د. خميس الهلباوى

القومية العربية .. وتأخر مصر

الأربعاء، 28 يناير 2009 01:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأت حرب 1948 فى منطقة الشرق الأوسط بشكل رسمى مباشرة بعد قيام دولة إسرائيل، نتيجة لوعد بلفور الذى تبنته إنجلترا فى الثانى من نوفمبر/ تشرين الثانى سنة 1917، وتأسست دولة إسرائيل فى 14 أيار/مايو 1948م, 8 ساعات قبل انتهاء الانتداب البريطانى، حيث أعلن المجلس اليهودى الصهيونى فى فلسطين رسمياً عن قيام دولة إسرائيل، دون أن يعلن عن حدودها بالضبط، حسب قرار الأمم المتحدة وحكومة بريطانيا، وأسفرت الحرب بين العرب واليهود عن النكبة الفلسطينية وإبادة الكثير من المدن والقرى الفلسطينية، وأصبح سكانها لاجئين فى الضفة الغربية، وقطاع غزة وفى بعض البلدان العربية, واستقبلت إسرائيل اليهود الذين تم ترحيلهم من شرقى أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وتوطينهم فى الدولة اليهودية، وكذلك استقبال اليهود من جميع أنحاء العالم. وكانت محصلة الحرب أن توسعت إسرائيل على 75% تقريباً من أراضى الانتداب سابقاً، وتولت إنجلترا وبعدها أمريكا السيطرة على نظم الحكم فى منطقة الشرق الأوسط، واستولت كل من الأردن ومصر على الضفة الغربية، وقطاع غزة التى لجأ إليهما حوالى 900000 لاجئ.

وكانت حرب 1948 وما تم فيها من خيانات وفساد أحد أسباب قيام ثورة يوليو 1952 فى مصر، من ضباط آلوا على أنفسهم الانتقام من إسرائيل ومن ساعدوها لفشلهم فى حرب 1948، ولكن أبت الدول الاستعمارية أن تترك مصر تنتقم لهزيمة العرب، وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد فجر فكرة القومية العربية لتجميع الدول العربية من المحيط الأطلنطى إلى الخليج الفارسى، ووجدت إنجلترا وأمريكا أن فكرة تجميع الدول العربية تحت لواء مصر بما يسمى القومية العربية أمراً خطيراً خاصة أن الشعار الأول لجمال عبد الناصر هو إلقاء إسرائيل فى البحر، كان اقتصاد مصر من الاقتصاديات القوية بالنسبة للدول النامية وكان يفوق اقتصاد الهند والصين من حيث التقدم، وكان الجنيه المصرى فى عهد الملك فاروق يعادل خمس دولارات أمريكية، أو ثلاثة جنيهات إسترلينية، وبدأ الصراع بين مصر من جهة وبين الدول الاستعمارية ومعها بعض رؤساء الدول العربية من جهة أخرى، وكان المصريون متحمسين خلف رئيسهم معتقدين فى حق مصر فى محاربة الاستعمار وتحملوا فى سبيل ذلك جميع أنواع التضحيات حتى انتهى ذلك الصراع بهزيمة منكرة فى حرب سنة 1967 للجيش المصرى وكان عدد الشهداء فى تلك الحروب حوالى 120 ألف شهيد، وكانت مصر فى ذلك الوقت تحاول تجميع كلمة العرب عن طريق مؤتمرات قمة للزعماء العرب، الذين كانوا فى العادة يتجسسون على عبد الناصر ويرفضون زعامته التى كان يسعى لها للعالم العربى وللقومية العربية التى ابتكرها، فكانوا يتجسسون عليه، وبرغم كثرة عدد مرات اجتماع القمة العربية، فإنها ومع الأسف الشديد لم تخرج بتوافق بين أولئك الزعماء ولو فى مرة واحدة نتيجة الخيانة والولاء لدول الاستعمار إنجلترا وأمريكا، وترتب على حرب 1967 استيلاء إسرائيل فيما استولت عليه الضفة الغربية، وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية، وسيناء المصرية، وتحطيم جيش مصر النظامى إلا قليلا، وكل هذا نتيجة الخيانة.

وأعلنت إسرائيل عن ضم القدس الشرقية والقرى المجاورة لها إلى إسرائيل، وتسببت خيانة بعض المسئولين العرب فى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1970، وتولى حكم مصر دستورياً الرئيس محمد أنور السادات وقد كان نائباً للرئيس عبد الناصر، وتوصل المصريون إلى أن من أهم أسباب تلك الهزائم كانت الخيانات العربية لمصر وخاصة من زعماء بعض تلك الدول، فقام الرئيس محمد أنور السادات مع قواد القوات المسلحة المصرية، بإعداد خطة عسكرية سرية جيدة وكان ضمن هؤلاء القادة وقتها اللواء محمد حسنى مبارك قائد سلاح الطيران المصرى فى ذلك الوقت، وأخفوا الخطة عن جميع الزعماء العرب.

وقاموا بالحرب مع إسرائيل سنة 1973 وانتصرت مصر فى تلك الحرب واستطاعت تحرير سيناء المصرية، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل بوساطة الرئيس كارتر رئيس أمريكا فى ذلك الوقت.

وقد حرص الرئيس السادات على العمل على الحصول على الحقوق الشرعية لشعب فلسطين، واستلام مساحات أراضيها قبل حرب 1967، ولكن العرب أو الزعماء العرب، رفضوا الذهاب إلى كامب ديفيد واعتبروا مصر خارجة عن الصف العربى، وتكتلوا تحت لواء صدام حسين مع أنه ليس من دول المواجهة وأرضه غير محتله وانضم لهم ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وملك الأردن، والرئيس حافظ الأسد رئيس سوريا والثلاثة الآخرين أرضهم محتلة.

وقاطعوا جميعاً مصر اقتصاديا واعتبروها خائنة، وبرغم ذلك، وضع الرئيس السادات نصب عينيه تحرير الأراضى الأخرى المحتلة، "الجولان، والضفة الغربية، والأراضى الفلسطينية المحتلة قبل حرب 1967"، وانسحبت بالفعل إسرائيل من سيناء فى 1982 وفقا للمعاهدة السلمية مع مصر، ومن قطاع غزة بشكل أحادى الجانب فى 2005 (مسلمة السيطرة إلى السلطة الفلسطينية وضبط الحدود الموازى لمصر إلى السلطات المصرية)، ومع ذلك فضل العرب اعتبار مصر خائنة، واغتالت قوى الشر والغدر الرئيس السادات فى احتفال النصر سنة 1981، وتولى الرئيس مبارك، واستمرت خيانات العرب فى تشجيع الجماعة المحظورة على إثارة الفوضى فى مصر، حتى حدثت المشكلة الحالية وجميع القراء يعرفونها.

وما يهمنا هنا أن شعب مصر حارب وجيش مصر حارب وانتصر لأول مرة بفضل الله وبفضل خطط ورجولة وخبرة قواتها المسلحة، وصمود الشعب المصرى، واسترد الأراضى المحتلة قبل سنة 1967، ولكنهم رفضوا الجلوس مع أمريكا وإسرائيل لاستلام أرضهم التى يحاولون الآن الحصول على 10% منها ومازالت الجولان محتلة حتى الآن، ولكن البعض من العرب لا يتوقفون عن محاولة الاساءة لمصر، فقامت قطر بالاتفاق مع أمريكا، على ما أعتقد، على إقامة قناة فضائية خصيصاً للكذب ومحاربة مصر إعلامياً، مستخدمة بعض المطاردين فى بلادهم، وأقامت على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى العالم، قامت أمريكا بضرب العراق منها.

وخلال حرب الإبادة الأخيرة لشعب غزة والتى نشبت بين حماس والجانب الإسرائيلى، لأسباب الخلاف على ضرب صورايخ بمب العيد التى تطلقها حماس على إسرائيل، وأعتقد أن فكرة هذه الحرب الذكية من حماس جاءت مستندة إلى قناعة بأن "حماس تقوم بإثارة القلق لدى إسرائيل، بصواريخها غير المؤثرة بالمرة، والاختباء فى مخابئ معدة خصيصاً فى غزة بالنسبة للقادة المحليين الذين يختبئون هم ومن يقذفون الصواريخ فى حصون آمنة، وتعريض الشعب الغزاوى، لجبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتصرخ لفتح معبر رفح، للحصول على تأييد عالمى بتمثيل أهل غزة فى المفاوضات على حساب منظمة التحرير الفلسطينية، وفتح سيناء لنقل الفلسطينيين إليها واحتلالها وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها.

ولكن الرئيس مبارك يدرك هذه الحيلة وحمى فلسطين من ضياع أراضيها وحافظ على أمن مصر القومى وسلامة أراضيها، ولم يتورط فى حرب تكلف مصر الكثير بسبب عشوائية وسبهللة أطراف لا تفقه إلا فى أعمال العصابات، والمؤامرات فقط، بينما مصر دولة محترمة لها سيادتها وتاريخها .

إننا لا نتوقع أى خير من الدول العربية ولا من الجماعة المحظورة، وترهاتها التى تمارسها فى مصر فهم يعملون كطابور خامس، وليس لهم أى ولاء لمصر بل الولاء كله لأفكار لا تمت لدولة مصر بصلة، ونعتقد أن الرئيس مبارك يجب أن يتخذ موقفاً قوياً لحماية الجبهة الداخلية التى كادت تتمزق بفعل الدسائس التى قاموا بها وبث السم فى العسل باسم الإسلام.
إننى هنا سوف أطرح عدداً من الأمور قبل تقديم الحلول للخروج من الورطة العربية ومنها:

* إن مصر قد تأخرت وتخلفت عن ركب التقدم الاقتصادى والتقدم فى جميع المجالات، لمدة لا تقل عن 100 عام بسبب مهاترات العرب والانحراف عن التعامل من واقع مصلحة مصر.

* مصر لابد أن تلحق بركب التقدم العالمى، حتى تلحق بمكانها السابق بين الدول فيما قبل ثورة 1952.

* يمكن لمصر حماية حدودها بقواتها المسلحة وبقدرة شعبها، ولا تحتاج فى سبيل ذلك لأى مساعدة من أى دولة أخرى عربية أو غير عربية.

* مصر لم تكن عربية إلا بعد قدوم عمر ابن العاص تلبية لطلب المصريين لحمايتهم من الروم، ومعنى هذا أنه يجب أن نعود إلى مصريتنا ونتخلى عن الكذبة الكبيرة التى خلقها جمال عبد الناصر واسماها بالأمة العربية، فإذا كانت الاختلافات بين المصريين والعرب بهذا القدر من التفاوت، فهذا يعنى أننا لسنا بالضرورة أن نكون عرباً، وحتى إذا كنا عرباً ولنا أخلاق تختلف عن معظم العرب، فيجب أن نتحلى بأخلاقنا وننشرها بينهم بالحسنى أو نتخلى بالمرة عن قضاياهم، فليس بالضرورة إذا كنا مسلمين أن نكون عرباً، فالأندونيسيون مسلمون، والكثير من المسلمين فى أوروبا وأنحاء كثيرة من العالم ليسوا عرباً .

ولهذا أرى أن تستقل مصر بنفسها وتغلق على نفسها لمدة 10 سنوات على الأقل، وتبتعد عن المنطقة العربية وتركز فى تطوير اقتصادها، وثقافتها، فالأمر ليس لعباً ولكنه يتعلق بأجيال قادمة ليس لها الآن أى أمل فى الحياة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة