◄الإسلام لدى الشيخ أحمد البنا وشقيقى حسن البنا شيئ غير الإسلام الشائع والمنتشر والذى يدعو له الأزهـر ألا وهو إسلام المذاهب
مفكر يعرفه الجميع، يتفق معه البعض ويختلف البعض الآخر، له من الاجتهادات ما صدم الكثيرين، وابتهج به الكثيرون، حياته ومشروعه الفكرى والبحثى، محل خلاف دائم، وما يزيد من هذا الخلاف، كونه أخو الراحل حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، فكيف يكون جمال البنا الذى يدعو دائما إلى إعادة قراءة التراث الإسلامى السلفى، لنتخلص من الأثقال التى أرهقته، هو أخو مؤسس أكبر جماعة إسلامية متشددة فى القرن العشرين؟
فى هذه السطور، يكشف جمال البنا عن أسراره، التى قد تنير طريق الباحثين عن فكر الرجل، وكيفية تشكيل عقليته البحثية، راصدا مراحل حياته الهامة، التى تلقى الضوء على تربيته وتنشئته وثقافته، وما اكتسبه من أبيه ومن أخيه، كشهادة تاريخية مهمة على حياة مفكر، وعصره ،وأخيه الذى أنتج ظاهرة الإخوان المسلمين، التى مازالت باقية حتى الآن.
وعلى مدى ست حلقات، تقدم «اليوم السابع»، هذه الكتابات لقرائها اعترافا بأهيمة الاجتهاد والمجتهدين، واحتفالا بجمال البنا، الذى أتم عامه الثامن والثمانين من أيام.
جذر إسلامى متميز
ولد جمال البنا فى أسرة مسلمة، كان الإسلام هو القضية المحورية فى الفردين النابغين فيها، ألا وهما رأس هذه الأسرة الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، وابنه البكر الإمام الشهيد حسن البنا.
وهذا العمل الإسلامى، كان له طابع خاص، اكتسبه من طبيعة وشخصية هذين اللذين توافر لهما عاملان استثنائيان، الأول: علو الهمـة، والثانى: قوة الإرادة، فعندما بدأ الشيخ أحمد عبد الرحمن مشروعه الفكرى العظيم، عن تصنيف وشرح مسند الإمام أحمد بن حنبل، ما كان أحد من الأئمة الأعلام قد فكر فى ذلك، منذ أن وضع الإمام أحمد ابن حنبل مسنده حتى ألف عام، أى من القرن الثالث الهجرى حتى القرن الثالث عشر، الذى بدأ فيه الشيخ البنا مشروعه، ولكى نفهم ما هو هذا العمل نقول، إن الإمام أحمد بن حنبل هو إمام الأئمة فى الحديث النبوى، وقد ضم فى مسنده قرابة ثلاثين ألف حديث، مما لم يكن واردًا وقتئذ فى أى مرجع آخر، ولكن هذه الأحاديث لم تكن مرتبة على أساس الموضوعات الفقهية، ولكن على أساس المسانيد، فكل الأحاديث التى روتها السيدة عائشة مثلاً فى باب، وكل الأحاديث التى رواها عبد الله بن عمر بن الخطاب فى باب آخر، وهلم جرا، ولا يلحظ موضوع الحديث فيذكر حديثـًا عن الصلاة، يتلوه حديث عن غزوة بدر، ثم حديث عن مناسك الحج.. إلخ، وعطلت هذه الواقعة، الاستفادة من المسند كمرجع فقهى، ولم يفكر أحد خلال الألف عام فى القيام بذلك، وحاول ابن كثير وقال «مازلت أنظر فيه والسراج ينونص حتى كـُـف بصرى»، وليس لدينا شىء عما عمله ابن كثير، وقد قام الشيخ أحمد البنا بذلك، فصنفه أبدع تصنيف على أساس كتب ثم أبواب ثم فصول، تبعًا لأبواب الفقه، ثم لم يقنع بهذا، بل وضع شرحًا له يعادل المتن بأسلوب سائغ، تناول فيه السند وغريب الألفـاظ، والتخريج، وهو أهم شىء فى الحديث، لأنه يعنى درجة الحديث، وهل هو صحيح؟ فيعـد مرجعًا يؤخذ منه الحكم، أو ضعيفا ويذكر أحكام الباب فى المذاهب الأربعة وغيرها .. الخ، واستغرق هذا منه خمسة وثلاثين عامًا، هى سحابة النصف الأول من القرن العشرين.
يماثل هذا العمل العظيم الفريد، العمل الذى قام به الابن البكر الإمام حسن البنا، إن تكوين الإخوان المسلمين فى عشرين عامًا كان معجزة، وكان دليل عبقرية منشئها، لأن هذه الهيئة صمدت أمام عداوة حكام مصر من الملك فاروق، حتى جمال عبد الناصر، حتى السادات، حتى مبارك، وبقيت وذهب هؤلاء.
وهذا هو ما نعنيه بعلو الهمة، فلم يتصديا لأمر صغير، ولا لقضية سبقت معالجتها، ولا لأمر يحقق كسبًا شخصيًا، سواء كان مالاً أو منصبًا أو شهرة، كان العمل عظيمًا وجديدًا أصيلاً، وكان له دوره الضخم ولم يقترن هذا بأى كسب مادى.
أما عن قوة الإرادة، فذلك لأن كل واحد منهما كان يبدو آخر من يمكن أن يقوم بذلك، فلم يكن لدى أى منهما، عندما بدأ عمله، الشهرة أو المكانة أو الجاه أو المال، ولم يطأ أحد منهما الأزهر، فضلاً عن أن يتخرج منه ويرزق معونته، إن الأزهر يخرّج سنويًا عشرات الألوف من العلماء، دون أن يفكر واحد منهم فى مثل ما قام به الشيخ البنا، بل إن الأزهر نفسه بقضه وقضيضه، كان يعجز عن هذا الإنجاز العظيم، وبالمثل فما أكثر معلمى اللغة العربية فى المدارس الابتدائية، فهل كان يتصور أن أحد هؤلاء المعلمين وفى غير القاهرة، يمكن أن يؤسس الإخوان المسلمين .
كان الشيخ البنا عندما بدأ مشروعه ريفيًا ترك القرية، بعد أن حفظ القرآن فى الكتّاب ثم ذهب إلى الإسكندرية ليشترك فى دراسات إسلامية حرة، كانت تلقى فى جامع القائد إبراهيم ،حتى ألم بمفاتيح المعرفة الإسلامية، ولم يتمكن أو يتعمق أو يواصل الدراسة، وكان يمكن أن يستصغر ما حصل عليه أمام ما أراد الوصول إليه، وبعد هذا كله، فإنه لكى يضمن عيشه، احترف إصلاح الساعات التى كان يمارسها كنوع من الترويح بعد مواصلة القراءة والكتابة.
وتصوروا معى الموقف، عندما عقد العزم على هذا العمل العظيم، فقد كان واضحًا أنه سيأخذ عشرين أو ثلاثين سنة (وعمليًا شغله 35 سنة)، فكيف يبدأ مشروعًا يرتهن ثلاثين عامًا من عمره ؟ ثم لو فرضنا أنه أتمه، فماذا يفعل به، وهو رجل مجهول يعيش فى أحد أزقة القاهرة، ولا علاقة له بالأزهر، ولم يدخله يومًا، ولم يعن بأن تكون له صداقات أو علاقات بهذه المؤسسة التى تمثل الإسلام أو غيرها، هذا أمر لم يكن متصورًا، ولكن الشيخ البنا فعله، بل قام بطبعه أيضًا فطبع 22 جزءًا، وهو الرجل الفقير الذى يعول أسرة كبيرة، ولا علاقة له بعالم الطبع والنشر، هنا تظهر قوة الإرادة، وقهر كل عقبة، لقد اشترى عددًا من الحروف يكفى ملزمة أو اثنتين، وشغـَّـل عاملاً ماهرًا فى جمع الملزمة، ثم يرسلها إلى مطبعة قريبة فتطبعها، ويستمر هذا حتى يتم الجزء الأول ويبدأ فى الجزء الثانى، حتى وصل إلى منتصف الجزء الثانى والعشرين، ولأنه لا يعرف الناشرين ويرى أنهم «لصوص»، فإنه كان يحتفظ بما يطبع فى مخزن مكتبه، وكان دورًا أرضيًا فسيحًا فى بيت قديم فى حارة الرسام، التى تتفرع من شارع المعـز لدين الله، وعلى رأسها جامـع الفكهانى، ولا يبيع إلا من يأتى لطلبه، بعد أن تعرف عليه البعض، وعندما توفى فإنه ترك لورثته مخزنـًا مملوءًا بـ«الفتح الربانى» من الجزء الأول حتى الجزء الثانى والعشرين.
عمل مستحيل بكل المعايير، لا يمكن أن ينهض به فرد مهما كانت إمكاناته، ولكن الشيخ البنا أتمه بالفعل، وهذا هو ما نسميه «علو الهمة وقوة الإرادة»، فما كان له أن يسمو إلى مثل هذا العمل، ولا أن يتغلب على عقبات إظهاره، إلا إذا كان الله تعالى قد أنعم عليه بنصيب وافر من هذين «علو الهمة وقوة الإرادة».ونتيجة لهذا اتسم عمله بطابع من الأصالة والإبداع والعصامية والتميز.
وهذه الصفات أيضًا هى ما اتسم به عمل حسن البنا، فقبل حسن البنا كانت الدعوة الإسلامية تأخذ شكل جمعيات خيرية محلية، تقوم على الوعظ والإرشاد، كل واحدة فى حالها، منقطعة عن الأخريات حتى ظهر حسن البنا، كانت «الإخوان المسلمين» التى أسسها حسن البنا سنة 1928 فى الإسماعيلية من ستة من عمال القناة، اختارهم من المقهى وليس من المسجد، ولكن الغريب والذى ما كان متصورًا أن هذه النبتة الوهنانة، ظهرت فى القاهرة بعد عشرين عامًا، كهيئة دولية لها فى مصر 500 شعبة، ولها فروع فى العالم الإسلامى، وينتمى لها خمسمائة ألف، وضم التجديد الذى جاء به حسن البنا أمرين:
الأول : تنظيمى، وهو نقلها من المحلية إلى العالمية، وتكوين الهيئة «القياسية» للدعوة الإسلامية، وكان عمله هذا يشبه عمل روكفلر فى أمريكا عندما كون شركة «استاندرد أويل»، أى الشركة القياسية التى صارت موازينها وتكريرها.. إلخ، هى السائدة فى صناعة الزيت، أو لينين الذى وضع أساس الحزب البلشفى، الذى يكون «طليعـة» للطبقة العاملة، وأصبح هو الأساس الذى تحتـذيه بقية الأحزاب، إن هيئة الإخوان المسلمين التى كونها حسن البنا سنة 1928، والتى بلغت أوجها ما بين 1946و 1948، كانت هى الهيئة القياسية التى نسجت على منوالها كل هيئات الدعوة فى العالم الإسلامى، وترك حسن البنا بصمته على الدعوة الإسلامية فى العصر الحديث.
والثانى: الذى يماثل الإعجاز التنظيمى هو فكرة «الإسلام كمنهج حياة»، فالإسلام فى مصر الليبرالية كان منزويًا فى ركن قصى من أركانها، وكانت المادة التى تنص على أن الإسلام دين الدولة، والعربية لغتها، هى إحدى المواد الأخيرة فى الدستور، ولم يكن يُعنى بالشأن الدينى إلا أئمة المساجد ووعاظ وزارة الأوقاف، وقد عاش جمال البنا فى طفولته الفترة التى كان إمام المسجد يصعد وفى يده سيف من خشب، ويتلو خطبته من إحدى الأوراق الصفراء، كما عاش ورأى الخمور تباع عند البقالين، ودعارة منظمة تشرف عليها الدولة، واقتصادا يحكمه الأجانب.
جاء حسن البنا فغرس الإسلام فى صدارة المجتمع، وأوجد من شباب الجامعة من يخطب ارتجالاً فلا يتلعثم ولا يخطئ فى شعر أو آية، بل ينطلق.
هؤلاء هم أبناء حسن البنا، صنعهم على يديه، وزودهم بعلمه وإيمانه وإخلاصه، وصلى بهم صلوات طويلة مغرب الخميس وعشاءه وفجر الجمعة فى الخلاء، يتلو فيها القرآن مسترسلاً، حيًا، كأنما أنزل لتوه.
كان الإسلام لدى الشيخ أحمد البنا، ولدى الأستاذ حسن البنا، شيئاً غير الإسلام الشائع، والمنتشر، والذى يدعو له الأزهـر، ألا وهو إسلام المذاهب، وكانت الخلافات المذهبية تفرق وحـدة المسلمين فى البلد الواحد والمسجد الواحد، فكانت تقام أكثر من صلاة جمعة، تبعًا للمذاهب المختلفة، ولم يكن للإسلام دور فى الحياة العامة، وفى عالم الدنيا وما يموج به من أحداث سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، فأضفى كل منهما من فهمه للإسلام صفة الموضوعية، والأصالة، وإغفال الاختلافات المذهبية الصغيرة، وإعمال العقل والفكر، وكان عمل الشيخ أحمد وعمل الأستاذ حسن واحدًا، على الأقل من ناحية إغفال المذهبيات والأخذ بالسُـنة، وكان فقه السُـنة الذى دفع الشيخ حسن البنا الشيخ سيد سابق بتأليفه، هو ملخص لعمل الشيخ الوالد «الفتح الربانى»، كانا معًا يريدان للأمة أن تسير مع الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وليس مع الفقهاء.
العلاقة الحميمةبين جمال البنا ووالده وشقيقه
قد يقول قائل: ما العلاقة ما بين عمل الشيخ أحمد البنا والإمام الشهيد من ناحية، وجمال البنا من ناحية أخرى؟ما يجهله الكثيرون أن العلاقة ما بين جمال البنا ووالده وشقيقه الأكبر كانت وثيقة، حميمة، وكانت أكبر من علاقة بقية الإخوة بهما، وهذا يعود إلى أنه لأسباب سنذكرها فيما بعد، كان قد رفض الحياة «البورجوازية» المألوفة التى كانت تبدأ بدخول الجامعة، فالانخراط فى وظيفة يتلوها الزواج وتكوين أسرة مستقلة، وهذا هو ما فعله أشقاء جمال البنا وحال دون اتصالهم بالأب والشقيق، أما جمال البنا فقد كان متفرغًا، وكان لديه وقت طويل يقضيه معهما، وكانا هما فى حاجة إليه لإنهاء بعض أعمالهما، ولعلهما آنسا فى طبعه الهادئ والمتمرد معًا شيئـًا يقربه إليهما، ومن ثم نشأت العلاقة المتميزة الطويلة، وكانت نقطة إعجاب جمال البنا بوالده وشقيقه هى «رسالية» هذين الرجلين، وإخضاعهما كل ما فى حياتهما لها، وكان هو نفسه لديه هذه الطبيعة المضمرة، رغم الاختلاف الذى كان يعود إلى وجود مؤثرات عديدة عليه لم يتعرضا لها، وغلب عليهم جميعًا العامل المشترك الرسالية على الاختلاف فى مادة ومضمون هذه الرسالية، ومن ثم كان البعد والقرب، الائتلاف والاختلاف حتى نهاية حياتهما.
علاقة جمال بوالده:
كان جمال البنا آخر العنقود من الذكور، ولم يولد من أشقائه بعده إلا فوزية، وفى هذا الوقت كانت الأسرة قد انتقلت من المحمودية الجميلة، المريحة، الواسعة، ذات النجيل الممتد والنهر الفسيح كالبحر (لأنه بمقربة من المصب) والشمس الساطعة والسماء الصافية إلى أزقة القاهرة التى لا يدخل بيوتها الشمس أو النور، وإنما الرطوبة والبرد، وكان جمال هو نهاية مسيرة الأم فى الولادة المجهدة، ورعاية أسرة كبيرة ترك لها ربها كل شىء وتفرغ للكتابة، وعندما ولد كان ضعيفـًا ضاويًا نحيفـًا يسير بخطى متثاقلة، ولم يكن يستطيع أن يلعب ويرتع، فلا المكان/الحارة تسمح، ولا الصحة تمكنه، وكان فى الزقاق أطفال أقوى بنية وأشد باسًا، فانطوى على نفسه، وحتى الآن فإنه لا يستطيع أن يركب عجلة، وكان المتنفس الوحيد له هو القراءة، فلم يكد «يفك« الخط حتى بدأ يقرأ، وكان والده يأخذه معه وهو طفل صغير إلى مكتبه، ويعكف هو على كتاباته ويدع ابنه الطفل فى الصالة الخلفية للمكتب، وكانت حافلة بالمجلات والصحف فكان يقلب فيها ويقرأها، وكانت هناك «اللطائف المصورة« الجريدة الأولى التى طبعت بالروتغرافور، وكانت وفدية ومصورة، وقرأ بها قصصًا طويلة عن «زغاليل مصر«، وعن «الشبح الأسود»، كما كان هناك أعداد من مجلة «الأمل« التى أصدرتها منيرة ثابت، وهى شابة ناهضة كانت أول من دعا إلى منح المرأة حق الترشيح لمجلس النواب، ومازال حتى الآن يذكر البيتين اللتين كتبا تحت اسمها العريض «الأمل« وهما:
أمل ألقيه فى الوادى الخصيب وبــــذور فى ثـــراه لا تخيب
ها أنا اليوم أنمى غرســـــــــه وليبارك فيه علام الغيـــــوب
وقرأ فيها رواية عن «قمر بنى إسرائيل» تصور مصر فى عهــد ظهور موسى، وهناك كتابات سياسية «حنانيك يا نشأت»، ولعلها المرة الأولى التى استخدم فيها هذا التعبير
وكانت جريدة الأهرام تطبع فى كل عدد فى آخر إحدى صفحاتها رواية مسلسلة مترجمة من كتاب أو مؤلفين، لعل اسم أحدهم شارلس جارفس أو شىء كهذا، وكان الشيخ الوالد يقص مكان الرواية المنشورة من الصحف ثم يرتبها ويجلدها.
وللسائل أن يسأل ما هى علاقة الشيخ البنا، ذلك الريفى القادم من القرية، والذى نصب نفسه وحياته لتصنيف مسند أحمد بن حنبل، وهذه الصحف؟ وكيف يحتفى بهذه الروايات ويجلدها؟ هذا هو أحد أسرار هذه الشخصية الفريدة، وهى سر تأسيس ثقافى مدنى وأسلوب حر سبق مرحلة المسند، وأن هذا التأسيس هو الذى أعطاه السلاسة فى شرح الأحكام النبوية والفقهية والبعد عن «شنشنة« الفقهاء، فضلاً عن سعة الأفق وانفتاح الرؤية.
ومن هذه الأيام الأولى، أيام طفولة جمال البنا فى مكتبة والده حتى وفاته، وكانت العلاقة متصلة، وكان الشيخ يحب آخر أبنائه من الذكور والإناث جمال وفوزية، وقد أطلق على جمال هذا الاسم تيمنـًا بجمال الأفغانى، بل لقد أوحى إليه أنه هو الأفغانى، وكان جمال الطفل عندما يُسأل عن اسمه يقول: «جمال الأفغانى«، وكان جمال البنا يزور الشيخ ويجلس معا ليؤنس وحدته، وفى الأيام الأخيرة عندما وهنت صحته كان يصاحبه، فقد كان هو دون إخوته متفرغًا لم يرتبط بوظيفة، ولم يكن متزوجًا وله أولاد، وكان يعيش فى بيت الأسرة، وهذه كلها ما كانت لتتوافر فى بقية إخوته، وعندما مرض مرضه الأخير، فإنه انتقل إلى شقة ابنه الأستاذ عبد الرحمن بالحلمية الجديدة، ليتمكن الأطباء من زيارته بسهولة، واصطحب معه كتبه وبعض مراجعه، وأدلى إلى جمال البنا بطريقة إتمام المسند ونصحه بالعودة لكتاب «البداية والنهاية« لابن كثير، لأن الجزء 22 عن التاريخ، وهذا الكتاب يعرض الوقائع التاريخية مع ذكر سندها.
لما مات الشيخ آلت مفاتيح مكتبته إلى جمال البنا، وظل جمال البنا محتفظاً بالمكتب، يدفع إيجاره، وفى الوقت نفسه يبيع الأجزاء المطلوبة ولكن عدم تعهده أدى لأن تزحف الرطوبة على كثير من مقتنياته من الجرائد والمجلات، وكان لدى الشيخ البنا مجموعة من أعداد جريدة «الإخوان المسلمين« اليومية، ذهبت بها الرطوبة، كما ظلت مكتبة الشيخ مصونة كما تركها، ولكن بعض الأيدى عبثت ببعض كتبها، وظل الأمر كذلك حتى صدر قرار بهدم البيت، ومن حسن الحظ أن جمال البنا كان قد توصل إلى شقة واسعة، فنقل فيها كل ما أمكن استنقاذه سواء من مكتبة الشيخ، أو من أوراقه الخاصة أو من بقايا الجرائد والكتب، ولا تزال حتى الآن، واستطاعت الأسرة أن تواصل الطبع حتى أصبح فى أربعة وعشرين جزءًا، وكانت نفقة هذا الطبع تقدم من بيع نسخ الكتاب، وكما قلنا فإن الشيخ رحمه الله كان يخزنها، ولما ضاق مخزنه، وقد كان فسيحًا أقام «صندرة«، وكان الشخص الوحيد المتفرغ من الأسرة للإشراف على الطبع واستكمال الشرح الذى كان الشيخ يقدمه للمطبعة أولاً بأول، هو جمال البنا، ولا تزال تزين مكتبه بمجلداتها الشاهقة، بالإضافة إلى مسودات الفتح الربانى، وبقية الكتب التى ألفها وبعض فصول من كتب لم يتمها.
لمعلوماتك...
◄1920 سنة ميلاد جمال البنا
◄1928 تاريخ إنشاء جماعة الإخوان المسلمين
جمال البنا يدلى بأسراره
عشت فى طفولتى الفترة التى كان إمام المسجد يصعد وفى يده سيف من خشب ويتلو خطبته من إحدى الأوراق الصفراء
الخميس، 15 يناير 2009 11:30 م
البنا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة