها خطابا خارجيا وأجندة إيرانية قطرية وتوافق ودعم من حزب الله حتى إن الإخوان صمتوا على خطاب حسن نصر الله، أمين عام حزب الله الذى طالب فيه الشعب المصرى بل والقوات المسلحة لأول مرة فى تاريخ مصر أن يتوجه أحد بخطاب من الخارج للقوات المسلحة والشعب يطالبهم فيه بالخروج واقتحام الحدود والثورة ضد القيادة، وزاد من الأمر أن مهدى عاكف مرشد الجماعة اعتبر أن نصر الله على حق فى هذا وأنه لن يؤثر فى الشعب المصرى ولم يوجه أى نقد لنصر الله ولا خطابه بما يؤكد توجهات الجماعة فى الأزمة التى بدأت الحكومة تراجع حساباتها.
الحساب بدأ من وقت مبكر، فالجماعة لديها أكثر من 700 معتقل منذ أحداث الحرب ضد غزة، كما يقول د. أسامة نصير عضو مكتب الإرشاد ومسئول المكتب الإدارى بالإسكندرية السابق، حيث اعتبر أن الإخوان يدفعون دائما فاتورة الحساب ويتحملون النتائج.. والحصار يزيد من يوم لآخر والدولة لديها فى كل مناسبة مبرر واتهامات جاهزة، حتى لو لم تكن أحداث غزة كما يقول نصير فالدولة بالتأكيد كانت ستعاقب الإخوان على أى شئ.
لكن الحكومة لا تعاقب إلا من يخرج عن القانون وليس لديها خلفيات أو اتهامات جاهزة، كما يقول د. محمد عبد اللاه، رئيس لجنة الشئون الخارجية بالحزب الوطنى، فالخروج عن النظام العام وعن الالتزام وإثارة الشغب سيقابله الأمن وأجهزة الدولة المسئولة بكل تأكيد بعقاب ليس لأنهم إخوان أو توجهاتهم كذا وكذا، لكنهم بالأساس لأنهم مواطنون خرجوا عن النظام العام.
الإخوان اتهموا الحكومة بأنها خاضعة لإملاءات إسرائيلية وتوجهات أمريكية وظهرت هذه حسب رؤيتهم فى المبادرة، التى أعلنتها مصر لوقف إطلاق النار وموقف مصر من الأزمة، إلا أن عبد اللاه يرد على هذا بأن دور مصر الدبلوماسى فى الأزمة كان معبرا عن الرؤية والمصلحة الوطنية المصرية، وكان أداء محسوبا وحكيما ومدركا لمتغيرات الأبعاد ويستهدف بالأساس حماية القضية الفلسطينية بعيدا عمن يريد أن يلعب أو يتحرك وفق أجندته أو مصلحته فى الداخل ووفقا لتوجهات خارجية، فهذا وضع آخر سترد عليه الحكومة أو البرلمان فى حالة إدراك ما يخالف المصلحة الوطنية المصرية.
الإخوان من جانبهم على حسب قول صبحى صالح، لديهم استعداد لكل الاحتمالات، ولكنهم لن يقبلوا التنازل أو أن تضغط عليه الحكومة فى اتجاه يخالف رؤيتهم أو مبادئهم، مؤكدا أنهم على استعداد لمواجهة أى خطاب أو حساب، ولكن الشعب سيكون هو الشاهد وهو من يقيم وستكون الإدارة المصرية أعطت الجماعة مبررا جديدا لانتقادها أو مواجهتها، سواء فى البرلمان أو خارجه.
لكن فى النهاية الحكومة تتعامل مع الإخوان بازدواجية تظهر من وقت لآخر، كما يرى حسين إبراهيم نائب رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان، مستشهداً بتعامل رئيس البرلمان من قبل مع مخالفين وخارجين عن اللائحة سواء حيدر بغدادى أو غيره وعشرات الوقائع التى فيها شتائم وخروج عن التقاليد البرلمانية، وكان الرد فيها من المجلس هو الشطب من المضبطة، ولكن عند الإخوان تم تزوير المضبطة بل وهناك سيناريو للانقضاض على النواب واحد وراء الآخر.
غير أن هذه الرؤية لن تثنى الجماعة أو أعضائها فى البرلمان عن التحرك من أجل المصلحة القومية والأمن القومى المصرى، وأن يكون كما يقول إبراهيم مصلحة مصر أولا فلماذا العقاب ولماذا الاتهامات بالعمالة حتى قبل أن يتضح الوجه الحقيقى للحملة ودخول صحف ومؤسسات وشخصيات من الحكومة والحزب لقيادة الحملة ضد الإخوان بكل هياكلها... فالاتهامات سابقة التجهيز والحكومة لديها كل السيناريوهات فى كل مناسبة ولا ينقصها إلا استغلال الوقائع والتبرير والترويج أمام الإعلام أم الإخوان ضد مصلحة مصر وهو مغاير حتى لحقيقة تحركات الجماعة أو حتى مبادئها الأساسية وبرنامج عملها.
لكن إحالة نائب رفع حذاءه داخل البرلمان من الطبيعى أن يتم عقابه، ولكن النتيجة التى سيخرج بها هذا التحقيق هى التى تحدد اتجاه العقاب والنوايا نحو الحلقة التى يمكن أن تتبناها الحكومة مع الجماعة خلال الفترة المقبلة، إلا أنه حتى الآن الأمور مازالت فى الاتجاه المعتاد بالنسبة للجماعة، سواء من حيث عدد المعتقلين أو طريقة الاعتقال ولم تتعد هذا حتى الآن لكن لا يمنع هذا إمكانية التصعيد.
أما نغمة الاتهامات الإعلامية والخطابية، سواء من أعلى مستوى بما فى ذلك الوزراء والبرلمان للجماعة بأنها تتبع سيناريو أو أجندة خارجية فهذا خطاب تبادلى من واقع الأزمة ورد عليه الإخوان ولا ينتظر أن تنتقم الحكومة من الإخوان بسببه، لكن الحكومة لديها علم ودراية بتوجهات الإخوان والجهات الخارجية، لكن لم تثبت حتى الآن علاقة غير مشروعة أو توجهات مريبة لذا فالوضع يظل فى حدود الطبيعى حتى الآن.
وعلى مدار الحرب وحتى بعد نهايتها تحركت جماعة الإخوان فى التظاهرات، والتى اختتمتها بمظاهرة نسائية لزوجات قيادات الجماعة، احتجاجاً على المجازر الإسرائيلية فى غزة، وكذلك بتنظيم ندوات ومؤتمرات فى القاهرة والمحافظات وتنظيم حملات للتبرع بالدم وبالأموال وبالمواد التموينية لدعم الشعب الفلسطينى، بل ووصلت إلى حد إقامة دعوى قضائية ضد غلق معبر رفح ومازالت القضية تتداول أمام القضاء الإدارى، ولم ينته الأمر عند هذا بل تم تعديل كل أنشطة النقابات المهنية إلى دعم غزة الذى اعتبرته الحكومة هو بالأساس دعم حماس وليس شعب غزة.
الحكومة وجدت مبررات لاتهاماتها ضد الإخوان، وربما أقوى تلك المبررات هى الرسالة التى أرسلها مؤخرا مهدى عاكف إلى كل من خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحماس فى دمشق وإسماعيل هنية رئيس حكومة حماس المقالة فى غزة، والتى حذر فيها حماس مما قال إنها "محاولات سرقة النصر فى الميدان على موائد المفاوضات تحت اسم مبادرة أو اتفاقية أو تفاهم أو ما إلى ذلك"، وطالب حماس أن تنتبه لما وصفه بأنها دسائس ومؤامرات تُحاك لها ويصنعها رؤساء وسياسيون خبثاء منحازون، ويشارك فيها أقرباء غافلون.
لكن هذه الرسالة كما يقول د. محمد عبد اللاه لن تثنى الحكومة والإدارة المصرية عن القيام بدورها فى قيادة الوساطة بين الأشقاء الفلسطينيين وإرساء الوحدة الداخلية ليس لمصلحة شخصية أو سياسية، ولكن لمصلحة القضية الفلسطينية، مضيفا أن من يوجه الأجندة الفلسطينية عكس هذا فهم الذين يجب أن يكونوا خارج الحسابات ولا أحد يلتفت إليهم لأنهم بهذا يتسببون فى خسارة ليس القضية الفلسطينية، ولكن القضية العربية بوجه عام وهو ما لا تريد الحكومة ولا الإدارة المصرية النظر له الآن، لأن الأولوية المصالحة الوطنية الفلسطينية وليس معارك خطابية جانبية فى الداخل.
البعض أخذ قرار القضاء الإدارى بحجز دعوى الطعن ضد قرار إحالة مدنيِّين إلى المحكمة العسكرية للحكم فى جلسة 10 مارس القادم، والتى أقامها القيادات الإخوانية الذين حصلوا على أحكام عسكرية بالسجن، وعلى رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد و24 آخرين، بأنه اتجاه لتثبيت الحكم فى التوقيت الحالى، خاصة وأن ظروف القضية جاءت فى توقيت بالغ الحساسية.
عبد المنعم عبد المقصود، محامى الجماعة لم يستبعد أن تخالف الحكومة الحكم من باب تعاملها الدائم بأنها فوق القانون بتحايلها عليه، وعدم تنفيذ أحكامه خاصة عندما يتعلق الأمر بالإخوان المسلمين، وعندما يكون هناك ظروف مثل التى تمر بها المنطقة ومصر على وجه التحديد.
ومع هذا لم ينس عبد المقصود أن يعبر عن تفاؤله وإيمانه، كما قال بالقضاء المصرى العادل الذى أنصفهم خلال الدعاوى السابقة، خاصة لأن هذه القيادات كانوا حصلوا على حكم لصالحهم فى 27 من ديسمبر الماضى.. فهل ستشهد الأيام القادمة حملة جديدة أو سيناريوهات أخرى لانتقام الحكومة من إحراج الإخوان لها أمام الرأى العام والعالم؟
د.عبد اللاه: لا تهاون مع من يخرج عن النظام..
بعد انتهاء معارك غزة.. الحكومة تبدأ تصفية الحسابات مع الإخوان
الأربعاء، 28 يناير 2009 12:44 م
الإخوان أشعلوا المظاهرات فى مختلف محافظات مصر تضامناً مع غزة