ماذا لو كان عمرو موسى على رأس الدبلوماسية المصرية؟
هل كانت الدبلوماسية المصرية ستعبر عن شىء مختلف عما هو موجود الآن؟
أسئلة تتجدد فى كل مأزق دبلوماسى تتعرض له مصر، وتعنى أن الرجل يطارد كل من جاء بعده، ومنذ الطلقة الأولى فى العدوان الإسرائيلى الغاشم على أهل غزة استحضره الرأى العام بكل فئاته، ووضعوه فى مخيلتهم، تخيلوه بدلا من أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الحالى فى كل المواقف التى أظهرت أن الدبلوماسية المصرية تعانى من ترهل واضح، وشيخوخة ظاهرة.
من يراجع تصريحات عمرو موسى منذ أن تولى موقعه كأمين عام لجامعة الدول العربية، وبحسابات أكثر تحررا من قيود الدبلوماسية، ربما سيكتشف منها أنها تحتوى على تعبيرات أشد نارية ضد إسرائيل وأمريكا والانقسام العربى، ورغم ذلك يتذكره الناس أكثر كوزير للخارجية.. فلماذا؟
الإجابة تأتى منذ أن تولى وزارة الخارجية فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، وتمر على خليفته أحمد ماهر، وخليفة خليفته أحمد أبوالغيط، موسى أثناء توليه وزارة الخارجية ظهر فى إدارته لكل الأزمات أنه يمتلك سمات شخصية كاريزمية، أبرزها فهمه لدور الإعلام فى نقل رسالته، وخطابه السياسى الدبلوماسى، ومارس ذلك بالقدر الذى تحبه الجماهير، فحين تنطلق أصوات المدافع، يكون لها الخطاب المماثل، وحين تهدأ يكون لها أيضا الخطاب المماثل، كان خطابه يجمع الأطراف العربية أكثر ما يفرقها، والمؤكد أن هذا كان رصيده الأول لدى القادة العرب حين تم طرح اسمه كأمين عام لجامعة الدول العربية خلفا للدكتور عصمت عبدالمجيد، أخرج عمرو موسى الخطاب الدبلوماسى من لغته الفوقية التى تهم فئة محدودة مهتمة، إلى اللغة الشعبية التى يسمعها وباستمتاع رجل الشارع العادى.
الكثير من أسلاف عمرو موسى وقت أن كان وزيرا للخارجية، وضعوا بصمات خاصة لكل منهم، فالدكتور محمود فوزى كان رجل الدبلوماسية «المناورة» وقت جمال عبدالناصر، ومحمود رياض كان رجل الدبلوماسية «العميقة» مع عبدالناصر أيضا، ثم مضى المسار مع إسماعيل فهمى، ومحمد إبراهيم كامل، اللذين قدما استقالتهما للسادات الأول مع زيارة السادات للقدس عام 1977، والثانى مع مفاوضات كامب ديفيد عام 1978، ورغم هذه البصمات التى تحفظها كتب التاريخ، والتى جاءت مع معارك فاصلة فى تاريخ مصر، فإن عمرو موسى وحده تميز بين هؤلاء ببصمة وزير الخارجية الذى نقل الدبلوماسية إلى الشارع، بمهاراته الشخصية، الخطابية فى آن، والسرية فى آن آخر، والمعبرة عن قناعات سياسية له فيها مزيج من الإيمان بالبعد القومى وترجمته وفقا للمستجدات الإقليمية الجديدة التى لم يعد فيها للشعار القومى نصيب يذكر، وبهذه المنطلقات عالج عمرو موسى الكثير من الأزمات بين مصر وسوريا، وأعادها إلى وضعها الطبيعى قبل أن تتفجر، واقترب فى كثير من الأوقات من النقطة التى يمكن البناء عليها فى إعادة العلاقات مع إيران، وحاول إيجاد صيغة للتوازن فى العلاقات مع العراق أثناء حصاره وقت صدام حسين، وقبل احتلاله له من أمريكا، وفى زيارة له إلى إسرائيل «المفروضة دبلوماسيا»، رفض ارتداء «القلنسوة» اليهودية، وهى غطاء الرأس الذى يرتديه أى زائر لإسرائيل كنوع من الاعتراف بيهودية الدولة.. وغيرها من الممارسات الأخرى التى خلقت نوعا من الرابط الشعبى له، فى زمن لم تذق فيه الحالة العربية انتصارات على إسرائيل.. نظرنا معه إلى عبور حالة الهزيمة حتى لو كانت بالتعبير القوى، ولهذا تستدعيه الذاكرة فى أوقات الشدائد التى نحن فيها، بعد أن حزنت لفراق منصبه.. وتساءلت وقتها.. ما السبب؟
حين تولى أحمد ماهر وزارة الخارجية خلفا له، كان موسى يطارده بخيال الرأى العام فى كل محنة، وفى كل عراك دبلوماسى مع الآخرين، وحين تطاول عليه بعض الفلسطينيين وهو فى زيارة إلى القدس، تجدد السؤال.. ماذا لو كان موسى فى هذا الموقف..؟
تواصلت الأسئلة مع أحمد أبوالغيط، فرغم أن أحمد ماهر جاء بعد موسى، وقبل أبوالغيط، واستمر فى المنصب أكثر من عامين، أى أن المقارنة هنا من الطبيعى أن تتم بين الحالى والسابق، لكن الكل يترك السابق، وينتقل إلى الأسبق، أى يترك ماهر ويستدعى موسى، ويفصل كل شىء يقوله أبوالغيط على المقاس الذى كان يحدده موسى.. فمثلا، يطرح الكل منذ بدأ العدوان الإسرائيلى الغاشم على أهل غزة.. أسئلة من نوع.. لو كان عمرو موسى موجودا.. هل كانت زيارة ليفنى ستتم.. ولو كانت الزيارة تمت.. هل كان سيتركها تقول ما تريد.. هل كان موسى سيذكر التصريحات وسيجيب على كل أسئلة الصحفيين حول الأزمة بنفس الطريقة التى يتحدث بها، ويجيب عليها أبوالغيط.. وفى الاجمالى هل كانت مصر ستنجو من حملات الهجوم فى بعض الدول العربية؟ قررنا خوض هذه التجربة الخيالية، ووضعنا كلام أبوالغيط الذى ذكره بالحرف، وتخيلنا لو كان موسى مازال موجودا وزيرا للخارجية.. كيف كان سيتحدث.
هل كانت مصر تنجو من حملات الإدانة الواسعة التى سببتها تصريحات أبو الغيط؟
ماذا لو كان عمرو موسى وزيرا للخارجية خلال الحرب على غزة؟
الخميس، 15 يناير 2009 11:59 م
أحمد أبوالغيط
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة