فى تصريحات له مؤخرا شدد رئيس مجلس الشعب د. أحمد فتحى، على أنه لن يرأس جلسة يمر فيها نص قانونى غير دستورى، واستشهد على الموقف من رفض المادة الأولى من التعديل الأخير لقانون المحاماة. وهذا القول جدير بالاحترام بلا شك، إلا أنه يطرح على الفور التساؤل عن كيفية مرور نصوص غير دستورية أخرى فى ذات التعديل، وأنا سأكتفى هنا بالحديث عن ثلاثة نصوص يتجاوز وضوح عدم الدستورية فيهم بريق شمس الظهيرة:
النص الأول هو نص المادة 84 من قانون المحاماة المتعلقة بلجنة تقدير أتعاب المحامين، ذلك النص الذى جاء ليعيد – فى ثوب جديد- تلك اللجنة التى سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بعدم دستوريتها بحكمها بجلسة 5/6/1999، وأقامت حكمها على العديد من الأسباب، أبرزها أن مبدأ المساواة بين الناس يستوجب أن تكون للخصومة القضائية الواحدة قواعد موحدة فى مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها، وأضافت، إنه متى كان ذلك وكانت الخلاف بين المحامى وموكله حول تقدير الأتعاب، إنما يندرج فى دائرة الخلاف بين الأصيل والوكيل بأجر، باعتبار أن جميع هذه المنازعات متحدة فى جوهرها متماثلة فى طبيعتها، فإن إفراد الخلاف بشأن تحديد أتعاب المحامى بنظام إجرائى خاص لفضه ينبو عن نظام التداعى بشأن تحديد أجر الوكيل – دون أن يستند ذلك إلى مبرر منطقى لهذه المغايرة- يصم هذا التشريع بمخالفة الدستور .
إلا أن التعديل الأخير لقانون المحاماة الذى تقدم به نقيب المحامين السابق من خلال أعضاء من الحزب الوطنى تضمن إعادة تلك اللجنة المقضى بعدم دستوريتها، بعد إلباسها ثوباً جديداً لا يغير من كونها تنظيماً إجرائياً خاصاً، وهو الأمر الذى سبق أن قضت المحكمة الدستورية بمخالفته للدستور.. نرى هنا المحكمة الدستورية تقضى بعدم دستورية إفراد نظام إجرائى خاص لتلك المنازعات، فيعود مجلس الشعب الموقر إلى تمرير نص يتضمن إفراد نظام إجرائى خاص لتلك المنازعة!!
أما النص الثانى والثالث فهما نص المادة (31) بند 2 التى تشترط للقيد فى جدول المحامين أمام المحاكم الإبتدائية تقديم صورة بطاقة ضريبية ثابت بها الاشتغال بالمحاماة دون سواها؟!، والمادة 14 فقرة أخيرة فيما ابتدعته من عبارة "ويشترط التفرغ للمحاماة" ؟!.. النصان يقرران ببساطة مروعة الحظر على المحامى الاشتغال بأى عمل آخر أو ممارسة أى نشاط حتى لو كان نشاطاً عاماً تطوعياً! أو ليس هذا هو مفهوم اشتراط التفرغ؟.. تأتى تلك النصوص مفرطة فى الشذوذ والعدوان على الحق الدستورى فى العمل بالرغم من سبق صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى 6/12/1997 القاضى بعدم دستورية نص البند السادس من الفقرة الأولى من المادة 13 من قانون المحاماة التى كانت تحظر الجمع بين المحاماة وعضوية أى نقابة مهنية أخرى.
وأوردت المحكمة فى أسباب حكمها أن "الحق فى العمل لا يتقرر إيثاراً ولا يمنح تفضلاً".. وانتهت المحكمة إلى أن ذلك الحظر مخالف للمادة 13 من الدستور التى تقرر الحق فى العمل.. يأتى بعد ذلك المجلس الموقر مع بالغ الأسف ليعيد ذات الحظر المقضى بعدم دستوريته متلحفاً بثوب جديد أشد قبحاً وإزراء بالحقوق الدستورية، فلم يعد الحظر مقصوراً على الجمع بين المحاماة وبعض الأعمال المعدودة على سبيل الحصر، وإنما أصبح الحظر جامعا مانعاً شاملاً دون أى مبرر عقلانى أو منطقى أو موضوعى.. وتبلغ المأساة ذروتها إذا علمنا أن ذلك النص يعنى أنه من المحظور على المحامى أن يشارك فى الحياة العامة بأى شكل من الأشكال حتى لا يخالف شرط التفرغ القراقوشى!! فلا يجوز له مثلاً أن يكون عضواً بمجلس الشعب أو مسئولا بحزب سياسى أو منظمة مجتمع مدنى، أو حتى ناد رياضى!!!
وبعد.. وفى ضوء ما صرح به السيد رئيس مجلس الشعب، نتساءل.. ما رأى سيادته فى تلك النصوص؟.. وهل يرى سيادته أنها نصوص دستورية؟، وإن كان يوافقنا الرأى بأن تلك النصوص غير دستورية، فكيف مرت تلك النصوص فى ظل رئاسته؟.. وهل يمكن أن تتقدم مصر خطوة للأمام فى ظل هذا المستوى لوظيفة التشريع؟
المحامى هشام المهندس يكتب :
مجلس الشعب.. والقوانين غير الدستورية
الجمعة، 23 يناير 2009 02:13 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة