أحمد عبدالمعطى حجازى

العالم ملطخ بالدم.. والفاعل اثنان!

الخميس، 22 يناير 2009 11:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حماس هى أيضا محتاجة، بدورها لإسرائيل لأنها لا تستطيع أن تبرر خروجها على السلطة الفلسطينية الأم وانفرادها بالحكم فى قطاع غزة إلا بأن تظهر بمظهر المقاوم.

لا أستطيع أن أدافع عن سياسة حماس، ولا أبرئها مما تفعله بنا هذه الرحى الجهنمية الدائرة فى غزة، تطحن فلسطين وأهلها، تطحن أجسادهم وتسفك دماءهم أفرادا وجماعات، رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، مدنا وقرى، أرضا وسماء، وبرا وبحرا.

العالم كله ملطخ بدماء الفلسطينيين، والعالم كله يرى ويشهد، والفاعل فىالحقيقة اثنان لا واحد إسرائيل بالطبع، وهذا واضح، وحماس، وتلك هىالمفارقة. إسرائيل صاحبة المصلحة الأولى فى إبادة الشعب الفلسطينى وحماس هى أداتها، وإن لم تكن تدرى! إسرائيل كيان عدوانى بطبيعته، أى بالشروط التى وجد بها، وبالشروط التى يواصل بها وجوده، فإسرائيل كانت مضطرة لكى توجد لأن تعتدى على غيرها وتغتصب حقه. وهى لكى تحرس هذا الوجود العدوانى مضطرة لمواصلة العدوان، غير أنها وقد أصبحت عضوا فى مجتمع دولى يستنكر الحرب، ويتحدث عن حقوق أعضائه وواجباتهم محتاجة لذريعة تواصل بها عدوانها.

لقد اغتصبت معظم فلسطين، اغتصبت معظم الجسد الفلسطينى، لكنها لم تغتصب الرأس بعد، ورأس فلسطين هو شعب فلسطين، الذى لايزال متشبثا بالبقية الباقية من وطنه، هذه البقية الباقية تزحف عليها إسرائيل بطريقتين، مستوطنات جديدة تبنيها فى أيام الهدنة، تمزق بها الانتماء، وتطوق المدن، وتقطع الطرق، وتجعل حياة الفلسطينيين فيها مستحيلة، وحروب تشنها بين الحين والحين وتفتح بها الطريق لاحتلال جديد واغتصاب جديد، وهنا تحتاج لذريعة تمنحها الفرصة لكى تظهر أمام مجتمع دولى لا يخلو من نفاق بمظهر المدافع عن نفسه، هذا هو الدور الذى تؤديه حماس ولو لم تكن تدرى! حماس هى أيضا محتاجة، بدورها لإسرائيل لأنها لا تستطيع أن تبرر خروجها على السلطة الفلسطينية الأم وانفرادها بالحكم فى قطاع غزة إلا بأن تظهر بمظهر المقاوم الذى يحمل السلاح فى الزمن الذى ألقى فيه العرب أسلحتهم. وحماس تؤدى هذا الدور، دور المقاومة المسلحة بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن قوى أخرى فى المنطقة.

لا تستطيع أن تبرر وجودها الذى يفتقر للشرعية لأنه طغيان سافر، ولأنه عودة للوراء إلا بمواجهة إسرائيل ومقاومتها، ولأن هذه القوى الأخرى عاجزة عن أن تقوم بهذه المواجهة بنفسها، فهى تدفع حماس أملا فى أن يؤدى اندفاع حماس لاندفاع الآخرين أو توريطهم كما حدث دائما فى الحروب العربية الإسرائيلية التى لم يخضها العرب إلا متورطين غير مستعدين، لأن الذين كانوا يلقون بالبلاد فى أتونها لم يكونوا مسئولين يعملون من خلال مؤسسات شرعية تناقش وتحاسب وتزن الأمور وتقدر النتائج، ولكنهم كانوا طغاة مغامرين يعملون بواسطة أجهزة دعاية تثير وتحرض وتطلق فى الأمة غرائز الغوغاء، وأجهزة أمن تأتمر بأمر النظام الذى تعمل فى خدمته، وتسهر على أمنه هو لا أمن الوطن، فبوسعها وبوسع الذين يستخدمونها أن يورطوا البلاد فى حرب لم يستعدوا لها، كما حدث فى معظم معاركنا السابقة مع الإسرائيليين، تلك المعارك التى حاربت فيها الأناشيد بدلا من الجنود، كما يقول أمل دنقل فى قصيدته عن المتنبى. وأنا رأيت كل ما تحدثت عنه، وخدعتنى الخطب والشعارات والأغانى سنين عددا، كما خدعت السيرنيات الساحرات بحارة أوليس بغنائهن الجميل ودفعن بهم للهلاك.

لكنى أفقت لأرى أنما حدث بالأمس مرات هو ما يحدث اليوم، وإن اختلفت الشروط واختلف الأبطال الذين كانوا قادرين بالأمس على إثارة حماستنا، ولم يعودوا اليوم إلا جماعات من الكومبارس النكرات أو الأراجوزات التى تحركها بعض النظم الحاكمة فى المنطقة، فتتحرك بوعى منها، وتحركها إسرائيل أو تستدرجها للفخ الذى نصبته لها فتسقط فيه دون وعى، وهكذا تحقق الأطراف الثلاثة ما تسعى إليه، النظم الديكتاتورية الحاكمة فى العواصم العربية والإسلامية تناصب إسرائيل، وإذن فمن حقها أن تحكم بالحديد والنار، لأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة. وإسرائيل تواصل حرب الإبادة التى أعلنتها على الفلسطينيين منذ ظهرت للوجود، لأنها تدافع عن نفسها ضد من يناصبونها العداء، وحماس تبرر وجودها بأن تسوق الآلاف من الفلسطينيين إلى الموت، فليس أفضل للفلسطينيين من أن يكونوا شهداء.

لهذا لا أستطيع أن أدافع عن سياسة حماس، ولا أن أبرئها من تبعة ما يقع الآن فى فلسطين، وفى المنطقة، دماء الفلسطينيين تخضب أيدى الإسرائيليين كما تخضب أيدى قادة حماس. والعرب جميعا يقتلهم الشعور بالقهر لأنهم عاجزون عن الفعل، عاجزون عن نجدة إخوتهم، بل عاجزون حتى عن أن ينطقوا بحقيقة ما يحسونه ويشعرون به. إنه شعور ساحق بالهوان واليأس من الوصول إلى حل، والخوف من أن تتبدد كل الطاقات وتضيع كل الفرص.

هذه الدراما السوداء التى نجد فيها أنفسنا لا أبرئ منها حماس، ولا من يحرضون حماس ويقفون وراءها، لكن الفاعل الأصلى هو إسرائيل. إسرائيل التى تتذرع بأن حماس تقذفها بالصواريخ هى الفعل الأول الذى كان لابد أن يؤدى إلى ردود الفعل التى أصبحت ذرائع تنتظرها إسرائيل لتشن حربها الدائمة على الفلسطينيين وعلى أشقاء الفلسطينيين.

وحماس ليست مجرد رد فعل للعدوان الإسرائيلى، ولكنها رد فعل يتفق مع الفعل، وإن لم يكن مساويا له، فكما استمدت إسرائيل وجودها من تفسيرها السياسى للتوراة، تستمد حماس وجودها من تفسيرها السياسى للقرآن، وسعيها لتحويل الدين إلى دولة، وهكذا تنتمى حماس لإسرائيل أكثر مما تنتمى لفلسطين، لأن التطرف الدينى لا يحرر فلسطين ولا يخدمها، وإنما يحررها الكفاح الوطنى الذى ينخرط فيه كل الفلسطينيين على اختلاف عقائدهم، المسلمون والمسيحيون، والدروز، واليهود الذين يقبلون الحياة مع غيرهم على أساس من الانتماء المشترك لفلسطين.

تستطيع إسرائيل أن تخدع الأوروبيين، لأن اليهود الذين استعمروافلسطين تحت راية الصهيونية لم يكونوا إلا إفرازا من إفرازات الاستعمار الغربى لبلادنا ولغيرها من بلاد آسيا وأفريقيا، ثم لأن الأوروبيين لهم مصلحة فى أن يستسلموا لخديعة إسرائيل التى تضع العرب فى قفص الاتهام، بدلاً من النازيين والفاشيين الذين اضطهدوا اليهود وحالوا بينهم وبين الاندماج فى المجتمعات الأوروبية، فظهر المشروع الصهيونى الذى نادى باستعمار فلسطين تحت راية النبوءة التوراتية التى تتحدث عن أرض الميعاد.

الخديعة الإسرائيلية تنطلى على الأوروبيين والأمريكيين الذين صنعوا مع الهنود الحمر ما صنعه الإسرائيليون مع الفلسطينيين، لأن هذه الخديعة تجعل الضحايا جناة، وتبرئ الجناة الحقيقيين لقاء ما يقدمونه لإسرائيل من دعم تتمكن من إتمام جريمتها، أما نحن فالخديعة الإسرائيلية لا تنطلى علينا، ولابد أن تفقد فى المستقبل نفوذها حتى فى الغرب، لأن الخطر الذى تمثله إسرائيل لا ينحصر فى بلد أو إقليم، وإنما هو خطر يهدد العالم كله.

نعلم بالطبع أن حماس لديها بعض الصواريخ البدائية، وأنها تطلق هذه الصواريخ على ما يجاور غزة من قرى ومستوطنات إسرائيلية فتصيب شظاياها بعض الإسرائيليين، هل يكون هذا مبررا لهدم غزة وما حولها من مدن وقرى على رؤوس أهلها؟ وإذا كانت إسرائيل تريد أن تحمى نفسها من صواريخ حماس، ماذا فعلت لتحل السلام محل الحرب، وتعوض الفلسطينيين ولو بالقليل عن الكثير الذى فقدوه؟
لكن إسرائيل لا تريد حلا، ولا تسعى لحل، وإنما تريد ذريعة جديدة تواصل بها حرب الإبادة التى تشنها على الفلسطينيين، ونحن لن نمكنها من ذلك، والعالم لن يمكنها أيضا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة