يمكن لكل الأطراف أن تتفق أو تختلف حول الدور المصرى فى المشهد المرتبك خلال الحرب، لكن لا يمكن بأى حال إنكار قوة المؤتمر الدولى الذى انعقد تحت رعاية الرئيس فى شرم الشيخ، التزام الموضوعية يفرض علينا تقدير هذا المؤتمر بشكله وطريقة انعقاده ونتائجه لصالح أهل غزة، والحقيقة تقدير الجهد المصرى فى هذا السياق، رغم خطورة التراشق العربى.
انتهى العدوان الإسرائيلى على غزة, وانتهى معه الجدل الصاخب الذى حاول التشويش على أداء الإدارة المصرية فى الأزمة، لكن مع انتهاء غبار المعارك وضح كيف أن تحركات القاهرة منذ البداية كانت الأكثر ثقلا ووعيا وخبرة بإدارة الأزمات, وإدراكا لأبعادها، وما قد ينتج عنها من مكاسب، والعمل على احتواء ما تنجم عنها من خسائر، ببساطة لأنها الدولة الأعرق فى المنطقة دبلوماسيا وحضاريا، والأكثر خبرة بمعادلات الصراع الإقليمى والدولى، ومن ثم استطاعت هى فى النهاية أن توقف العدوان، وتتم محاصرة تبعاته، بل استطاعت الإدارة المصرية أن تجمع فى شرم الشيخ الكثير من الرؤساء لدول كبرى حتى يمكن إعمار القطاع الذى احترق.
لا ينفى ذلك, أن الأداء الدبلوماسى المصرى شهد تخبطا فى بداية الأزمة, وكان متقوقعا إلى حد ما, فأخفق فى إيصال رسالة مصر كما ينبغى، واختلفنا مع أداء هنا وهناك.. ولكن فى الإجمال كانت التحركات عاقلة وتحافظ بجدية على الأمن القومى المصرى، وتسعى بكل جهدها لوقف آلة الحرب الجهنمية، ومحاولة لملمة الشقاق الفلسطينى الذى تنفذ من خلاله كل محاولات الهدم، ليس للقضية الفلسطينية فقط، ولكن للأمن القومى فى المنطقة.
كانت الضغوط الداخلية والخارجية عنيفة على الرئيس مبارك وإدارته، ولكنها رغم كل شىء لم تستجب لمحاولات صغيرة هنا وهناك، وتتفرغ للتراشقات أو تتورط فى منافسات صغيرة تفسد القضية الأساسية، لم تنس طوال الوقت أن الهدف هو الحفاظ على أمن الدولة المصرية وحماية الفلسطينيين، فقد كانت هناك جهود من أطراف أخرى، ليس لها مصلحة مباشرة فى وقف الحرب، ولكن مصلحتها الأكبر فى الاستثمار السياسى والإعلامى لدماء الأطفال والنساء والشيوخ.
كما تحملت الإدارة المصرية بصبر الكثير من المهاترات، بل تحملت ارتباكات حماس أحيانا، وفى أحيان أخرى تراجعها.. إلى أن تحقق الهدف الأكبر وهو وقف المجزرة، ثم ألقت مصر بثقلها الدولى لتصنع تحالفات فورية لصالح الشعب الفلسطينى الذى نسيته كل الأطراف حتى تحقق مشاريعها الصغيرة.. أو بمعنى أدق تستثمر معاناته لتحقيق مشاريعها الصغيرة، والآن ربما تدرك كل الأطراف أنه من المستحيل أن تستقر المنطقة إلا عبر البوابة المصرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة