لم يدر بخلده أن فى مصر كل شئ يدار بـ"الواسطة"، كان مؤمنا بأن "لكل مجتهد نصيب"، ظن "محمد على وفا عبد الحميد"، أن إجادته للغة العبرية التى درسها فى كلية الآداب جامعة عين شمس، سوف تفتح له أبواب العمل على مصراعيها، كان يطمح فى عمل مهم، أو فى مجال الإعلام أو حتى مترجما فى شركة سياحية أو هيئة حكومية تتفق مع محور دراسته وتعليمه مثل كل بلاد الدنيا، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، فور تخرجه اكتشف محمد أن الحياة ليست وردية كما تصور، وأن عليه أن يتحمل نظرات زملاءه وجيرانه ويفهم ما تهمس به، "هو محمد قاعد ليه.. مش اتخرج من الجامعة؟!"، لم ينتظر طويلا وسافر إلى طابا للعمل بشركة "لوتس ليموزين" لتأجير السيارات، استمر بها ثلاثة أشهر، لكنه لم يرضى عن نفسه وقرر أن يغادر العمل بحثا عن فرصة أخرى يحقق فيها أحلامه..
رضخ محمد للأمر الواقع، وعاد إلى القاهرة، ليعمل بـ"التعاقد" بإدارة الموارد البشرية بمستشفى السلام الدولى بالمعادى، وكما هو فى أى مؤسسة، تنظم رحلات ضمن الأنشطة الترفيهية والاجتماعية للعاملين فيها، سافر مع زملائه إلى مدينة الفيوم يوم الجمعة 21نوفمر 2008، لمدة يوم واحد، وعاد محمد ضمن الزملاء فى اتوبيس الرحلة إلى ميدان التحرير، ليتفرقوا ويستقل كل منهم وسيلة المواصلات التى تحمله إلى منزله، لكن محمد بدلا من أن يعود إلى حى بولاق الدكرور، اتصل بشقيقه الأصغر "كريم" وقال له عبر الهاتف المحمول "أنا وصلت التحرير وطمن ماما"، رد عليه كريم، "يعنى قدامك قد إيه وتوصل البيت"، فأجابه محمد" ملكش دعوة..طمن ماما وبس".. كان ذلك فى تمام الساعة التاسعة والربع مساء، لكن محمد لم يعود إلى بيته حتى الثانية من صباح السبت، اتصل به شقيقه ووالده عدة مرات.. جرس ولا يوجد رد.. بدأ القلق والتوجس والخوف يظهرون على وجوه أسرته "والدته ووالده وشقيقته وشقيقاه"، ازداد القلق بعد أن أغلق هاتفه عند الساعة الرابعة صباحا، وفى كل مرة كانت الرسالة التقليدية (الهاتف الذى طلبته غير متاح حاليا..)
حاول الأب "على وفا" الاتصال بزملاء محمد من خلال "الإندكس" الخاص به، إلا أنه عجز عن قراءة أسماءهم وتحديد هويتهم، حيث إنهم مسجلون بالعبرية التى يجيدها محمد ويتحدثها بطلاقة، لكن شقيقاه كانا يحتفظان بأرقام هواتف زملاءه، لكن الجواب كان يأتى إليهم (معرفش.. محمد نزل قبلى..محمد نزل لوحده.. كان بيقول لحد وهو فى الباص إنه هيقابله عند نادى الزهور فى مدينة نصر.. محمد نزل قدام مجلس الشورى..)، وهكذا لم يصلوا إلى نتيجة.
لم تنم أسرة محمد فى ذلك اليوم حتى ظهيرة اليوم التالى، ذهب الأب إلى قسم شرطة بولاق الدكرور، وحرر المحضر رقم9912 إدارى بولاق الدكرور بغيابه فى 22نوفمبر2008. وتقدم الأب ببلاغ إلى النائب العام فى 17ديسمبر 2008 عن تغيب نجله، حمل رقم 20728.
والدته "سلوى على" أكدت لنا على أن نجلها كان ولعا بمشاهدة المسلسلات والبرامج والنشرات العبرية، وإذا استعصت عليه بعض الجمل أو الكلمات، كان يلجأ إلى قواميسه لمعرفة ترجمتها( كان نفسه يشتغل فى التليفزيون..).
إسلام فوزى هو الأقرب إلى محمد، نفى وجود شبهة قتل محمد أو انتحاره، معللا ذلك بأنه كان على خلق ولم يرتكب يوما إثما فى حق أحد، وكان "خدوما"، وليست لديه أية علاقات غرامية أو عاطفية.
والدته: "محمد" كان بيترجم المسلسلات العبرية وكان نفسه يبقى مذيع
اختفاء "مترجم عبرى" فى ميدان التحرير
الجمعة، 23 يناير 2009 11:27 ص