جمال البنا يدلى بأسراره

أبى لم يهتم بكون أخى مرشدا عاما للإخوان المسلمين ولم يدخل مركز الجماعة إلا مرات معدودة

الخميس، 22 يناير 2009 11:31 م
أبى لم يهتم  بكون أخى مرشدا عاما  للإخوان المسلمين  ولم يدخل مركز الجماعة إلا مرات معدودة جمال البنا يدلى بأسراره لليوم السابع
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄حينما أتى عبد الرحمن البنا إلى القاهرة سنة 24 لم يفكر فى شراء بيت.. واشترى مقبرة
◄ قال لى الإمام حسن بعد أن توسط لى وأخرجنى من السجن: أنت تكدح فى أرض صخرية صلدة ونحن لدينا حدائق تثمر أشجارها فواكه فرددت: فواكه الإخوان ليست هى الثمار التى أريدها

بدأ جمال البنا حلقته الأولى متحدثا عن ظروف نشأته فى أسرة محافظة وبسيطة، ولكنها فى الوقت ذاته تتميز بعلو الهمة والإرادة، فألف أبوه كتابا فى تصنيف علم الحديث، وفعل أخوه «الإمام حسن البنا» ما عجزت عن إبادته الحكومات المتعاقبة، وشرح كيف أعاد أخوه المنهج الإسلامى إلى الحياة المعاصرة بعد أن كان مختفيا عن الساحة السياسية، فغرس الإسلام فى صدارة المجتمع، وأوجد من شباب الجامعة من يخطب ارتجالاً فلا يتلعثم ولا يخطئ فى شعر أو آية، فى الوقت الذى كان أئمة المساجد يصعدون إلى المنابر وفى أيديهم سيوف من خشب، وورق أصفر يتلون منه خطبهم، وفى وصفه للعصر الذى شهد شبابه قال إنه عاش فى الزمن الذى كانت الخمور تباع فيه فى محال «البقالة» كما كانت الدعارة مرخصة ومسموحاً بها تحت إشراف الدولة، وشرح المفكر جمال البنا كيف كان أبوه مستنيرا ومطلعا، فكان يحتفظ بفصول الروايات التى تنشرها «الأهرام» على حلقات ثم يقوم بتجميعها وتجليدها، وفى هذه الحلقة يلقى «البنا» الضوء على علاقته بأبيه وأخيه، ساردا تفاصيلهم الأسرية الحميمة، وما أفيد به من أبيه وأخيه، وكيف أثرا فى فكره وأسهما فى تشكيل وعيه.

ويمكن إجمال تأثير الشيخ الوالد على ابنه جمال فى:
أولا: قد يُظَن أن الشيخ (أحمد) البنا كان سلفيًا بالمعنى العام، ولكنه لم يكن كذلك، ولم يؤمن بالتقليد وضرورة اتباع أحد المذاهب الأربعة، كان «سُـنيًا» يعمل فوق مستوى المذهبية ويريد العودة إلى فقه السُـنة، وليس فقه المذاهب، من هنا كان فيما عمله قد أحدث قدرا من التجديد.

ثانيا: كانت عصامية الشيخ مصدر إلهام داخلى تلاقى مع هذا العنصر فى حياة جمال البنا وشجعه على إطراح التعليم الجامعى ورفض السير فى التيار البورجوازى المقرر، فها هو ذا، رجل لم يدخل الأزهر، ومع هذا أدى للإسلام ما عجز عنه الأئمة الأعلام لمدة ألف عام، وكان من أكبر عوامل الاتفاق أن الشيخ -رحمه الله- كان «كاتبًا»، أى أن مجال بطولته وكفاحه ورسالته كانت الكلمة المطبوعة، وليس التنظيم ولا التنظير، وكان جمال البنا يتوق إلى أن يكون كاتبًا، وأن يجعل من الكلمة المكتوبة أداة كفاحه ودعوته، وشجعته حياة الوالد على انتهاج هذا السبيل، ومن ثم فإن أثره فى هذه الناحية يفوق أثر شقيقه الأكبر عليه، ولكن تخصص جمال البنا فى الكتابة وتضلعه منها كان على حساب مقدرته كخطيب أو محاور تليفزيونى، لأنه لم يؤت الحفظ، والبداهة، والقبول، والدراية، ولذلك كانت مقابلاته التليفزيونية أدنى بكثير من كتاباته، ومن يحب أن يرى جمال البنا على أحسنه فإنه يشاهده عبر سطور كتاباته مثل «ظهور وسقوط جمهورية فايمار»، و«روح الإسلام» و«هل يمكن تطبيق الشريعة» و«تعميق حاسة العمل فى المجتمع الإسلامى»، أو «الحركة العمالية الدولية» أو المعارضة العمالية فى عهد لينين، أو حتى مقالاته فى جريدة «المصرى اليوم» كل يوم أربعاء .. إلخ، ففيها وغيرها تتجلى أصالة وإبداع جمال البنا ومقدرته الخاصة فى أناقة الأسلوب وغزارة المادة، ولما كان شعبنا متفرجًا وليس قارئـًا، فلعل جمال البنا خسر فى هذه المعادلة، وكان يقول إن أزمته هى أنه كاتب فى شعب لا يقرأ ولكن هذا إنما كان فى العاجلة، أما الكتاب فإنه يخلد للأجيال ويعنى به قراء بعد أن يموت الذين يعلقون عيونهم بالتليفزيون، فيغلب أنه لم يخسر، وقد تقبل هذه الحقيقة.

ثالثا: من عناصر عصامية الشيخ عدم حرصه على عقد الصلات مع مجتمعه، أو الانخراط فى سلك الوظائف، وانصرافه التام عن الدنيا، حتى ما كان يتعلق بالإخوان المسلمين عندما أصبحت أقوى وأكبر الهيئات فى المجتمع المصرى، وأصبح ابنــه هو المرشد العـام لها، فإنه لم يحفل عمليًا، ولم يدخل مركز الإخوان المسلمين إلا مرات معدودة، كان عمله يقوم على الإيمان بنفسه الذى يغنيه عن التقيد بالمجتمع، وهذا العنصر كان له عرق فى نفسية جمال البنا.

رابعًا: إن علو همة الشيخ التى تجلت فى توليه طبع 22 جزءًا من المسند، بالإضافة إلى عملين آخرين هما مسند الشافعى ومسند أبى داود الطيالسى، رغم فاقته وأنه كان يعيش من اليد للفم، وكان توفير ورق كل جزء هو الهم المقعد له، وكان يقول إن الله لن يخذله، إنه لم يدع هذه العقبات توقفه، وتغلب عليها، وقد احتذى جمال البنا حذوه فى طبع كتبه بنفسه، بل وتكوين شركة توزيع خاصة به حتى يتحرر من التبعية للناشرين.

خامسًا: كان الشيخ يواصل العمل دون تعب أو ملل من الصباح الباكر فى مكتبه، وهو الدور الأرضى من منزل قديم ولم يكن يترك المكتب إلا لأداء الصلاة فى جامع الفكهانى على رأس الحارة، وكان يرسل إليه غذاؤه فيتناوله، وقد يستريح قليلاً على كنبة فى المكتب ويواصل العمل حتى الساعة الحادية عشرة مساء، كل هذه المدة جالسًا على مكتبه، وراءه وأمامه المراجع يستخدم «التزكة» الصغيرة التى كان يصلح عليها الساعات فى شبابه مكتبا، لم تكن الشمس تدخل المكتب إلا لمامًا، ولم يكن لديه أى أداة تسلية، وكنا نقدم له الصحف لنجدها بعد أسبوع كما هى، هذا الجلد والدأب يستحق الإعجاب، وما أكثر ما كان جمال البنا يقوله لنفسه: كان الوالد أفضل منى فقد كان يعمل حتى الساعة 30ر11 ليلاً فى حين أنهى عملى المسائى فى العاشرة.

سادسًا: زهــده فى الظواهر، وتقشـفه واقتصاره على الضرورات، فلم تكن عنده «ثلاجة» ولا تكييف، وفى الأيام الأخيرة اقتنى مروحة مزعجة، وبالطبع لم يكن له رصيد فى البنك، ولعله عندما جاء إلى القاهرة أول مرة زار الأهرام -وهو أمر لا يمكن القطع به- أما ما يمكن القطع به فهو أنه لم يدخل فى حياته سينما، ولم يكن يزور أحدا إلا لمامًا، ولكن كان يزار خاصة فى الفترة الأخيرة من بعض عارفى فضله وكان يسر بهم لأنهم يغيرون النظام الرتيب الذى لا يرى فيه إلا الصفحات، ولأنهم أيضًا كانوا يشعرونه بالتقدير الذى حُرمه، لأنه هو نفسه لم يسع إليه. ومما يثير الفكر أنه وقد انتقل إلى القاهرة سنة 1924 لم يفكر فى شراء بيت مع أن البيوت الصغيرة كانت متاحة «بتراب الفلوس»، وكان كل ما توصلت إليه الأسرة هو شراء «مقبرة» عندما مات طفل صغير للإمام حسن البنا، وهذه المقبرة ما بين الإمام الشافعى والبساتين، هى التى دفن فيها الشيخ الوالد والوالدة والإمام حسن البنا.

(3)
علاقة جمال البنا بشقيقه الأكبر
كانت علاقة جمال البنا بشقيقه الأكبر علاقة متميزة، كانت حميمة فيها شجو و«جدلية» نشأت من اختلاف الطبائع اختلافـًا كان اجتماعه يمثل تكاملاً، كان حسن البنا هو البكر الذى استمتع بحب والدته وصدرها وعنايتها قبل أن يأتى مزاحم آخر، وكان جمال البنا هو الأخير وجاء حمله بعد أن أنجبت والدته خمسة فلم يعد فيها مكان له إلا ما سمحت به الضرورات، وأمضى حسن البنا طفولة سعيدة فى المحمودية يجرى ويرتع فوق الشجر الأخضر الممتد وتحت سمائها الصافية وشمسها الدافئة وبجوار النيل الممتد واسعًا كالبحر، بينما جاءت طفولة جمال البنا فى حوارى القاهرة وأزقتها حيث لا هواء ولا شمس ولا فضاء، وكان حسن البنا يتمتع بصحة جيدة نتيجة نشأته وحياته، بينما كان جمال البنا ضاوى الجسم نحيف البنية، وبدأ يضع نظارات عندما كان فى المدرسة الابتدائية، بينما لم يضع حسن البنا نظارات رغم أنه كان قارئـًا نهمًا، كانت الصفة البارزة فى حسن البنا «التنظيم»، وكانت فى جمال البنا «التنظير» من أجل هذا كان حسن البنا منظمًا عبقريًا أقام صرحًا ممردًا هو «الإخوان المسلمين»، بينما كان جمال البنا منظمًا فاشلاً أقام حزبًا صغيرًا من بضعة من العمال والطلبة لم يستمر سوى عامين، كان خط دعوة حسن البنا واضحًا محددًا، ومستقيمًا يسير من ميلاده حتى استشهاده دون أمت أو انحراف، بينما كان طريق جمال البنا طويلاً وشاقـًا، وانطبق عليه المثل «بالسير الطويل عرفنا الطريق القصير»، وبينما كان حسن البنا قد وصل إلى القمة كان جمال البنا يبدأ الخطو .

كان حسن البنا يدرك بحاسته أن فى أخيه تميز «الرسالية» الذى توافر فيه كما توافر للوالد، وكان هذا سر تقريبه رغم الاختلاف، أو كأنما كان يقرب جمال البنا مثلما يحب شاب أشقر فتاة سمراء، فالاختلاف أدى إلى الترابط لا إلى التنافر، وكان حسن البنا بفضل ما أشرنا إليه من ملابسات هو صاحب الاتجاه الإيجابى، بينما انحصر دور جمال البنا فيما بين الرفض والقبــول، التقارب والتباعــد، وقد لمح حســن البنا لشقيقه الصغير برغبته فى أن يعمل جنبه فى مناسبتين: كانت الأولى عندما دار حديث عن علاقة السيد رشيد رضا بالشيخ محمد عبده، ثم علاقته بابن عمه الذى كان يحمل اسم «عاصم» ويتولى إدارة أعماله، ولكن جمال البنا صمت، فكان عزيزًا عليه أن يرفض هذه الثقــة، وفى الوقت نفسه فإنه لا يستطيع القبول، وأدرك حسن البنا الموقف بألمعيته وبذكائه فغير الحديث، وفى مناسبة أخرى عندما قبض البوليس على جمال البنا وبعض أعضاء حزب العمل الوطنى الاجتماعى عندما قاموا بتوزيع منشور عن ذكرى ضرب الأسطول البريطانى للإسكندرية بالمدافع تمهيدًا للاحتلال، وأرسل الأستاذ حسن البنا بأحد أعوانه فقابل سليم زكى حكمدار القاهرة الذى أصدر أمره فورًا بالإفراج عنه، ولما عاد قال له: «أنت تكدح فى أرض صخرية صلدة، ونحن لدينا حدائق تثمر أشجارها فواكه تتساقط وتحتاج لمن يلتقطها»، ورد جمال البنا بأن فواكه الإخوان ليست هى الثمار التى يريدها، ولم يتأثر حسن البنا بهذا الرد، ولكنه نصح شقيقه بتغيير اسم «حزب» إلى «جماعة» حتى لا يصطدم الحزب الناشئ بالحكومة وهو فى نشأته الوهنانة، وهذا ما أخذ به جمال البنا.

ويصور هذا سعة أفق حسن البنا وحُسن إدراكه وفهمه لشقيقه الصغير، وكان جمال البنـا يدلى بتحفظاته على فكر الإخــوان للإمام البنـا، وكانت عن المرأة والفنــون والسياسة.. إلخ، وكان هو يسمع، ويبتسم ولكنه لا يعقب، فما ذكره جمال البنا ليس جديدًا عليه، فقد كان حسن البنا مطلعًا على الكتابات الحديثة، ولكنه كان قائدًا للجماهير، وقائد الجماهير بقدر ما أنه يقودها ويدفعها، فإن الجماهير تمسكه وتقيد خطوه بمستوى فهمها بحيث لا يجاوز هذا الفهم إلا قليلاً، كما أن حسن البنا كان يعمل بسياسة المراحلى ويؤمن بأن الزمن جزء من العلاج، وأن لكل مشكلة وقتها، فقد كان مؤمنـًا بإعطاء المرأة حقـًا أكبر من الحرية، ولكن فى وقت معين، ولو ترك لأصلح الكثير مما لم يفسح له المجال لإصلاحه.

وفى بعض الفترات كانت العلاقة ما بين جمال البنا وشقيقه الأكبر يومية، ففى كل يوم من أيام رمضان كان حسن البنا يتلو من حفظه جزءًا من القرآن ما بين العصر والمغرب، بينما يمسك جمال البنا بالمصحف، وكان حسن البنا يوجهه لملاحظة التفرقة الدقيقة ما بين «نزلنا» و«أنزلنا» و«أنجينا» و«نجينا»، وفى إحدى المرات اقترح جمال البنا على شقيقه الأكبر أن يتعلم الإنجليزية، ففكر مليًا ثم قال: «نحفظ سورة أفضل»، وكان هذا يمكن أن يقبل منه لما كان يتمتع به من سعة أفق ومن متابعته لكل المحدثات.

وكان حسن البنا مهمومًا بأمر شقيقه ليس للتميز الخاص فى الفكر والمعرفة، ولكن لأن جمال البنا شقيقه الصغير وعليه مسئولية عائلية نحوه، فكان عندما يلمس أن الحياة ضاقت به لبطالته الإرادية يكل إليه أعمالاً يعرف أنه يقبلها مثل إدارة مطبعة الإخوان، وكان جمال البنا يريد أن يكسب خبرة فى هذا المجال لأنه كان يتفق مع ما أراده لنفسه من أن يكون كاتبًا، وعندما شغل هذا المنصب لم يلتزم بما كان يلتزم به العاملون فى «الدار» من آداب وتعاليم إسلامية سواء كان فى أداء الصلاة أو الحرص على قربات.. إلخ، فكثيرًا ما كان معاون الدار الشيخ عبدالبديع صقر يأتى إليه مؤذناً لصلاة الظهر ليصلى جماعة، وكان جمال البنا يصرفه لانشغاله الشديد بتصحيح بروفة حتى لا تتوقف عجلات ماكينة الطباعة، وعندئذ يهرع إلى الأستاذ البنا ويقول: إن غرفة جمال البنا وكر تاركى الصلاة، فيقول له: «دعه وحاله»، كان جمال البنا قبل هذا تحول إلى نباتى، ورفض أن يمس اللحم، فكان الأستاذ البنا يجنبه ذلك عندما يقوم بتوزيع الطعام، فهذه التصرفات المخالفة للتقاليد كانت أمرًا يتقبله حسن البنا من أخيه الصغير، وكان آخر منصب عهد به إليه هو سكرتارية تحرير مجلة الشهاب، وهى المجلة التى كانت تمثل قمة الكتابة الإسلامية، وقد أصدرها على غرار «المنار»، وإن أعطاها اسم مجلة ابن باديس الجزائرى، وكانت تضم الإمام البنا رئيس التحرير، والدكتور سعيد رمضان مدير الإدارة، وجمال البنا سكرتير التحرير، والسيد وهبى الفيشاوى معاونـًا، وكان جمال البنا يراجع الأصول والبروفات ويكتب فيها بابًا عن الأحداث السياسية باسم أحمد جمال الدين أحمد عبدالرحمن.

وكان حسن البنا يتابع تقدم شقيقه، وروى الشيخ عبدالعزيز الخياط وزير الأوقاف الأسبق بالأردن أنه عام 1946 كان يطلب العلم فى الأزهر، ودخل مع مجموعة من إخوانه على المرشد فوجدوه يقرأ فى رسالة «على هامش المفاوضات»، فقال لهم: «تعلموا السياسة من هذا الشاب، لقد أصدر جمال رسالة حسنة عن المفاوضات»، ولم يصده عن ذلك أنها كانت تصدر باسم «حزب العمل الوطنى الاجتماعى».

ما استفاده جمال البنا من شقيقه الأكبر: أعجب جمال البنا بخصائص متميزة فى أخيه الأكبر، كانت لها آثار عليه، حتى عندما تأخذ شكلاً مخالفاً:

- أعجب جمال البنا برسالية حسن البنا، وأنه كان القائد النموذجى الذى يتحمل أعباءها ومسئولياتها ومقتضياتها وإخضاع نفسـه لها، وكانت هذه المسئوليات تفرض عليه العمل بالإخوان طيلة النهار وسحابة الليل، وكان عليه أن يتناول الطعام معهم، وأن يؤمهم لتأدية الصلاة، وأن يقدم دروسًا طويلة.. إلخ، وأن يقضى إجازته الصيفية كمدرس -وهى شهور الصيف الأربعة- فى الصعيد، ويذهب إليها فى القطارات فى الدرجة الثالثة.

- كان الإمام البنا كوالده متقشفاً لا يعنى بأكل أو شرب أو لبس فكان فى هذا كله يتبع ما يتبعه أقل الناس.

- كان فى الإمام حسن البنا كياسة ولطف وأدب وذوق ونوع من مصانعة الناس ومخاطبتهم على قدر عقولهم، وملاحظة الاعتبارات والملابسات، وبهذا ظفر بحب واحترام الأتباع والأعداء واكتسب تأييد جماهير غفيرة، وهى عناصر أعجب بها شقيقه لكنه لم يتبعها، إما لاختلاف المزاج والشخصية، وإما للخط الذى ينتهجه فى الدعوة الذى كان يختلف عن منهج الأستاذ البنا.

- كان الدرس الذى استفاده جمال البنا فى الأيام الأخيرة له فى صحبة الإمام البنا أن الداعية إما أن يكون منظمًا، وإما أن يكون منظرًا، وأن الجمع بينهما ينتهى بالفشــل، ويغلب أن يكون الاهتمام الأعظم بواحد منهما دون إغفاله الآخر، ولكن دون إعطائه ما يستحقه، وكان الإمام البنا منظمًا موهوبًا فريدًا، بحيث أنه أسس خلال عشرين سنة «الإخوان المسلمين» الهيئة الإسلامية القياسية التى اتبعتها كل الهيئات واتسمت بسعة القاعدة وإحكام العلاقة ما بين القاعدة والقيادة والربط بينهما بخيوط حريرية من الحب فى الله، ولكن هذا الهيكل المنيع لا يتسم بعمق فكرى يؤلف «نظرية» محكمة شاملة لها أصالة، وفى الوقت نفسه صلاحية للتطبيق والتعايش مع العصر، هذا ما لم يستطع حسن البنا أن يحققـه تمامًا لعـدم وجود الوقت، فإن إحكام نظرية ليس سهلا فهو يتطلب تركيزًا تامًا قدر ما يتطلب «عمرًا» تنضج فيه «النظرية»، وكانت الضرورات العملية والميدانية تشغل سحابة وقت حسـن البنا، فكان يأتى «الشهاب» فى موهن من الليل، وبعد أن يكون قد خلص من الاجتماعات العامة ليكتب أبوابه فى المجلة. وانعكس هذا النقص على فعالية التنظيم الإخوانى باستثناء بعض الجوانب التربوية، مع أن فكرة حسن البنا عن الإسلام كمنهج حياة كان يمكن أن يكون قاعدة لنظرية شاملة تتناول مواقف الإسلام من كل ما يعتور المجتمع أو يؤثر فيه أو عليه.

وكان جمال البنا بطبيعته نقيض الإمام البنا وانتهى إلى ضرورة الاكتفاء بالتنظير، دون أن يعنى بالتنظيم رغم كل جاذبية التنظيم، وتعمقت هذه الفكرة فى ذهنــه إلى درجة جعلته يرفض تكوين مؤسسة من أى نوع تضم شمل المؤمنين بدعوة الإحياء، إذ رأى أن كل عناية بالتنظيم لابد وأن تكون على حساب التنظير، وأن التنظيم -مهما كان محكمًا- فإنه يثير إشكالات عديدة إدارية أو مالية، وأن كل تنظيم يأتى بعد داعيته يكون أقل مستوى وإحكامًا مما كان يريد الداعية بحيث يكون الكسب محدودًا ومحكومًا بمستوى فهم الأتباع ولابد أن يتعرض لغمرات الدنيا .. إلخ، لهذا كله رأى أن من الخير أن يترك نظريته حرة من كل قيد بحيث تكون رؤية إسلامية كل من يؤمن بها يصبح مالكاً لها، حتى لا ينشأ تنظيم يفرض ضروراته عليها، وأن هذا يمكن مع التطور والزمن أن يجعل فكرته «رأيًا عامًا» أو شيئاً كهذا، خاصة أن التطور سيكون فى صفه.

كما أنه فى عرض دعوته وفكرتها كان أبعد ما يكون عن المصانعة والمهادنة أو توق الحساسيات، ولم يتردد فى مجابهة كل المعسكرات التى يرى أنها تخالف دعوته دون أن يخشى عاقبة ذلك وانعكاساتها على دعوته أو عليه، وفضل أن تحدث هذه الخسارة من أن يتخلى قيــد أنملة عما آمن به، وكتابه «كلا ثم كلا» شـاهد على ذلك، فقـد انتقد فقهاء التقليد، كما انتقد أدعياء التنوير، فخسر الفريقين، وكان هذا الموقف سببًا لأن تتجاهله كل المعسكرات سواء فى كتاباتها أو فى نشاطاتها لأنه سبق أن هاجمها، تيار اليسار والأكاديميون، والمؤسسة الدينيـة، والحكومة والنظام القائم، فلا يشــيرون إليه فى كتاباتهم، ولا يدعونه فى اجتماعاتهم.

انتهت علاقة جمال البنا بشقيقه الأكبر عندما اعتقل يوم 8 ديسمبر سنة 1948 وظل بالمعتقل حتى سنة 1950، فلم يحضر الأيام المأساوية الأخيرة لشقيقه، ولا كيف استشهد، ولا كيف خرجت جنازته لا يسير معها إلا الوالد وسيدات الأسرة، فقد كان بعيدًا جدًا عن القاهرة فى الطور، عندما وقعت تلك الأحداث الدراماتيكية، وفيما حدثه أشقاؤه الذين ظلوا معه ولم يعتقلوا إلا قبل استشهاده بأيام عن العذاب النفسى الذى كان يفترس الرجل ما بين المطالب الملحة لأسر المعتقلين الذين حرموا مورد رزقهم، وكان عليه أن يدبر الإعانات اللازمة، وما بين تلاعب فئة خسيسة من رجال السياسة ورفضهم لأى صورة من صور التسوية التى عرضها عليهم، بحيث أن الاستشهاد أراحه من هذا العذاب الذى تعرض له وحيدًا وهو الذى كان ملء العين. أما والده فقد ظلت علاقة جمال به حتى وفاته سنة 1959، وسار وراء جثمانه حتى واراه التراب جنبًا إلى جنب ابنه.

لمعلوماتك..
كان حسن البنا منظمًا عبقريًا أقام صرحًا هو «الإخوان المسلمين».. بينما كنت منظمًا فاشلا أقمتً حزبًا صغيرًا من بضع من العمال والطلبة لم يستمر سوى عامين
كنت أدلى بتحفظاتى على فكر الإخــوان للإمام البنـا.. وكان هو يسمع ويبتسم ولكنه لا يعقب واقترحت عليه أن يتعلم الإنجليزية فقال: «تحفظ سورة أفضل»
4 سنوات هى عمر جمال البنا عند مجئية إلى القاهره
7 عدد الكتب التى أصدرها الإمام حسن البنا





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة