مما لا شك فيه أن الجرائم الإسرائيلية فى العدوان الأخير على غزة فاقت كل الحدود المعروفة وغير المعروفة، وإذا كان تاريخ الكيان الصهيونى مفعماً بالجرائم والمذابح، فإن شلال الدم الذى حدث فى غزة، كان أيد هذه الجرائم، وهكذا فإن إسرائيل تفوقت على نفسها فى هذا الصدد!!
ومن المؤكد أن الصور التى تبثها وكالات الأنباء والقنوات الفضائية عن الفظائع الصهيونية، ومناظر الأطفال القتلى والمشوهين، والذين قسمت القذائف الصهيونية أجسادهم إلى نصفين مثلاً، أثارت غضباً هائلاً لدى كل عربى ومسلم وحر فى العالم.. وهذا أمر له ما بعده بالضرورة فى إطار الرغبة المشروعة فى الانتقام. ومن المعروف أن عدد القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ يصل إلى أكثر من 50% من شهداء وجرحى غزة، أى أن استهداف المدنيين من قبل آلة الحرب الصهيونية كان مقصوداً، وكان الهدف من ذلك نوعاً من الضغط على أهالى غزة، وتوصيل رسالة إليهم مفادها، أن سيطرة حماس على غزة جرت وسوف تجر على أهل غزة المصائب والفواجع، وهو نفس منطق وهدف حصار غزة، الذى تم بعد سيطرة حماس على القطاع، وبديهى أن تلك جريمة واضحة المعالم، فكيف تستهدف مدنيين للضغط على عسكريين؟!.
من المعروف أيضاً أن الجيش الصهيونى استخدم قنابل فسفورية وقنابل اليورانيوم المنضد، وهى أسلحة محرمة دولياً، لأنها تحدث آثار بيئية وجسدية فظيعة، آنية ومستقبلية وحسب خبير نرويجى دخل غزة وشارك فى علاج الجرحى، فإن هناك نوعاً من القنابل التى استحدثها الجيش الإسرائيلى تذوب فى الأنسجة، فلا يقتصر ضررها على الضحايا المباشرين، ولكنها تمتد إلى عدد كبير من الناس، لا يضر بها فى وقتها، وتسبب تآكلاً وبتراً للأطراف فيما بعد، فضلاً عن إصابة عدد كبير من الناس بالسرطان بسبب المواد المستخدمة فى تلك القنابل، وخاصة عنصر التانجستين.
الجرائم الصهيونية فى قتل الأطفال والنساء وضرب المدنيين وقتل أطقم الإسعاف وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد، بل ومهاجمة مواقع الأمم المتحدة ومقرات ومكاتب الصحف والقنوات الفضائية ووكالات الأنباء، يعنى أن الصهاينة لا يقيمون وزناً لأحد، وأن النظام الدولى الرسمى متواطئ معهم تماماً، وهذا يقود إلى الاستنتاج بأن الأمل ضعيف فى محاكمة قادة الكيان الصهيونى أمام المحاكم الدولية بتهمة الإبادة والقتل والجرائم ضد الإنسانية.
ومن ثم فإن بشاعة ما حدث، وتواطؤ المجتمع الدولى الرسمى مع إسرائيل، وضعف الأمل فى تحريك المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها لتوقيع العقوبة على قادة إسرائيل، يؤدى بالضرورة إلى نوع من التفكير فى الانتقام، وأنا شخصياً أعتقد أن حادث 11 سبتمبر 2003 كان نوعاً من رد الفعل على عدوان صهيونى على الضفة الغربية، ورأى الناس مناظر فظيعة لضحايا هذا العدوان، فقرر البعض أن ينتقم انتقاماً عشوائياً تطور فيما بعد إلى ما عرف بحادث 11 سبتمبر، ولأن ما حدث فى غزة أفظع، فيمكننا توقع حدوث رد فعل مناسب، ربما يتطور إلى حادث مماثل، ومن ثم فمن الضرورى هنا أن نحذر الغاضبين، وهو غضب مشروع، من الانتقام العشوائى، من المدنيين فى أمريكا وأوروبا، وصحيح أن النظام الرسمى فى أوروبا وأمريكا متواطئ مع إسرائيل، ولكن كل شعوب الأرض، بمن فيهم شعوب أوروبا وأمريكا وقفت معنا فى فاجعة غزة، وتظاهروا مع العرب والمسلمين تضامناً مع غزة، بل إن المظاهرات الصغيرة جداً التى خرجت للتضامن مع إسرائيل، كانت من يهود صهاينة فقط، ولم يشارك معهم أحد من تلك الشعوب، بل إن هناك يهوداً غير صهاينة، أو كانوا صهاينة وتابوا وتراجعوا وكفوا عن ذلك، ومنهم من مزق جواز سفره الإسرائيلى، وهكذا يجب أن تفرق بين الشعوب الحكومات، بين النظام الرسمى الدولى أو العربى وبين وجدان ومشاعر وسلوك الشعوب، وهكذا فإن من الضرورة الاحتياط جداً، وعدم توجيه أى أذى إلى كل الشعوب والمدنيين فى كل مكان، ولا نضيع ثمار التعاطف معنا فى غزة بعمل أحمق هنا أو هناك، وإن كان لابد من انتقام فليكن موجهاً ضد إسرائيل تحديداً، أو الصهاينة الموالين لها. وعلى كل الحركات المناهضة لأمريكا وإسرائيل أن تحذر عناصرها من التورط فى عمل يضر بقضية غزة وبقضايا العرب والمسلمين عموماً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة