لقد آنت لحظة قطاف ثمار المعركة، وأبت ثلة الأفاقين إلا أن تنال نصيبها من الكعكة الفلسطينية، فهنيئاً لهم أنخاب دماء الأطفال التى يتقارعونها أمام الكاميرات بكل فخار وعنجهية، وهنيئاً لهم لحظات تتويج المهزلة.
فما الذى يفعله مشعل وأحمدى نجاد فى قطر؟ وما الذى تفعله قطر فى المنطقة؟ ما الذى يفعله مشعل قائد حرب العصابات، المتعطش للسلطة حتى ولو كانت فى مشهد كوميدى، كالذى يجلس خلفه فى الدوحة. وما الذى يريده أمير قطر مغتصب السلطة من أبيه؟ ومن هؤلاء المتحلقين خلف مائدة السفه العربى يرقصون على جثث الفلسطينيين فى غزة وفى غير غزة. وما كان ينقص مجلسهم سوى سماحة السيد نصر الله ليكتمل المشهد، وعزاؤه الوحيد أن رأس الأفعى وولى نعمة حسن نصر الله وخالد مشعل وبشار الأسد إلى آخر القائمة حاضر خلف المائدة.
فما كان مشروع حماس المخضب بدماء أهل غزة ليخفى على العقلاء، لكن قادتها أبوا إلا أن يعلنوا عن وجههم السافر أمام الجميع متكئين على تراث عربى من الجعجعة، فالعرب يأكلون جعجعة ويشربون جعجعة ويلوكونها صباح مساء.
إن هؤلاء الذين يجتمعون فى الدوحة لهم فى دماء الفلسطينيين نصيب لا تجاريهم فيه سوى إسرائيل، ولهم من المشاريع الاستعمارية والاستعبادية ما لا يقارعهم فيه سوى المشروع الاستيطانى الصهيونى لقادة إسرائيل.
وعلى الغوغائيين الذين لا يفرقون بين العقلاء والعملاء أن يعيدوا ترتيب أوراقهم ويعيدوا قراءة ما يجرى أمام أعينهم علهم يفقهون.
فما أشبه الليلة بالبارحة حين آثر الغوغائيون ألا يمنحوا نصر الله ما لم يكن يحلم به من آيات التمجيد حتى تحقق ما كان يحلم به كاسباً أرضاً جديدة فى السلطة اللبنانية، تنازل فى سبيلها عن حرية منصات ألعابه النارية، وها هو خالد مشعل يعيد المشهد بحذافيره كاشفاً عن سوأته أمام الجميع متذلفاً لأولياء نعمته فى طهران وفى الدوحة بلا حياء ولا خجل، بينما يقول ادفعوا لنا فنريكم من آياتنا عجباً فى غزة. ولم يرنا سماحته شيئاً لما يقرب من الشهر بينما تدك غزة جواً وبحراً وبراً.
فأين يا سماحتك تلك المعارك الساحقة الماحقة التى توعدت بها جنود إسرائيل حين يطأون أرض غزة، وأين يا سماحتك جنودك الأشاوس فى منازل "تل الهوى" التى حل فيها الجنود الإسرائيليون محل أخواتك وأمهاتك وبناتك، وأين يا سماحتك ما تيسر من ألعابك النارية التى تلوح بها فى وجوهنا صباح مساء، وتقول إنها مقاومة، وأين يا سماحتك انتحاريوك الذين يتسابقون إلى جنة الخلد آخذين معهم جنود الاحتلال؟.
وما أشبه الليلة بالبارحة، حين كان نصر الله يلوح للأحياء من أهل بيروت بخزائن أولياء نعمته الذين وعدوه بإعادة الإعمار فى الجنوب، وها هو سماحة السيد مشعل يلوح لمن بقى حياً من أهل غزة بخزائن أولياء النعم فى إيران وقطر والسودان والعراق والجزائر؛ فهل ما زالت مسرحيات الأفاقين والراقصين على أجساد الأبرياء تنطلى على أحد، هل ما زالت مشاريعهم تخفى على أحد؟.
إن العقلاء لا يفرقون بين مشروع استيطانى واستعمارى تتبناه دولة عظمى، ومشروع آخر رجعى استعبادى تتبناه دولة تعيش على أنقاض إمبراطوريتها القديمة، وتروج له من خلال أعوانها داخل المنطقة. العقلاء لا ينظرون إلى جانب واحد من الصورة حيث مشاهد القتلى والجرحى والمشردين التى يحب أن يضعها فى الصدارة من يسمون أنفسهم بزعماء المقاومة، بل تتسع حدقاتهم لترى على جوانب المشهد ألاعيب وأكاذيب هؤلاء الزعماء ومشاريعهم.
وقد شارفت حرب غزة على الانتهاء، مضيفة إلى أرشيف وسائل الإعلام العربية والعالمية المزيد من صور البؤس الإنسانى للذين لم ولن يجنون شيئاً منها، والذين لا يحسب حسابهم فى لحظات قطف الثمار. إن ختام جولة جديدة من جولات المشاريع كبيرها وصغيرها قد شارف على الانتهاء، وقد جرب كلا الطرفين معداته وأسلحته واستراتيجياته على الأرض، وتمكن من قياس موقعه ومكاسبه على سلم النفوذ والسيطرة. وأن الستار قد قارب على النزول وليس على الغوغائيين سوى العودة من حيث أتوا ريثما تبدأ الجولة القادمة، وكل جولة ونحن وغزة وبيروت وبغداد ودارفور إلى آخر القائمة طيبون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة