◄لو دخل رجل بطفلة صغيرة قبل البلوغ لكانت تلك عملية اغتصاب مكتملة الأركان
كيف يمكن أن نتحدث عن التجديد فى الفكر الدينى, وعن إرساء مناهج الإصلاح فى الفقه الإسلامى, طالما كان شيوخ الفضائيات، ينشدون أسماع المسلمين، ويطربونهم بفتاوى، كالتى خرج علينا بها مفتى المملكة منذ أيام فى جريدة «الحياة» اللندنية، بأن تأخير سن زواج الفتيات إلى 12 سنة هو ظلم لهن وخطأ كبير, الرجل يقول إن سن الزواج الطبيعية للفتاة هى العاشرة, وإن التأخير لسن الثانية عشرة هو الخطأ وهو الظلم وليس العكس.
ولكن هذه الفتوى ليست بدعا من الفتاوى, بل هو حكم حاز إجماع علماء السلف من المتقدمين والمتأخرين, بجواز الزواج بالرضيعة والصغيرة وكذلك الدخول بها, هذا الإجماع العفن أقرته كل المذاهب بلا استثناء, والحقيقة أن المشكلة لا تكمن فى الإجماع ذاك، بل فى الأصل والدليل الذى استنبط منه أهل التراث هذا الحكم، بجواز تزويج الصغيرة والدخول بها, فقد اعتمد أهل التراث على أصلين-بزعمهم- فى ذلك الإجماع وهما:
الأول:
قول الله:«وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا»، الطلاق 4. فقالوا إن معنى «لم يحضن» أن الصغيرة تتزوج ويدخل بها الزوج قبل بلوغ الحيض.
الثانى:
الآثار المروية عن زواج النبى بالسيدة عائشة، وهى فى عمر ست سنوات، والدخول بها وهى فى عمر تسع سنوات. والمؤسف أن الأصلين لا يصلح منهما شىء كدليل على تزويج الصغيرة والدخول بها قبل البلوغ, فقد أصاب العوار فهم أهل التراث فى تعاملهم مع الأصلين السابقين كما سنوضح:
أولا:
جاءت الآية القرآنية فى سورة الطلاق فى سياق يحدد فيه رب العزة أحكام الطلاق للأسرة المسلمة، عناية لها وتأكيدا على الوقاية من اختلاط الأنساب, وقد كان رب العزة قد سبق فى تحديد عدة المرأة المطلقة فى الوضع الشائع والغالب، بقوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»، البقرة 288, - ثلاث حيضات لتستبرئ رحمها- ثم جاءت الآية التى نحن بصددها فى سورة الطلاق، لتحدد عدة المطلقة فى الأحوال المختلفة على وجه الحصر، بقول الله فى مفتتح الآية: «وَاللَّائِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ» ثم تسترسل الآية فى بيان الحالات الثلاث معطوفة على كلمة «نسائكم» بلا استثناء, إذن فالضابط الأول لفهم الآية النظر فى معنى كلمة النساء, فنجد القرطبى يقول: «والنساء اسم ينطلق على الكبار كالرجال فى الذكور، واسم الرجل لا يتناول الصغير؛ فكذلك اسم النساء والمرأة لا يتناول الصغيرة» الجامع (5/13), وكذلك نجد فى لسان العرب وغيره, إذن فالآية يقينا تتحدث عن نساء, ناضجات كما هو مفهوم من إطلاق اسم النساء, كما لا يُتصور أيضا أن الآية تبين الحكم حول «اللائى لم يحضن»، بعطفه على كلمة «النساء»، ثم يقول المفسرون إن «اللائى لم يحضن»، هن البنات الصغار قبل البلوغ, ثم تختتم الآية الخطاب بحكم الحالة الأخيرة فى الطلاق وهى المرأة الحامل, لذا فإن الآية لغويا وسياقيا، توجه الخطاب لنساء ناضجات طلقكن بعد أن دخل بهن أزواجهن لتبين عدتهن, فكيف للفقهاء والمفسرين أن يزعموا أن قول الله: «وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ» موجه للبنات الصغيرات، وذلك إهدار كامل للمعنى اللغوى والسياقى كما بيَّن عموم الخطاب فى الآية بقوله تعالى: «مِنْ نِسَائِكُمْ», لنجد المفسرين بكل تساهل يفسرون الآية بخلاف معناها, فيقول الطبرى: «لم يحضن من الجوارى لصغر» (23/452), ويقول ابن كثير: «الصغار اللائى لم يبلغن سن الحيض» (8/149), وهذا فهم خاطئ وسقيم لا يتفق مع الآية لغة ولا سياقا, فالبنات الصغار لا تنادين بالنساء فى صحيح لسان العرب, والقرآن هو اللسان العربى المبين.
ثانيا:
أما الدليل الثانى على عوار فهم السلف للآية، فهو توجيه المقصد الحكمى, فالآية كما بينا عُنيت بتحديد كيفية استبراء رحم المطلقة، وذلك وقاية من خلط الأنساب, واستبراء الرحم إنما يتطلب بلا أدنى شك أن تكون المرأة من المدخول بهن، وليس المعقود عليهن فقط, فهل يتصور شرعا وعقلا أن يدخل الزوج بالبنت الصغيرة، التى لم تبلغ الحيض ولا تصلح للمعاشرة الجنسية من الأصل, ولكن الفقهاء والمفسرين واستكمالا للفهم السقيم، زعموا أن الشرع لم يحدد سنا معينة للزواج أو للدخول بالبنات الصغيرات, وهذا كذب باطل وزور فاضح, بل قد حدد رب العزة بذاته سنا للزواج والنكاح فى نص صريح، لا يحتمل التأويل بقوله تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا» النساء 6.
فما معنى قول الله تعالى «بلغوا النكاح»، إلا أن للنكاح سنا يحدث فيها التأهيل الجسمى والصحى والعقلى لتحمل أعباء الزواج, ومن عجب أن جميع المفسرين أنفسهم فسروا «بلغوا النكاح» بالبلوغ الجنسى, فقال ابن كثير: يعنى: «الحُلُم» (2/215), وقال القرطبى: «أى الحلم» (5/34), إذن وكما يعلم العقلاء أن القرآن وحدة واحدة لا يتجزأ، ولا يستنبط منه الحكم إلا بالنظر فيه كافة, كما أن القرآن باليقين، لا يحمل تناقضا بين آياته الحكيمات, فكيف نفهم قول الله «بلغوا النكاح»، ثم يقول المفسرون والفقهاء إن الشرع لم يحدد سنا معينة للزواج, وكيف تغافل الفقهاء عن هذه الآية وهم يزعمون أن الصغيرة تتزوج ويدخل بها قبل البلوغ, بل الحق أنه لا يمكن تصور أن البنات الصغيرات يتزوجن ويدخل بهن الرجال، استنباطا من قول الله «لم يحضن», لأننا لو قلنا ذلك لتركنا عن عمد قول الله سبحانه: «بلغوا النكاح»، وتحديده لأهلية ذلك بالسن الملائمة جسدا وعقلا للزواج، وهو المعنى الصريح من آية «بلغوا النكاح», فكيف يمكن أن يقول الله ذلك ثم نقول إن جملة «لم يحضن» فى آية سورة الطلاق مقصود بها الصغيرات, فهذا اتهام للقرآن بالتناقض, حيث إن رب العزة حدد شرعا أن للزواج والدخول سنا مشروطة, وذلك ما يبطل دعواهم الفاسدة والمفسدة فى تفسير آية «لم يحضن»، بأنهن البنات الصغيرات, ويوجهنا بالضرورة شرعا ولغة وسياقا لاستفهام معنى الآية على الوجه الصحيح والمقبول, لأننا بين خيارين، فإما أن نأخذ بصريح قوله تعالى فى الآية: «حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ», أو نترك قوله تعالى لنأخذ بسقيم فهم المفسرين لآية «وَاللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ».
ثالثا:
ومما يؤكد فساد التفسير لآية «اللائى لم يحضن»، بأنها تعنى تزويج الصغيرة والدخول بها قبل سن الحيض, ما علمناه باليقين العلمى وما علمته العرب جيدا آنذاك, وهو استحالة حدوث الحمل للفتاة ما لم تكن قد حاضت, فكيف يطلب الله -على زعم تفسيرهم للآية - استبراء رحم الصغيرة، التى لم تحض من الحمل, وهو يعلم بعلمه المحيط باستحالة حدوث الحمل لمن لم تحض, فلو صدقنا زعمهم لكان ذلك تجديفا وخرفا فى حق الذات الإلهية, ألا يعلم الله من خلق؟ فكيف ينزل الله حكما لا يمكن تصور حدوثه فى الواقع, وهذا ما يؤكد باليقين أن المعنى المراد من نص آية: «اللائى لم يحضن»، ليس على الإطلاق ما ذهب إليه الفهم التراثى، من دليل على جواز تزويج البنات الصغيرات قبل البلوغ.
رابعا:
كما أن للزواج شرعا وقضاء أهدافا أساسية, فالعقلاء يتزوجون فى العموم لثلاثة أسباب, أولا قضاء الشهوة فى الحلال، وثانيا طلب الولد من البنين والبنات, وثالثا الإيناس والسكن, فأى من هذه الأهداف تتحقق إذا قلنا بزعمهم أن الطفلة الصغيرة قبل البلوغ يدخل بها الرجل, فلو كان لقضاء الشهوة من الصغيرة، لكانت تلك عملية اغتصاب مكتملة الأركان ولكان الزوج مريضا يحتاج للعلاج الفورى من مرض اشتهاء الصغار, ولو كان الزواج طلبا للأبناء، لكان ذلك ممتنعا أيضا لاستحالة التحصل على الأبناء من الصغيرة، لاستحالة حملها قبل البلوغ, ولو كان للإيناس والسكن إلى الزوجة، لكان ذلك أيضا ممتنعا، لعدم نضوج العقل والإدراك للزوجة الطفلة, فما فائدة زواج كهذا شرعا أو حتى ذوقا إلا فى عرف المرضى بالهوس الجنسى، ومحبى اغتصاب الأطفال, وذلك ما يؤيد كل الأدلة الشرعية واللغوية والسياقية والاجتماعية التى تقودنا بالضرورة، لأن المعنى الصحيح المراد من قول الله: «واللائى لم يحضن» بخلاف ما قال به الفقهاء.
خامسا:
أما المؤسف أن الفقهاء اعتبروا من قال بإمهال زواج الصغيرة، حتى تبلغ مصداقا لقول الله «بلغوا النكاح» وهو الفقيه«ابن شبرمة»، اعتبروه رأيا شاذا خارجا عن الإجماع, وسبحان الله فى قوم كهؤلاء. ثم بالنظر لما أجمع عليه المفسرون والفقهاء وأهل الحديث, نجدهم قد اضطربوا اضطرابا شديدا ومخجلا فى استنباط الحكم المزعوم من الآية, ولننظر جيدا للتضارب فى الأقوال بين المفسرين, فيقول الطبرى: «وكذلك عدة اللائى لم يحضن من الجوارى لصغرهن، إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول» (14/142), ومثله ابن كثير (4/402)، ثم تجدهم فى آية »بلغوا النكاح« يقول ابن كثير:« يعنى: الحُلُم« (2/215), والقرطبى:« أى الحلم« (5/34), فتارة يقرون بأن شرط بلوغ الحلم-البلوغ الجنسى- هو معنى قول الله «بلغوا النكاح», وتارة ينسون هذه الآية ويتغافلون عنها, ويجمعون على أن الصغيرة تتزوج ويُدخل بها قبل البلوغ فى تفسيرهم لآية «لم يحضن», ثم يضربون الذكر صفحا عن مقارنة المعنى فى الآيتين لاستفهام المراد الإلهى، فكيف يكون بلوغ الحلم شرط النكاح, ثم يقولون إن الصغيرة تنكح قبل البلوغ، وإن لها عدة فى طلاقها وهذا اضطراب مخجل يظهر قلة الروية، والتوقف فى تفسير الكتاب العزيز.
أما الفقهاء فكان اضطرابهم أشد وأفدح فقد أجمعوا على أن آية «لم يحضن» هى الدليل على جواز تزويج الصغيرة, فيقول ابن عبد البر: «أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها» الاستذكار (16/49-50), وقال ابن تيمية: «إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها» مجموع الفتاوى (32/39-40)، وقال ابن حجر: «والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقاً إلا من شذ» الفتح (9/239), ويقول الشوكانى: «ولو كانت فى المهد، لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء» نيل الأوطار (6/252), وأساس الاضطراب هو شرطهم فى وقت الدخول بالصغيرة, فقد قال فريق عندما تطيق الجماع - المعاشرة الجنسية - وقال آخرون عند تمام سن التاسعة بلغت أو لم تبلغ, وقال فريق ثالث بل يؤجل الدخول بعد الحيض, ولكنهم أجمعوا على جواز العقد على الصغيرة ولو فى الرضاع وجواز الدخول بها قبل البلوغ.
وهنا نستوضح الاضطراب، فلو كان استنادهم لفهم الآية على زعمهم صريحا، لكان اشتراطهم تحمل الصغيرة الوطء المعاشرة - أو شرط بلوغ سن التاسعة شرطا فاسدا، ليس فى كتاب الله, فكيف يقولون إن الآية دليل على جواز الدخول بالصغيرة قبل البلوغ, ثم يختلقون شروطا لم تذكرها الآية, فلو كان مقصد آية «لم يحضن»، كما يزعمون، لكان الدخول بالصغيرة كزوجة حلالا فى أى سن، لأن الآية لم تحدد، ولكان حلالا أن يدخل بها وهى مازالت فى مرحلة الرضاعة, ولو كان استنباط شرطهم عن تحمل الوطء نابعا من الآية الأخرى «بلغوا النكاح»، لكن ظاهر نص الآية الثانية قيدا عليهم فى الامتثال لأمرها فى عدم جواز الدخول بالصغيرة، إلا بعد بلوغها الجنسى والعقلى.
ثم لو نظرنا لشروطهم فهناك عدة أسئلة حولها, من الذى يحدد تحمل الصغيرة للوطء - المعاشرة - فإذا كان بسؤالها، فهذا باطل لأنها لاتعرف معنى الوطء ولا معنى تحمله, وإن كان بالنظر لجسمها لأصبح ذلك تعديا حيث أخذنا الأمر بالظن فقط ولعلها لا تطيق, أما شرطهم الثانى وهو بلوغ سن التاسعة، فهذا أيضا ظلم حيث يختلف النمو الجسمى من بنت لأخرى، طالما أنهن جميعا لم يبلغن الحلم, ثم نفترض أنها كانت ذات جسم يفوق سنها فهل يكون ذلك مسوغا للمعاشرة الزوجية, ولو أخذنا بشرط الفريق الثالث وهو الحيض لكان ذلك تكذيبا لإجماعهم المزعوم, وتصديقا لنص آية «بلغوا النكاح», والحقيقة أن كل هذه الآراء فاسدة لأنها حددت شروطا بغير علم, وتركت الشرط الوحيد الصالح للتنفيذ وهو البلوغ الحقيقى ليس الجسمى فقط بل والعقلى, وذلك البلوغ هو العلامة التى يؤتيها الله بتقديره مصداقا لقوله «حتى إذا بلغوا النكاح» وهذا ما يؤكد أن المعنى المراد من آية «اللائى لم يحضن» ليس كما زعموا فى إجماعهم.
أما اضطراب المحدثين فيكفى لبيانه صنيع البخارى فى استنباطه من حديث زواج النبى بالسيدة عائشة فى سن التاسعة - هذا بافتراض حدوثه - فقد اضطرب البخارى بشكل غريب فى استنباط الحكم فى الباب, فقد أخرج البخارى الحديث فى باب «إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَارَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالى «وَاللائِى لَمْ يَحِضْنَ»، فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ البُلُوغِ» وهنا نجد أن البخارى استشهد بالآية الشهيرة «لم يحضن» على زواج السيدة عائشة من النبى, وهذا استدلال خاطئ وفاسد, وإنما اضطرب البخارى لأنه استدل بحديث لا علاقة له بتفسير الآية, فلو قلنا إن النبى تزوج السيدة عائشة قبل البلوغ، لما كان هناك فائدة من الانتظار ثلاث سنوات بين العقد والدخول, ولو قلنا إن النبى، كما ذكروا فى رواياتهم، دخل بأم المؤمنين عائشة بعد سن البلوغ، لكان استدلال البخارى بزواج النبى على فهم آية «لم يحضن» هو استدلال خاطئ وفاسد، وهذا هو الحق, لأن الآية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بزواج النبى من السيدة عائشة, ولو قال بعضهم إن البخارى لم يقصد الاستشهاد هنا بالنكاح قبل البلوغ بل بالعقد فقط, نقول: فلم استشهد بالآية الخاصة بعدة الصغيرة التى لم تحض، ما معناه إتمام الدخول بها, وهو ما يبين أن مقصد البخارى كان النكاح وليس العقد.
سادسا:
ثم نأتى للدليل الصحيح الصريح من السنة النبوية, فمعلوم أن كل العقود فى الإسلام هى عقود رضائية - تقوم على الرضا بين الطرفين - وعقد الزواج هو أهم العقود التى تتطلب الرضا, لذا فقد حدد النبى فى حديث لا يقبل التأويل أخرجه البخارى: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتى تُسْتَأْذَنَ، قَالُواْ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا، قَالَ أَنْ تَسْكُتَ» (5136-6970), وهذا الحديث صريح فى أخذ موافقة البكر فى زواجها، والموافقة هنا تستتبع النضج العقلى لإنجاز واعتبار هذه الموافقة, لذا فإنه لا يُتصور أن تُسأل الصغيرة قبل البلوغ عن رضاها, وقد حصر النبى فى الحديث الأمر فى نوعين من النساء المرغوبات للزواج بلا ثالث لهما، فإما هى ثيب سبق لها الزواج, وإما هى بكر, ومعنى هذا أن البكر العاقلة هى التى تستأمر، ولا يمكن تصور أن النبى استثنى البنت الصغيرة التى لم تبلغ، على اعتبار أنها لا خيار لها فى الزواج، وأنه لأبيها أن يزوجها كما استنتج كل الفقهاء والمحدثين بفهم خاطئ, فنجد الشوكانى: «والمراد بالبكر التى أمر الشارع باستئذانها أنها هى البالغة، إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة، فإنها لا تدرى ما الإذن» نيل الأوطار (6/122).
وهنا يجب التوقف مع ما فعله الفقهاء فى مواجهة نص صريح من النبى، فيقول الشوكانى كما سبق، إن الإذن للبالغة فلا معنى لاستئذان الصغيرة, والمراد من كلامه أن الصغيرة لم تذكر فى الحديث، ليس لاستحالة زواجها، ولكن لاستحالة استئذانها, وهذا عكس الحقيقة، بل الحق أن عدم ذكر الصغيرة فى الحديث، لاستحالة تصور زواجها ولاستحالة تصور استئذانها, فالعقلاء يقولون إن البنت مادامت لم نتمكن من استئذانها لصغرها، وعدم إدراكها العقلى، فذلك يستحيل معه تصور زواجها والدخول بها, فالمعنى المراد من حديث النبى هو إرساء مبدأ عام وهو عدم قهر البنت فى تزويحها بكرا كانت أم ثيبا - سبق لها الزواج - وعدم إنفاذ العقود فى أنفسهن إلا بالرضا, فكيف نخالف روح النص ومنطقه ولغته ونقول إنه يختص فقط بالفتاة الناضجة البكر، أما الصغيرة فلا إذن لها من الأصل, فهل يقول عاقل أن نزوج الصغيرة بلا إذن لأنها تصلح كآلة جنسية، ولا تصلح كإنسان يستأمر فى أمره, ولكن الحل عند الفقهاء، كان أن يُستخدم الجزء السفلى من الصغيرة للمتعة ، حتى يأذن الله بنضوج الجزء العلوى منها وهوالعقل, ووالله لا يقول بهذا إلا المرضى وأصحاب العقول الذاهبة. وبذلك ارتكبوا خطأ مركبا، فقد أجازوا الزواج بلا خيار للبنت الصغيرة ابتناء على فهم خاطئ للحديث, ثم أجازوا الدخول بها قبل البلوغ ابتناء على فهم خاطئ للآية, وسبحان الله فى فقه سقيم وعليل كهذا.
وهذا الاستنتاج إنما هو كالعادة خاطئ بالكلية, فعدم ورود الصغيرة واستئمارها فى حديث النبى، لا يعنى أنها لا تستأمر وتزوج بغير إرادتها, بل يعنى أن النبى لم يأت على ذكر استئذان الصغيرة التى لا تعى القبول من الرفض، لكونها ليس من المتصور زواجها امتثالا لقول الله: «حتى إذا بلغوا النكاح», لأن انتفاء الإرادة عند الصغيرة ليس داعيا لتزويجها من غير إرادتها، كما ادعى هؤلاء, ولكن انتفاء الإرادة العقلية للصغيرة إنما هو انتفاء بالضرورة لإمكانية الزواج بها من الأصل, هذا هو الحق فى الحديث بخلاف ما استنبطه الجهابذة الذين ضربوا الآية بالحديث وفسروا الحديث بالآية فى تدليس واضح، فلا الآية هذا معناها ولا الحديث ذلك مقصده.
إذن:
إذن فالمعنى الطبيعى للآية بعد أن فندنا الأدلة، هو بعيد كل البعد عما قاله السلف, فالآية ببساطة تتحدث عن ثلاثة أنواع من عدة النساء الناضجات, فالأولى اليائسة من المحيض - التى انقطع عنها الحيض - فتنتظر ثلاثة أشهر استبراء لرحمها, والثانية هى امرأة ناضجة أيضا ظهرت عليها كل علامات البلوغ الجسمى والسنى، ثم تزوجت ولكنها لم يأتها الحيض من قبل، وهى حالة معروفة عند العرب وحالة معروفة كذلك عند الأطباء، فكانت الآية تجيب عن كيفية احتسابها العدة, فألحقتها بحكم التى انقطع عنها الحيض, ثم الثالثة وهى الحامل وعدتها وضع الحمل, فالآية تتحدث عن ثلاث نساء ناضجات، دخل بهن أزواجهن ولا تتحدث عن اغتصاب للأطفال، فما ذلك ظننا برب العالمين, ولم أجد من المفسرين من قال بهذا المعنى إلا فى تفسير «السعدى»، المسمى «تفسير الكريم» فيقول تفسيرا لآية «لم يحضن»: «الصغار، اللائى لم يأتهن الحيض بعد، أو البالغات اللاتى لم يأتهن حيض بالكلية» ( 1/870), ورغم إنه وضع التفسير القديم أولا، ثم قال «أو» ولكن يحمد له أن تبادر إلى ذهنه المعنى الصحيح لفهم الآية.
وأخيرا:
فكل الأدلة الصريحة من القرآن، والسنة، واللغة، والسياق الخطابى فى الآية، وفعل النبى نفسه فى ابنته السيدة فاطمة، حيث تزوجت فى سن العشرين, واضطراب الفقهاء والمفسرين فى حكمهم السقيم, كل هذه الأدلة مع صراحتها ووضوحها، إنما تبين أن الحكم السقيم الذى أجمع عليه السلف بجواز تزويج الصغيرة والدخول بها والذى مازلنا للأسف نتكلم عن صحته، إنما هو حكم يخالف الشرع والعقل والعلم, ولا يعنينا إجماع السلف فإجماعهم يخصهم ولا يخصنا.
فنحن نريد أن نقدم الإسلام بصورته الحقيقية السمحة والرفيقة, وكفانا خجلا أن نقرأ تقارير اليونيسيف عن الأضرار التى أقرها العقلاء من أضرار الانتهاك الجنسى للبنات الصغيرات بالزواج المبكر, وكفانا عارا أن نطلع على الاتفاقات الدولية لحقوق الطفل، لنعرف أى إسلام نقدم للآخر, الإسلام الذى كان بالفعل سابقا فى إقرار هذه الحقوق ولكن قبل عصور الفقهاء, فكفانا تقديما للإسلام ببصمة التخلف الوراثى التى اعتلت وجهه العقلانى, فهذه الفتاوى إنما هى تأصيل فقهى لعملية اغتصاب أطفال، مكتملة البناء والأركان.
ومن عجب أننا نجد أزلام الوهابية فى مصر يكررون فتاوى الاغتصاب الشرعى وزواج الصغيرات ليل نهار فى فضائياتهم بلا حسيب ولا رقيب, حتى أوهموا الناس أن ذلك شرع الله، وأنه لا طاعة للقانون فى معصية الخالق, والحق أن ذلك ليس من شرع الله كما بينا, ولكنه شرع أربابهم البدو، الذين يرزقونهم من فوق سبع براميل.
إسلام بحيرى
الفقهاء المغرضون زعموا أن الشرع لم يحدد سنا معينة لزواج البنات الصغيرات.. وهذا كذب وافتراء
زواج الصغيرات فى شرع الفقهاء
الخميس، 22 يناير 2009 11:26 م
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
بدون
سوال اذكر لي حوادث في التاريخ بسبب هذا الموضوع او اجبار علي زواج طفلة
عدد الردود 0
بواسطة:
Moh
زواج الصغيرة
ما ورد في سورة الناء حدد شزطين للزواج البلوغ والرشد وهما أيضا شرط لدفع الامموال. ولايصح أن نتجاوز أوامر الله. ماجاء بسورة الظلاق واللائي لم يحضن يعني وجود سبب لمنع الحيض كأن تحمل المرأة اثناء الرضاعة أو تمرض بمرض يمنع الحيض أو تكون لديها مشاكل وراثية أن ماجاء بالتفاسير هو إمتاع الذكرر بأي شكل ولو بالميل عن الحق زواج السيدة عائشة لو صحت الأحاديث المروية فهو حالة خاصة قال تعالى قد احللنا لك أزواجك. فهذا من شأن الله وخاص بالرسول ص وليس لغيره ولاينطبق على الغير ثم حرم عليه أي زواج آخر لو حملت طفلة صغيرة لم تحض وهذا وارد راجع شبكة الانترنت لأصغر أم فهي عرضة لمخاطر كثيرة وقد تموت وإذا نجت ستعجز عن رعاية الوليد تقرأ الفاتحة كل يوم في الصلاة وقط تكرر ذكر الرحمة 4 أربع مرات فهل هناك رحمة فيزواج الصغيرة أم أنه نخالف للثرآن لقد تجاوز المفسرون اإلى الثبول بزواج الرضيعة فكيف ذلك