انفض اعتصام مائة محام بكفر الزيات "محافظة الغربية"، بعد يومين من الاحتجاج على تصرف وكيل نيابة، لكن لم تنفض مشاكل أعضاء النيابة مع المحامين، وسنرى أزمات متجددة بين المحامين وأعضاء النيابة، ليس لأن المجتمع أصابته حالة من الصرع والاتجاه للعنف، كما يقول البعض بل لأن نقابة المحامين غائبة والآليات التى وضعها قانونى المحاماة والسلطة القضائية غير مطبقة وغير مفعلة.
بالفعل هناك تجاوز من بعض المحامين وبالمقابل هناك تجاوز من بعض أعضاء النيابة إلا أن أصل العلاقة تم تنحية القانون فيها رغم وجود نصوص صريحة فى هذا سواء بقوانين السلطة القضائية أو بقانون المحاماة، حتى بعد تعديله وإضافة إليه ما يحفظ للمحامى حصانة وحماية أثناء ممارسة عمله، وكل هذا بسبب ترك المسألة للمزاج والتقدير الشخصى، وغياب آلية المحاسبة لمن يتجاوز، وإن كان غياب محاسبة أعضاء النيابة هو الغالب كما يراه المحامون سبب تفاقم المشاكل، وتعددها بل وتعديها إلى إهانات لفظية وأحيانا الحرمان من الحرية والأمر بحبس المحامى كما فعل المستشار العشماوى رئيس دائرة 19 بمحكمة القاهرة فى عام 2004، عندما قرر حبس محام أثناء مرافعته أمام المنصة.
إذن لم يعد المحامون فى نظر كثير من القضاة والنيابة هم القضاء الواقف، ولم يعودوا كذلك شركاء السلطة القضائية فى تأدية واجبها كما نصت المادة الأولى من قانون المحاماة، وأصبحوا فقط أعداء أو درجة ثانية فى نظر الكثير، وتواردت الاعتصامات والمشكلات بين الحين والآخر، وما زاد الأزمة أن النقابة، وإن كانت فى الوقت الذى كان فيها مجلس يديرها بشكل غير متوازن وغير جاد فى الحفاظ على مصالح المحامين، لكنه فى النهاية من وقت لآخر كان يتخذ موقفا ولو من باب حفظ ماء الوجه، والاحتكام لدرجات المولاة والمعارضة، إلا أنه الأن أصبح الموقف أكثر من شائك، فالنقابة تحت الحراسة ويديرها الآن لجنة من مستشارين قضائيين، بما يعنى أنه لو حتى كان فيه أخطاء أو تجاوز من أى من الفريقين، فالسلطة التى تدافع عن المحامين غائبة، ومن يمثل النقابة غير موجود أو على الأقل ينتمى للسلطة القضائية التى تكون معها المشكلة، فلا ينتظر أحد من المحامين أن تدافع اللجنة القضائية مع المحامين ضد القضاة.
وكان 100 محام قد اعتصموا قبل أيام داخل المحكمة الجزئية الجديدة بكفر الزيات، ورفضوا مغادرة المبنى، احتجاجاً على سوء معاملة رئيس النيابة لهم، بعد أن قام المحامون بالدخول إليه للشكوى من سوء نظافة المبنى، فتعامل معهم بصورة غير لائقة، وأشار إليهم بيده طالباً منهم الخروج من مكتبه لإجرائه مكالمة هاتفية، وهو ما اعتبره المحامون إهانة بالغة لهم، وتقدموا بمذكرة ضد رئيس النيابة للمحامى العام، وفضوا الاعتصام بعد يومه الثانى نتيجة اعتذار رئيس النيابة للمحامين.
فالأزمة ليست وليدة اليوم بل هى وليدة غياب تطبيق القانون كما يقول حمدى خليفة نقيب المحامين بالجيزة، حيث تراجعت هيبة المحامين أمام القضاة والسلطة القضائية وكل الأجهزة، بسبب ضياع هيبة النقابة العامة وسكوت النقابة العامة ومسئوليها على انتهاك النيابة لحقوق المحامين، بدءا من عدم تعيين النسبة المقررة من المحامين والمنصوص عليها فى القانون فى النيابة العامة، وكذا تغافل النيابة لحق المحامين كشركاء للسلطة القضائية فى الدفاع عن الحقيقة وحماية العدالة.
نعم إنها التنازلات التى تمت من جانب النقابة ونقيبها، أو حتى أعضاء المجلس لصالح أجهزة الدولة، من أجل مصالح أو مكاسب جانبية، هذا ما أكد عليه ثروت الخرباوى عضو النقابة، والذى يضيف أن هناك موائمة تمت الفترة الماضية بين القضاة والنقيب السابق على حساب المحامين، إلا أن الخرباوى لا ينكر أن النظام القضائى أصبح فى مصر لايسمح بثقافة التعامل مع المحامين بعلاقة تقوم على الندية والاحترام، بل تقوم على الدونية والاحتقار، وهو ما يجعل أعضاء النيابات والقضاة ينظرون للمحامين على أنهم درجة ثانية، مما يتطلب خلافا للقانون والنصوص الموجودة يتطلب تدريب وتعليم، وحث النيابات وأعضاء السلطة القضائية على احترام طريقة تعامل المحامين، ولا يعاملوهم من "كرسى عال".
ومن أقرب الوقائع التى حدثت هو ما تم فى قسم الحدائق عندما تعدى ضابط شرطة على اثنين من المحامين منهم طارق العوضى عضو لجنة الحريات والناشط فى الدفاع عن حقوق المواطنين وقضايا حقوق الإنسان، بل والأغرب كما يقول العوضى بنفسه أنهما عندما أصرا على أن تكون القضية فى يد النيابة، أفرجت النيابة بدون ضمانات عن الضابط، وقررت غرامة على العوضى والمحامين الذين معه الذين تزايد عددهم بسبب محاولة وكيل النيابة، أن يترك الضابط دون عقاب أو حتى إحالة للتحقيق، مما يدل كما يقول المحامى على أنه تعامل مزدوج من النيابة بالقضية، بما يمس بقضايا ومصالح المحامين، رغم أن القانون يعطى للمحامى الحق فى ممارسة عمله، وحتى إن كان هناك مشكلة يكون ضمان المحامى وظيفته "كارنيهه" وليس كفالة مالية، مما يدل على أن الأزمة ليست فى القانون بقدر التطبيق والثقافة.
وكان قبل شهرين قام ثلاثة موظفين بالدائرة السابعة بمجلس الدولة، بالاعتداء بالضرب بالأحزمة على محام بسبب إصرار المحامى معرفة مصير قضاياه، مما أدى إلى إصابة المحامى بكدمات فى الوجه ونزيف بالأنف، فتقدم المحامى ومعه مجموعة من المحامين الذين كانوا متواجدين بالمجلس، ببلاغ إلى قسم الدقى وطالبوا بتوقيع الكشف الطبى على المحامى.
كما تجمهر أكثر من 150 محاميا فى يناير الماضى بمحكمة الدخيلة بالإسكندرية، تضامنا مع زميل لهم قدم ضده عدد من وكلاء النيابة بلاغا للنائب العام، بعد أن اتهموه بسب هيئة النيابة بألفاظ خارجة، وكان المحامى المتهم السيد الديب، نفى أن يكون قد سب هيئة النيابة، وذكر أن أحد أفراد حراسة وكيل النيابة، منعه من الدخول للوكيل فعاتبه، وأدى ذلك إلى خروج وكيل النيابة الذى قام بالتعدى عليه بالضرب أمام عدد من المحامين.
أسعد هيكل عضو لجنة الحريات بالنقابة، يرى أن العلاقة التبادلية بين النيابة العامة والمحامين، من المفترض أن تكون قائمة على التعاون والتكامل، فالمحامون شركاء فى السلطة القضائية نحو تحقيق العدالة وإرساء الحق، و لكل من الفريقين دور وعمل لا يتعارض مع الآخر، كما نظمت القوانين واللوائح والتعليمات المختلفة، تلك العلاقة ونظمت الأطر الكفيلة بنجاحها وعلاقة المحامى بالنيابة العامة تندرج تحت عدة حالات منها ما يتعلق بدفاعه، وتواجده مع المتهم حال إجراء النيابة العامة تحقيقا قضائيا، ومنها ما يتعلق بطلبات وإجراءات إدارية حال تردده على مقار النيابات بغية إنهاء أعمال موكليه، وقد نظم قانون الإجراءات الجنائية تلك العلاقة تحديدا فى قواعد ونصوص واضحة وازنت بين صالح المجتمع، ممثلا فى النيابة العامة فى تحقيق العدالة، وبين صالح المحامى وضمانات موكله، كإحدى الضمانات الإجرائية فى التحقيق القضائى، فنظمت تك القواعد وحددت الجرائم التى يوجب القانون حضور محام مع المتهم فيها، مثل الجرائم التى تندرج تحت وصف الجناية.
ويضيف أن الشكاوى التى تقدم إلى النيابة العامة ضد المحامى أوجبت تعليمات النيابة العامة تحقيقها بمعرفة رئيس نيابة على الأقل، وفى المقابل يبقى على المحامى أن يمارس عمله أمام النيابة العامة بالأسلوب اللائق والمهنية الاحترافية القويمة، بإبداء الاحترام اللازم والوقار الواجب لأعضاء النيابة العامة، حيث نص قانون الإجراءات الجنائية هنا على وجوب ندب محام مع المتهم فى حال عدم وجود محام موكل عنه، وأعطت تلك القوانين نفس حقوق المحامى الموكل من إبداء دفاعه عن المتهم الذى تحقق النيابة العامة معه.
وفى وقت سابق كان محمد ماهر الجندى، رئيس محكمة (ب)، اعتدى على أحد المحامين بالسب والإهانة، مما أثار الغضب بين المحامين وشاعت السخرية والضحك بين الحضور، مما أدى إلى إهانة كرامة المحامين، حيث قال محمد ماهر رئيس المحكمة لأحد المحامين "أسكت يا هذا" بأسلوب النكرة، وأضاف "أتكلموا بأدب واحترموا المحكمة"، مما اعتبره المحامون إهانة لهم، وقد قام المحامى بالانسحاب من المحكمة، وأثبت ذلك فى محضر الجلسة، حيث قال "قررت الانسحاب لتعدى المحكمة على أحد الزملاء".
ناصر أمين مدير مركز استقلال القضاء، يعتبر أن مسلسل الانتهاكات أو التعرض للمحامين من جانب النيابة بسبب أو أثناء أداء عملهم، متكرر، خاصة أن النيابة تمنع المحامين من التواجد فى التحقيقات مع موكليهم، ويخالفون القانون ويحرمون الموكل من وجود محاميه، وأرجع أمين هذا إلى غياب النقابة ومجلسها من جانب، وزيادة مساحة الانتهاكات وغياب اختيار الكفاءات من أعضاء النيابة، بما أخل بالعلاقة بين المحامين والسلطة القضائية، رغم أن قانون المحاماة يحفظ الحق للمحامى ويوضح الواجب على المحامى، حتى أن إهانة المحامى يعد من إهانة السلطة القضائية، والحل هو وجود نقابة قوية.
مجدى عبد الحليم مؤسس حركة محامون بلا قيود، يعتبر أن الانتهاكات وصلت إلى حد لايمكن السكوت عليه، بل أنها أصبحت تصل إلى حد أن النيابة تستهين بالمحامى أثناء التحقيق أمام موكله وتضرب بالقوانين عرض الحائط، مما أشاع ثقافة عدم الاحترام للمحامين حتى أمام الموكلين، نتيجة هذا التعدى الصارخ ضد المحامين.
وكان ٥٠٠ محام اعتصموا من قبل داخل مجمع المحاكم فى سوهاج احتجاجاً على تجديد حبس زميلهم إسلام نظيرعبدالرحمن ١٥ يوماً إثر تشاجره مع مدير نيابة الأقصر وشقيقيه القاضى فى محكمة «صدفا» والموظف فى محكمة الأسرة، بسبب النزاع على الحدود الفاصلة بين أراضيهم الزراعية، وعبر المعتصمون عن استيائهم من قرار حبس زميلهم وعدم استدعاء الطرف الثانى فى الواقعة، مقررين إضرابهم عن العمل أمام دائرة الاستئناف وجميع دوائر الجنايات، وبدء إضراب مفتوح عن العمل فى جميع محاكم المحافظة فى حال عدم التوصل إلى حل للمشكلة.
من جانبه، قال محمد محروس، مدير نيابة مركز سوهاج، إن الواقعة يجوز فيها عقوبة الحبس الوجوبى طبقاً لقانون العقوبات بالنسبة للمحامى، وبناء على ما نسب إليه من «اعتدائه» على الطرف الثانى بـ«شومة»، مؤكداً أنه تم ضبط وإحضار والد مدير النيابة، أحد طرفى الواقعة، وجار استجوابه، ويوجد قرار بضبط وإحضار ابنه «مجدى».
ورغم كل هذه الوقائع فإن وائل شامل رئيس نيابة وسط يعتبر أن العلاقة بينهم وبين المحامين قائمة على الاحترام وتطبيق القانون، ولا يوجد تجاوز إلا عندما يتجاوز المحامى أو يعتدى على حقوق النيابة، أو يخل بواجباته أو واجبات موكله تجاه النيابة، ولكن فى النهاية حسب رئيس النيابة فهى حالات نسبية وغير متكررة، ولم تصل إلى ظاهرة، وإن توسع البعض فى توصيفها أو الحديث بتهويل عنها.
وطبقا لأحد الإرشادات التى يتداولها المحامون فيما بينهم، والتى دونها البعض فى كتيبات ويتم بيعها أمام المحاكم عن طرق التعامل مع النيابة.. منها ـ تعامل باحترام وأعرف حقوقك جيدا وواجباتك أمام النيابة، ـ لا تطلب ما ليس من حقك، ـ عضو النيابة يحترم المحامى الفاهم، ـ لو حصل خلاف مع أحد الوكلاء فلا تغضب أو تنفعل فيضيع حقك أدخل لرئيسه فهمه بدون انفعال أيضا وبدون خوف فهم فى النهاية بشر مثلنا يصيبون ويخطئون، كن متزنا فى رد فعلك ولا تجادلهم إلا بعلم.
بينما إرشادات التعامل مع القاضى فهى، ـ أقرأ الدعوى جيدا ورتب دفاعك ومذكراتك ومستنداتك، وأحرص دائماً فى غير الجنايات أن تكتب مذكرة بدفاعك، فالقضاة اليوم أمامهم أطنان من القضايا، فلن يتذكروا مرافعتك مهما كانت عظيمة، ـ تكلم فى دورك الذى حدده قانون المرافعات (المدعى يبدى طلباته أولاً ثم المدعى عليه) والإجراءات الجنائية (النيابة العامة تبدى طلباتها ثم المدعى بالحق المدنى يبدى طلباته والمتهم آخر من يتكلم)، وإذا كان لابد أن تتكلم فى غير دورك فلتستأذن القاضى أولاً، ـ حاول تنفيذ قرارات المحكمة أولا بأول، وأفهم سبب التأجيل ووضح للقاضى بهدوء ما قدمته من مستندات. النائب العام للإفراج عن المحامى، أسوة بالإفراج عن القاضى الذى أخلى سبيله بكفالة 500 جنيه من سراى النيابة.
اتهامات للنقابة بالضعف والنيابة بالاستعلاء
اعتداءات النيابة على المحامين.. عرض مستمر
الجمعة، 23 يناير 2009 03:47 م