د. خميس الهلباوى

غوغائيون .. وعقلاء

الخميس، 15 يناير 2009 10:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمر منطقة الشرق الأوسط حاليا بأحداث مؤلمة ضد الشعب العربى الفلسطينى فى غزة، ما يهمنا فيها أن إسرائيل عادت إلى عادتها القبيحة باستخدام آلتها العسكرية الرهيبة فى حصد أرواح الشهداء من الأطفال والشيوخ والنساء، ونظراً لأن القارئ يعلم الملابسات والأحداث فإن ما يهمنا الآن وما نستخلصه من الأحداث الأخيرة، المواقف السياسية من بعض القوى المحسوبة على مصر داخل مصر.

وإننا هنا سنعرض للموقف الداخلى المصرى، الذى أدى إلى استغلال بعض القوى الداخلية المحسوبة على مصر للموقف، وحاولت توجيه حملتها المسعورة السامة إلى فئة من الشباب لغسيل مخها وإقناعها بخرافات غير صحيحة لاستعدائها على قادتها، واستهدفت أيضا مصر وقيادتها السياسية المتمثلة فى رئيسها محمد حسنى مبارك، للتقليل من شأنها وازدرائها، واتهامها بخيانة الأمة العربية والعمالة للغرب، وهى مغالطات تاريخية اعتادت ترويجها بنشاط منظم لم يقابله توعية كافية من الأجهزة المعنية، مستغلة الاحتقان المنتشر بين الشباب بسبب ظروف مصر الاقتصادية الحالية، وأكثر من ذلك أن بعض وسائل الإعلام التى لا يهمها إلاَّ ترويج مبيعاتها على حساب المصداقية والشفافية، راحت هى الأخرى تهلل وتروج وتردد ما يبثه المضللون للتطاول على سمعة مصر ورئيسها البطل مستغلة المناخ المتاح من حرية الرأى الذى لم تشهده مصر منذ عام 1952.

إننا نستخلص من تلك الأحداث أن الفكر المجتمعى فى مصر الآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهى:
أولا- قسم يمثل الغالبية العظمى من الشعب المصرى السلبى المهمش: ويفضل الجلوس جانباً لمشاهدة نتيجة الصراع فى حلبة السباق بين الفئتين الأخريين، حيث المشهد الذى يراه فى حلبة السباق، أن إحدى الفئتين تقبض على السلطة أو تكتسب من استمرار نظام الحكم الحالى، الذى احتضنها ودعمها مضطراً لعدم تقدم فئة الغالبية العظمى لممارسة حقوقها، خوفاً من العواقب غير المضمونة وفقاً للتجارب السابقة لنظم الحكم فى مصر، وهذا القسم يمثل حوالى 80% من الشعب المصرى أو أقل قليلاً، وهذه النسبة يحتاج معظمها إلى التوعية بحقوقها الديمقراطية وتأمينها ضد مخاطر تقدمها واشتراكها فى العمل السياسى وممارسة حقوقها السياسية.

ثانيا- قسم يمثل بعض الغوغائيين المهيجين "وهذا التعريف مستعار من الفيلسوف أرسطو": وعدد هؤلاء فى المجتمع لا يصل بأى حال من الأحوال إلى مليون شخص، ومن صفاته الصراخ ضد أى عمل أو إنجاز تقوم به السلطة السياسية فى مصر، والنقد الهدام، والغرض منه إحباط الشعب المصرى والتأثير على الشباب المسلم الذى لم يعاصر تاريخ الحروب، ذلك القسم الذى انكب منذ 60 عاماً على استخدام أساليب مشروعة وغير مشروعة لتحطيم أى مصدر أمل وإطفاء أى مصدر ضوء يضئ طريق التقدم لمستقبل مصر، مدعين كذباً أن الأمل فى التقدم لن يكون إلا من خلالهم وعن طريقهم هم فقط، ومع الأسف فإنهم محترفون لدرجة أن صوت صراخهم وغوغائيتهم مرتفع ويبدو وكأنه صادر عن أعداد أضعاف عددهم، وهم فى هذا يخدعون الشعب المصرى بدليل أنهم يظهرون غير ما يبطنون، والأكثر دلالة على هذا هو نظام الخلافة والولاية فى جماعتهم، المبنى على ديكتاتورية مطلقة.

ولغة هذا الفريق هى لغة الحرب والإرهاب، وهى لغة قريبة من لغة الصمود والتصدى التى ظهرت فى العالم العربى منذ عقود،‏ ومازالت بعض الدول المجاورة لنا تتمسك بها‏. وحدث فى مشكلة غزة الأخيرة، بعد أن انضمت قيادات القسم الثانى ضد مصر إلى سوريا وإيران، قامت بازدراء مصر والمصريين، وإهانة مصر ورئيس مصر، حتى وصل الأمر إلى أن أحد نوابهم قام برفع حذائه ليقذف به نائباً آخر فى إحدى المناقشات حول غزة، وهانت قيمة المجلس الذى مثل الشعب المصرى فى عيونهم ازدراء له، والله أعلم لو ترك الأمر على ما هو عليه، سيرفعون أحذيتهم فى وجه من مستقبلاً؟ وهذا القسم يتهم مصر (علناً) أى والله علنا بالخيانة، مصر التى ضحت وحاربت ثلاثة حروب ضحت فيها بالغالى والنفيس فى سبيل تبنى مشكلة فلسطين، تتهم الآن بالخيانة من أناس يعيشون على ترابها ويأكلون من خيرها، وهم مخطئون ويثبتون جهلهم بالسياسة حين يطلبون فتح المعابر على مصراعيها لتفريغ غزة من أهلها لتصفية القضية الفلسطينية من مضمونها، وهو ما حرص على منعه كل من الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات والرئيس مبارك، وحاول القسم الثانى جعل مصر تابعة لجماعة مسلحة، ويتجاهلون أن مصر بتاريخها وعظمتها وثقافتها وموقعها وسكانها هى القائدة، شاءوا أو أبوا.

ثالثا- وهذا القسم يمثل رجال السلطة ومعهم الإدارة التنفيذية للمجتمع: ونظراً لحساسية المرحلة السياسية والعسكرية التى تمر بها مصر، ومنطقة الشرق الأوسط، ومصر فيها لاعب أساسى، فالسلطة مركزة فى شخص الرئيس، والوزراء التنفيذيون، ينتظرون تعليمات الرئيس، ومنهم المجتهد الذى يحاول أن يكون إيجابياً ويخطئ أو يصيب، ومنهم المتلقى فقط، أما الجهاز الإدارى بالكامل، والجهات الحكومية فيؤدى وفقاً لما يتاح لهم من إمكانيات ومنهم المجتهد الشفاف ومنهم ما غير ذلك، أما قلة من رجال الأعمال الذين يمثلون عبئاً ثقيلاً على الدولة وعلى الرئيس شخصيا، فإنهم استطاعوا الحصول على الامتيازات باسم الوطنية بغرض تطوير اقتصاد مصر وإقامة المشروعات الصالحة لتنمية مصر، ولكن مع الأسف استغل بعضهم الرغبة الجامحة لتطوير الاقتصاد من الرئيس، وقاموا ويقومون ببيع الأراضى التى حصلوا عليها بغرض التطوير "بالتصنيع أو بالزراعة"، يبيعونها بمبالغ كبيرة تمثل تسقيعا لتلك الأراضى وأعتقد أن الرئيس لن يرحم من يقع منهم تحت طائلة القانون، وهم مع الأسف محسوبين على القسم الثالث.

ويوجد قسم آخر من المصريين العقلاء الوطنيين، الصادقين، ويقولون إن مصر فى حالة سلام، ولا ينبغى أبدا أن تستخدم لغة الحرب والجهاد والاستسلام‏..‏ إلخ‏.‏ وإن مصر قد حاربت ثلاثين عاما‏،‏ فقدت فيها سيناء مرتين وعشرات الآلاف من خيرة أبنائها‏، وأنها الآن فى حالة سلام منذ سنوات طويلة‏، وإذا كان بعض أشقائها العرب فى حالة حرب أو احتلال‏، فعلى هؤلاء الأشقاء أن يسعوا إلى السلام‏، لا أن يجروا مصر من جديد إلى الحرب وأهوالها‏.‏ "الدكتور: سمير تناغو".

ويعتقد هؤلاء العقلاء الصادقون أن مصر ليست مستهدفة وأن العالم لا يتآمر ضدها‏، بل على العكس فإن كل الدول الغنية فى العالم تساعد مصر بمساعدات اقتصادية كبيرة لتنمية اقتصادها ومعالجة مشاكلها الداخلية‏.‏ ويعتقد هؤلاء العقلاء أن الولايات المتحدة مرتبطة ارتباطا عضويا مع إسرائيل‏، ومع ذلك فهى قد انحازت إلى مصر فى كثير من المواقف‏، وأجبرت إسرائيل على رد سيناء إلى مصر مرتين‏، مرة بالأمر المباشر من أيزنهاور‏، ومرة ثانية عن طريق المفاوضات المضنية بمساعدة كارتر‏.‏ هذه حقائق لا تنكر‏، وهذا هو معنى أن علاقتنا بها استراتيجيه وهى العبارة التى يرددها الرئيس دائما‏ "الدكتور: سمير تناغو".‏

ويعتقد العقلاء أن سياسة مصر الخارجية الآن ومنذ ثلاثين عاما مضت‏، هى سياسة ناضجة صقلتها الحروب والمحن والتجارب‏، ‏وأن القيادة المصرية الحالية قيادة وطنية قوية عاقلة‏، تقود البلاد وسط العواصف والأنواء بحكمة واقتدار‏، وأنها لا تخضع أبدا لأية ضغوط خارجية ظالمة‏، كما أنها لا تكترث كثيرا بابتزاز المهيجين الغوغائيين‏، وننصح القيادة السياسية بأن تفضحهم وتوجه خطابا لهم، بأنها تتابعهم وأنهم يفهمون ما يفعلون وما يقولون، ولذلك فإنها تعتبرهم مهيجين غوغائيين‏، وإن ما يفعلونه من ممارسات لا يصب فى مصلحة مصر‏، ومصر لا تحترمهم‏.

وما تحتاجه مصر حقا هو تحديث وتطوير اقتصادها، وتعليم أبنائها، وإيجاد فرص عمل لهم‏..‏ إلخ وهذا المشروع بدأه محمد على باشا الكبير‏، ولكنه انتكس بعد ذلك، بسبب الحروب والمشاغبات والغوغائيات وويلاتها فى القرنين التاسع عشر والعشرين‏.‏ ولا نريد سماع لغة الحرب مرة أخرى‏.‏

إن الأداء المصرى فى العموم خلال الأزمة كان حكيما، وكان قائما على توازن دقيق جدا، ومن هاجموا أحمد أبو الغيط، وهاجموا الأداء المصرى كانوا جزءاً من عملية تحويل المسار إلى أن الأزمة هى مصر لأنها لا تفتح المعابر، والأزمة ليست فتح المعابر، وإنما الأزمة أن جهة ما اتخذت قرار إلغاء التهدئة، ثم قامت بتوجيه 60 صاروخا صوب إسرائيل فى يوم واحد.

ووفقاً لما ذكره "الأستاذ الكاتب عبد المنعم سعيد"، أنه وللأسف وأقولها مرة ثانية إنه تم وبشكل متعمد أن جماعة الإخوان المسلمين تعهدت لحركة حماس بتنظيم حملة ضد مصر من المغرب وحتى بغداد لتحويل الأزمة من كونها أزمة فلسطينية سببتها حماس إلى أزمة مصرية، فى الوقت الذى كانت فيه مصر تحاول التخفيف عن الإخوة الفلسطينيين قدر استطاعتها ضمن حدود الدولة المصرية، الإخوان المسلمين والناصريون والتجمع يتعاملون مع مصر على أنها ليست دولة وإنما مثلها مثل لبنان وفلسطين وبغداد عبارة عن مجموعة ميليشيات وتجمعات سياسية تسير حسب الجموح العاطفى دون تقدير موقف سياسى أو مراعاة مصلحة الأمن القومى المصرى.

والآن لابد لمصر والقيادة السياسية المصرية أن تعيد تقييم موقف مصر من القومية العربية ومن الدول التى لا تريد لمصر خيراً، وللجماعات التى تعيش على إشعال نار الحرب، لأنها ليس لها مهنة إلا حمل البندقية فقط. ولابد من إعادة ترتيب الأوراق، لوضع الأمور فى نصابها وعلى حقيقتها إن مصر أكبر من المهاترات والتهييج ويجب تقييم مواقفنا من العالم كله.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة