صبرى سعيد

المـال والفـن والغيـرة

الإثنين، 08 سبتمبر 2008 01:33 ص


منذ أواسط السبعينات ومع الثورة النفطية الثانية، سارع العديد من رجال المال والأعمال وبعض الأمراء، فى استضافة العديد من الفنانات العرب إلى بلادهم، على سبيل الاستضافة، ثم وجدناهم يتزوجون الواحدة تلو الأخرى ويدفعون "مهوراً" خيالية ومؤخرات صداق أكثر من الخيالية.

طبعاً .. السبب فى ذلك كان زواج المال بأهل الفن والشهرة، لما كان يمثل ذلك من وجاهة اجتماعية لهؤلاء الرجال وما يمثله أهل الفن والشهرة من قيمة اجتماعية تضاف إلى قيم هؤلاء الرجال المالية والسياسية، وسمعنا عشرات القصص عن هذه الزيجات، القليل منهم من نجح واستمر والكثير من أخفق وأثيرت الشائعات حولها من خيانات وابتزازات وغير ذلك، إلا أن الأمر الوحيد الذى لم يحدث فى هذه العلاقات سواء المشبوهة أم الطبيعية أنها لم تصل إلى حد التصفية الجسدية، وأيضاً لم تصل إلى حد سبق الإصرار والترصد لارتكاب الجريمة، ولم تصل إلى حد استئجار قاتلين محترفين لارتكاب هذه الجرائم، ولم تصل بالطبع إلى تورط أحد الضباط السابقين فى أحد الأجهزة الأمنية والذين أقسموا يمين الحفاظ على الأمن، حتى ولو انتهت خدماتهم الرسمية بشكل أو بآخر، فى هذه الجرائم.

الأمر الأكثر إثارة أن ظاهرة هؤلاء رجال المال والأعمال من البلدان المجاورة، كانت النخب المصرية تتعامل معها على أنها بلا ثقافة أو حضارة وأنها فقط عبارة عن صدفة تاريخية جغرافية استطاعت بموارد من محض الصدفة أن تنفجر على أراضى هؤلاء الرجال الذين صاروا بين لحظة وهنيهة يتفاخرون بأموالهم وراحوا يعبثون بها هنا وهناك، هذه كانت رؤية النخب المصرية تجاه رجال المال والأعمال من البلدان المجاورة، ولكن سرعان ما تبدل الحال وصار رجال المال والأعمال يملأون أراضى المحروسة منهم من كد وكدح وحقق من النجاح ما يستحقه لعوامل ذاتية كموهبته وكفاءته ولعوامل موضوعية كالظروف السياسية والاقتصادية التى ساهمت فى تفعيل هذه النجاحات وتحقيقها، ومنهم من صعد بسرعة الصاروخ بلا موهبة ولا كفاءة، فقط استغلال الظروف السائدة أسوأ استغلال بعلاقات مشبوهة، وتزاوجات غير شرعية واستغلال النفوذ وما إلى ذلك من آليات الفساد المتعارف عليها فى كل دول العالم. كل ذلك من الأمور الطبيعية خاصة فى بلد قيد التحول الديمقراطى والتفاعل مع العالم الجديد الذى تحكمه معايير العولمة بدءاً من الاقتصاد الحر وانتهاء بحرية الرأى والتعبير والاعتصام والإضراب وصناديق الاقتراع وغير ذلك من آليات الدولة العصرية.

ولكن من غير الطبيعى .. وفى ظل وطن كما قلنا قيد التحول .. أن يتم تسميم هذا التطور بممارسات تكشف أن الدولة العصرية ليست بعصرية وأن عصر الاقتصاد الحر ليس بحر وأن حريات الرأى والتعبير تحولت إلى حريات فى الإجرام والقتل .. والأخطر من الذى يمارس ذلك.. ليس مواطنين بسطاء دفعتهم الحاجة إلى فعل هذه الممارسات بحكم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية المجحفة .. ولكن من بعض الرجال الذين توفرت لهم جميع عوامل النجاح السياسى والمالى والاقتصادى والاجتماعى وتوفرت لهم عوامل النجومية مثلهم فى ذلك مثل الفنانين والرياضيين وغير ذلك، ولكن للأسف استخدموا هذه النجاحات والفائض من جميع الحاجات السياسية والاقتصادية فى ارتكاب جرائم التصفية الجسدية ليس لأغراض سياسية أو منافسات بين رجال أعمال فى سوق تنافسية، قد تكون إجرامية فى بعض الأحيان، ولكن تصفيات جسدية لعلاقات نسائية أياً كانت الأغراض التى لن ولم تبعد عن أن تكون بدوافع الغيرة والانتقام الذكورى المتعارف عليه فى مثل هذه الجرائم.

فمع الإيمان الشديد والقناعة التى لا ريب فيها، أن أى متهم وبأى تهمة هو برىء حتى تثبت إدانته وبشكل قانونى لا لبس فيه ولا افتراء، إلا أن قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وما أحاط بها من ملابسات كثيرة لا تدع المرء ينتظر البراءة أوالإدانة، خاصة بعدما قام النائب العام بإحالته هو وشريكه إلى محكمة الجنايات بعدما توفرت الشروط القانونية لذلك.

ولكن السؤال هل يصل الأمر برجال أعمال يمثلون قمة الهرم الاقتصادى فى وطن يبحث عن الوجود فى عالم اليوم، ويمثلون بمناصبهم السياسية والحزبية الرفيعة قمة الهرم السياسى، أن يندفعوا لمثل هذه الأعمال، قد تكون هناك دوافع لا ندركها ولا نعرفها، وستكشف عنها التحقيقات والمحاكمات، ولكن الأمر المؤكد أن هناك فقداناً للمصداقية لدى الرأى العام من بعض هؤلاء رجال الأعمال الذين تزاوجت أموالهم بالسلطة، وهو ما يجعل روح التشاؤم واليأس تزداد لدى عامة الناس.

وأخيراً.. حتى وإن برأت المحكمة صاحب المشروعات الاقتصادية العملاقة وحتى وإن كانت جريمته لها دوافع أخرى، وحتى وإن كان مظلوماً فى جميع ملابسات القضية، إلا أن هذه القضية أصابت الرأى العام بصدمة كبيرة تضاف لصدماته السابقة فى ظل غياب العدالة الاجتماعية المرجوة وفى ظل الحرمان الذى تحياه العديد من قوى المجتمع وفى ظل فقدان الثقة الكبيرة بين المواطن ودولته، وفى ظل الثقافة السائدة التى تتيح للمال أن يفعل أى شىء حتى ولو شراء المناصب.


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة