الأحزاب المصرية تهتم بالحديث عن عدد أعضائها، أكثر مما تهتم بما تقدمه للساحة السياسية، وتتبارى فى معايرة بعضها البعض بعدد الأعضاء بدلاً من التنافس الشريف فى السياسة، والغريب أن الأحزاب تلجأ إلى الكذب فيما يتعلق بالأرقام الحقيقية لأعضائها، من منطلق أن أحداً لن يبحث وراءها، والواقع أن الغموض يحيط بالأرقام الحقيقية لأعضاء الأحزاب، لكن آخر إحصائية صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أوضحت أن عدد أعضاء الأحزاب المصرية، والتى تبلغ 24 حزباً، تتراوح بين مليونين و700 ألف عضو، استحوذت أحزاب الوطنى والوفد والتجمع والناصرى والجبهة على الغالبية منها، وإن كان التفاوت ملحوظاً بين عدد أعضاء الحزب الوطنى، وبقية الأحزاب.
فشل أم نجاح
الحزب الوطنى يعتبر عدد الأعضاء الذين يحملون "الكارنيه" الخاص به سبباً للتفاخر الدائم، رغم أن هذا العدد لا يعبر عن نجاحه، بقدر ما يعبر عن فشل الحياة الحزبية فى مصر، فالشعب الذى يبلغ تعداده نحو 80 مليون نسمة لم يلتحق بالأحزاب السياسية المختلفة منه سوى مليونين و250 ألف نسمة، وهى نسبة ضعيفة للغاية لا تسمح بمشاركة سياسية حقيقة، كما أن الحزب الوطنى يحتفظ لنفسه بأكثر من ثلاثة أرباع الأعضاء فى الأحزاب السياسية التى يبلغ عددها 24 حزباً، كما سبق الإشارة، حيث أورد زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، أن عدد أعضاء الحزب الوطنى يبلغ نحو مليونين و885 ألفاً، وذلك خلال المؤتمر العام للحزب فى نوفمبر الماضى، موضحاً أن عدد الأعضاء وقت صدور الدراسة السابق ذكرها كان مليونين و338 ألف عضو.
وأرجع عزمى هذه الزيادة إلى الارتقاء بأنشطة الحزب والإصلاح السياسى، الذى شهده، إضافة إلى اقتناع الناس بأن الحزب الوطنى هو خير من يعبر عنهم ويتحدث بلسانهم.
كلام عزمى يصطدم بتقرير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، لأنه بحسبة بسيطة يتضح أن أعضاء 23 حزباً آخر لا يتجاوزون 362 ألف شخص، رغم أن منير فخرى عبد النور سكرتير عام حزب الوفد قال فى تصريح سابق، إن عدد أعضاء حزبه يبلغ 130 ألفاً، مسجلون فى كشوف الحاملين للكارنيه، والذى نعلم انقسامهم بين نعمان جمعة الرئيس السابق ومحمود أباظة الرئيس الحالى، فى حين صرح لليوم السابع بأن عدد الأعضاء الآن يبلغ 250 ألفاً، لذلك نجد تضارب الأرقام للمنضمين إلى الوفد، رغم تصريح نفس المصدر، يؤكد أن هذه الأعداد ليست مؤكدة بالفعل، فى حين أشار بعض أعضاء الوفد، إلى أن عدد أعضاء الحزب كان يتجاوز المليون و200 ألف عضو وقت تولى فؤاد سراج الدين رئاسة الحزب، قبل أن تتسبب الصراعات المتتالية فى عزوف الناس عن الانضمام للحزب، علاوة على تقدم عدد كبير من الأعضاء باستقالتهم.
أرقام متضاربة
ورغم أن إضافة عدد أعضاء "الوطنى" بحسب رواية زكريا عزمى إلى عدد أعضاء حزب الوفد، ووفقاً لما ذكره عبد النور، يبرز أن هناك طرفاً يكذب ويبالغ فى أرقام عضويته، لكن الأمر يصبح معقداً إذا ما أوردنا عدد أعضاء الأحزاب الرئيسية الكبيرة دون النظر إلى بقية الأحزاب الصغيرة.
حزب التجمع مثلاً صرح الأمين العام سيد عبد العال، أن عدد أعضائه 60 ألف عضو خلال المؤتمر العام للحزب، والذى عقد فى مارس الماضى، غير أن سيد شعبان أمين التنظيم بالحزب صرح، أن العدد الحقيقى لأعضاء الحزب طبقاً للكشوف وبعد شطب أسماء المستقيلين والوفيات وصل إلى 40 ألفاً، وهو ما يؤكد أن عدد الأعضاء أمر غامض ومتناقض حتى فى تصريحات قيادات الحزب الواحد.
أما الحزب الناصرى الذى ينظر إليه باعتباره أحد الأحزاب الكبيرة فى مصر، فتشير تصريحات أعضاء بارزين به إلى أن عدد المنتسبين للحزب يصل إلى 60 ألف عضو، لكن تدهور الحال، بعد غياب ضياء الدين داوود عنه، أوصل الرقم إلى 45 ألفاً، طبقاً لآخر تصريح لمحسن عطية أمين التنظيم بالحزب فى ديسمبر 2007.
نفس الأمر ينطبق على حزب الجبهة، الذى تعلقت به آمال الكثيرين، لما كان من رموز وشخصيات كبيرة رفعت البعض إلى تسميته بحزب "الصفوة"، والذى سرعان ما تبدلت الأمور فيه، فبعد البداية المبشرة للحزب ووصول عدد أعضائه إلى 5 آلاف، تبدلت الأمور مع احتدام الصراع بين أسامة الغزالى حرب وأنور عصمت السادات، وانسحاب الأخير من الحزب، وكذلك استقالة نحو ألف عضو بينهم شخصيات كبيرة أمثال الدكتور على السلمى والدكتور يحيى الجمل وغيرهما، وبدلاً من ارتفاع عدد أعضاء الحزب بمرور الوقت، أخذ المعدل فى الانخفاض.
عضوية صورية
الدكتور وحيد عبد المجيد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أكد أن عدد الأعضاء داخل الأحزاب المصرية لا يتعدى عشرات آلاف، خاصة بعد الثلاثة عقود الماضية، مشيراً إلى أن هذه الأحزاب كان فى نشأتها كأحزب الوفد من أكبر الأحزاب التى انضم إليها الأعضاء، والذى لا يتعدى أعضاؤه 20 ألفاً وكان هذا مصير بقية الأحزاب، والذى منهم الوطنى الذى يزعم البعض أنه يضم أكثر من مليونين، والحقيقة أنه لا يتعدى غيره من الأحزاب، ولكن السر فى ذلك أنه يضم كل الموظفين التابعين للدولة دون علمهم بذلك، وقد أرجع عبد المجيد عزوف المواطنين عن الانضمام للأحزاب عما سبق هو فشل آمالهم "الناس" فى إنصافهم من الظلم كما وعدوهم من قبل.
وبعد تجميع عدد الأعضاء التى أوردها مسئولو الأحزاب الخمسة يتبين لنا أن هذه الأرقام تفوق بكثير الأرقام التى تضمنها تقرير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، مع العلم أن هناك 18 حزباً آخر لهم أعضاء أيضا. إذن فهناك أحزاب تكذب، ولا تقول الحقيقة عن أعداد أعضائها، وهو ما يمثل مشكلة حقيقة، تشير إلى أن كل القطاعات فى مصر تعانى غياب الشفافية، بما فيها الأحزاب السياسية.
لمعلوماتك:
1978 تم إنشاء حزب الوفد والوطنى.
1992 تم إنشاء الحزب الناصرى.
2007 تم إنشاء حزب الجبهة.
تناقضات عزمى وعبد النور وسيد عبد العال كشفتها..
أرقام العضوية المضروبة فى الأحزاب المصرية
السبت، 24 يناير 2009 01:52 م