موهبة وصبر وإمكانات بسيطة، هى كلمة السر فى رحلة عادل كمال الدين مع فن الأركت والرسم على الخشب، الرحلة بدأت منذ الطفولة، حين عشق عادل الرسم على الورق بالألوان والفحم، وفى الثانوية العامة أعجب المدرسون بمهارته الشديدة، فتم ترشيحه للمشاركة فى مسابقة الهند الدولية للرسم، وحصل فيها على المركز السابع على مستوى العالم.
استجابة لرغبة والده، دخل عادل الكلية الحربية، وامتد نجاحه إلى دراسته، فحصل على المركز الأول على دفعته، ولكن لم تشغله الحياة العسكرية عن حبه الأول، وعن عالمه شديد الخصوصية، وهو الرسم بالتجسيم ووصل حد موهبته إلى درجة أنه حتىالصابون كان يستخدمه ويعيد تشكيله.
هذه الحياة المنضبطة، وحبه للعمل فيها، نمى لديه حبه للفن، فبدأ يحضر خشب الأبلكاش الفنلندى ذى الوجهين، رغم ارتفاع أسعاره من نقوده الخاصة، ويستخدمه فى التجريب: «كنت ببوظ وأكسر كتير بس بمزاج, أصل أنا غاوى، وكنت فى إجازتى من العمل، باشترى خشب وأروح البيت بيه لمراتى، واشتغل فى البيت، ده هو الانسجام بتاعى فى الحياة».
كان من الطبيعى أن تعارض زوجته ممارسته هوايته بالمنزل، فهو يمارس عمله فى حجرة الأنتريه، بين أبنائه وأمام التليفزيون، لعدم وجود مكان بديل، يقول: «بودرة الأخشاب تتناثر فى المكان، ومراتى كانت بتتضايق وتقول السجاد باظ، لكنها كانت بتفرح بعد اكتمال العمل، وبتشاركنى الرأى، فهى بالنسبة لى عين الجمهور».
فى 1994 خرج النقيب عادل من الجيش لأسباب طبية، ليتفرغ نهائياً لهوايته الوحيدة، فن الأركت، الذى لم يتعلمه من أحد، ولكن كانت الحياة مرجعه الأول: «أنا باروح حديقة الحيوان يوم كامل، أتفرج على حيوان واحد، وعلى حياته ماشية إزاى، وأخزن كل ده فى ذهنى، وأفكر إزاى أجسم العضلة دى أو حركة مفصل رجله بالخشب..ده أفادنى كتير».
الطبيعة لم تكن مصدره الوحيد، لكن استفاد من معارض الفن التشكيلى واستفاد أكثر من أفلام الكارتون.
صدفة سعيدة، قادت النقيب عادل إلى المشاركة فى أحد معارض القاهرة، كان يعرض مجسم «أسد» من الأركت، على أحد أصدقائه بنادى الشرطة، فرأته حرم المشير طنطاوى، ودعته للمشاركة فى معارض الجمعية المصرية لرعاية أسر القوات المسلحة، التى تقام سنوياً فى عيد الأم، ونالت قطعه الفنية إعجاب الجميع، وبعدها شارك فى معارض جمعية الأسر المنتجة لمحافظة القاهرة.
فى معرض ديارنا، الذى يقام تحت رعاية السيدة سوزان مبارك ووزارة التضامن الاجتماعى، ومشاركة القطاع الخاص، كانت الصدفة الأجمل فقد شاهدت السيدة سوزان مبارك أعمال «عادل»، ووقفت تشرح للوزراء المصاحبين لها قيمة وجمال هذا الفن، وتحمست تماماً لعادل وأعماله وقالت له: «منتجك منافس عالمى، منتج يدوى رائع، والمنتجات بره مكابس وآلات وشغلك أحسن منها وهيتفوق عليها، وأنا هاجيب لك مستثمرين»، وطلبت منه 1000 قطعة خلال أسبوع لمستثمر.
شرح لها أنه يعمل بمفرده، وأن أدواته بسيطة، ولن يستطيع إنتاج هذا الكم إلا خلال شهر، فأمرت الوزير على المصيلحى بتوفير ما يلزم , يقول عادل «بقالى سنتين باروح وزارة التضامن الاجتماعى، ويقولوا لى طلباتك إيه؟ وأنا كل ما أطلبه شقة صغيرة وبعض المعدات وأنا سأقوم بتدريب الشباب».
فى المعرض التالى فى السنة التالية، سألته السيدة سوزان: فين شغلك؟ وطلبت من محافظ القاهرة توفير كل طلباته، فكان عرض المحافظ المستفز لعادل: «طيب إيه رأيك تشتغل فى مشروع شباب الخريجين؟»
وأحبط عادل، وقال إنه سيشكو للسيدة سوزان، فكان الحل هو منع دخوله المعرض، وعدم استخراج تصريح أمن له، ولكنه دخل المعرض بعدما رآه أحد أفراد الأمن المصاحب للسيدة سوزان مبارك.
عادل يشارك فى المعارض الخاصة للسيدة سوزان مبارك، التى تقام عند استقبال سفيرات وحرم وزراء من خارج مصر, وكلهن ينبهرن بجمال عمله ودقته، ولكن وزارة التضامن الاجتماعى ومحافظة القاهرة لم تفعلا شيئاً تجاه مهارته، على الأقل لم تنفذا أوامر السيدة سوزان مبارك.
شقة صغيرة اختارها فى عزبة النخل يدفع إيجارها الشهرى، يذهب إليها فى العاشرة صباحا، يقول بضحك: »قلت أريح مراتى شوية.. بصراحة استحملتنى 12سنة فى البيت، وقلت أنا لازم أطور من نفسى بس محتاج آلات ومحتاج أدرب شباب فى ورشة، لكن أنا شغال على ترابيزة وآلات بسيطة للغاية، منشار أركت يدوى والصنفرة وبرجل».
برغم التكلفة المرتفعة والوقت الطويل والمجهود الشاق ,يقدم لك النقيب عادل أى شكل تريده بتفاصيله الدقيقة, البجعة والديك والديناصور والطاووس والصقر والأسد والنمر والحصان والقرش والدولفين والسيارات القديمة، وحتى حاملة الطائرات المتحركة والدبابة وصواريخ باتريوت الحديثة والغواصات والمدمرة الحربية، وحتى برج القاهرة أيضاً قام بعمل نموذج له من الأركت، وكان من أكثر الأعمال التى استهلكت وقته ومجهوده, إلا أنه لا يملك إلا أن يقدمه لك بفخر قائلاً : «أنا إللى بنيت برج القاهرة».
سوزان مبارك شجعتنى ووصت علىَّ.. والمصيلحى والمحافظ رفضا تنفيذ الوصية
النقيب عادل ملك الأركت: باعمل غواصات ومدمرات وحاملات طائرات.. وأنا اللى بنيت برج القاهرة
الجمعة، 02 يناير 2009 12:27 ص