سعيد أبو طالب يكتب:

أحزان غزة

الأربعاء، 21 يناير 2009 06:17 م
أحزان غزة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحزان غزة الثقيلة تداهمك بصراخ أمرؤ القيس حين قال:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبح، وما الإصباح منك بأمثل. الليل ثقيل، وما يليه أيضا ثقيل، وكأن الشاعر العربى رأى فى منامه يوميات المواطن العربى فى القرن الواحد والعشرين.

بدلا من أن تضع أحداث غزة قضية الوطن الفلسطينى – المحتل من قبل العصابات الصهيونية- فى الصدارة، تتوارى هذه القضية المصيرية خلف ركام من دعاوى فاشية وعنصرية مقيتة.

حتى رجب طيب أردوغان يذكر اليهود بمحاسن الدولة العثمانية عليهم، وشافيز يطرد السفير مخاطبا على حد قوله "ضمير الشعب اليهودى".

تغنى فضائية الأقصى "أقتل كل اليهود.... فكلهم جنود"، متناسية مظاهرات شارك فيها اليهود فى أنحاء مختلفة من العالم ضد إسرائيل، ومتغاضية عن دور "الشبكة اليهودية الدولية لمناهضة الصهيونية" فى محاولتها الهجومية الجريئة لعمل محاكمات دولية لقادة الحركة الصهيونية وهو ما يعجز العرب حتى عن التفكير فيه بشكل جدى. وتختفى من أحاديث المواطن الفلسطينى كلمة "إسرائيل" و"الصهيونية" لتبرز مكانها كلمة "اليهود".

ولا تعير "حماس" نداءات القوى الفلسطينية الأخرى المطالبة بجبهة متحدة، أدنى التفات، ليتصدر المشهد حماس والجهاد فقط.

ناهيك عن القوى الإسلامية فى مصر التى تتعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى وكأنه يخصها وحدها فقط، فالنداء المفضل هو "خيبر خيبر يا يهود ........ جيش محمد سوف يعود". حتى أنها تدعو لمؤتمر للقوى الوطنية بمقر الكتلة البرلمانية للإخوان، وليس بنقابة الصحفيين مثلا.

بل إن بعض رجال الدين المصريين على استدعاء الفوضى وضبابية الرؤية، أصدروا فتوى تنزع صفة الشهادة عن الضابط المقتول فى رفح، بحجة أنه نفذ أوامر خاطئة صادرة له من القيادة المصرية.

وبديهى أننا ندرك أن تصدر القوى الإسلامية لمشهد المقاومة-رغم مساوئه- أفضل من الإستسلام، المقاومة الفلسطينية بتاريخها الممتد هى التى أنقذت الفلسطينيين من مصير الهنود الحمر، رغم العديد من أخطائها، إلا أننا يجب أن نقاوم هذا الإصرار البغيض على "تديين الصراع"، نحن مطالبون كقوى وطنية أن نخلع أردية الحيرة وأن نلح وسط هذه الفوضى ونركز على الحقائق الأساسية للصراع، لا أن ننزلق إلى مستنقع الصراع الدينى المزعوم.

لنا أن نعجب من محاولة بعضنا منع الاحتفال بمولد أبو حصيرة على اليهود بدلا من الترحيب بذلك - تخيل لو ظل يهود مصر بها ولم يهاجروا لإسرائيل وعاشوا بيننا-، نتفهم أن يكون مطلوبا منع الإسرائيليين من دخول مصر لهذا الاحتفال وغيره من الأنشطة، والوقوف بشدة ضد التطبيع مع الصهاينة-لا اليهود- بكافة أشكاله‘ لكننا نرحب باليهود إن رغبوا فى الاحتفال بمولد دينى.

ليس معقولا أن يساوى البعض بين الجلاد والضحية رغم صعوبة تغيير نظرة العالم الحديث لإسرائيل وفلسطين، فإسرائيل هى دولة ديمقراطية تستحق التدليل الدائم رغم عنصريتها الواضحة تجاه عرب 48 واعتبارهم مواطنين درجة ثانية، ورغم كونها دولة لليهود فقط، وحينما ترتكب مذابحها ضد المدنيين والأطفال فهى تحمى مواطنيها من الفزع والهلع الذين تحدثهما الصواريخ، وحينما تنجح حماس ديمقراطيا تقوم القيامة ويفرض الحصار على الشعب الفلسطينى فى غزة.

صورة إسرائيل لدى العالم هى دولة حديثة تقدم ليفنى المرأة الجميلة فى أعلى المراتب التى تحتاج لحزم الرجال، وصورة فلسطين المقاومة هى صورة القائد المتزوج من أربع سيدات وله لحية تذكر الأوربيين بأسامة بن لادن.

الانزلاق للصراع الدينى بطرفى المعادلة اليهودى والإسلامى، يستبعد قسرا المسيحيين الوطنيين من هذا الصراع، فهى حرب دينية ضد اليهود وعلى المسيحيين أن يتنحوا جانبا، ولا مانع من اعتبارهم أعداء وحلفاء لليهود، ألا يقف الغرب المسيحى مع اليهود؟ ألم تبشر بعض الأناجيل بمعركة "هرمجدون" ضد الأشرار وبعدها يأتى المسيح!!! هذا الصراع المتخيل يدفع الطرف القبطى المسيحى فى مصر للبحث فى تراثه عن أسوأ ما فيه "هل هو أقل من الآخرين"؟ وتبرز دعاوى البعض –كالأنبا توماس- بالنقاء العرقى للأقباط المصريين، فاتحا أبواب الجحيم على مصر الموحدة.
التمترس خلف هذه المفاهيم أحد أهم أهداف الاستعمار الإمبريالى الصهيونى لتفكيك المنطقة. والعراق مثال واضح على سيادة هذا المفهوم. سقط القناع عن القناع، عن كامب ديفيد ومدريد وأوسلو، لا حل إلا دولة علمانية ديمقراطية فى فلسطين يعيش فيها المواطنون من مختلف الأديان سواسية. كيف نستعيد هذه الروح مرة أخرى؟
هذا هو السؤال.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة