خالد الشريف يكتب:
إسلام تيك أواى أم وهابى متطرف!
الإثنين، 08 سبتمبر 2008 02:01 صمشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يزال الكلام الْمُرْسَلُ، البعيد عن الحقائق، فاشياً على أقلام بعض الزملاء من الصحفيين والكتاب، بلا حجة ولا برهان، ولا يستشعر البعض أمانة الكلمة، وأثرها فى النفوس. ولا أدل على ذلك من التقرير الذى اصطفت حروفه كلها هجوماً على سراب اسمه "الوهابية"، تحت عنوان براق مثير (وكلاء الوهابية فى صحن الأزهر)!
التقرير مبنى على قصة غريبة، لا يقبلها العقل، ومن هذا الذى يخبئ فأساً - ولا أدرى كيف - تحت ملابسه، لكى يهدم بها ضريح الحسين فى القاهرة؟! وهل الفأس بهذه الضآلة التى تمكن الإنسان من إخفائها بين ملابسه!؟ ثم لكى تكتمل الصورة فلابد وأن هذا الرجل جاء من السعودية، وهو يهذى بكلام غير مفهوم، وطبعاً، لا بد وأن يكون مجنوناً حتى تكتمل الحبكة وهنالك انهار الرجل، الذى كان يهذى!!، واعترف أنه جندى فى كتيبة الفكر الوهابى الذى يتبع تعاليم، كأنها دين مستقل، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذى كان يدعو لـ "تفجير" التماثيل، وهدم القبور، وبالمناسبة لم يكن على عهد محمد بن عبد الوهاب قنابل، ولا أسلحة دمار شامل!!
وإكمالاً للسياق غير المنطقى صار عمرو خالد ـ بقدرة قادر ـ وهابياً، وصار العلامة الشيخ يوسف القرضاوى زعيماً وهابياً وأضحى الأكاديمى الدكتور إبراهيم عوض وهابياً، وصار صلاح الصاوى الدكتور الأزهرى الكبير، وهابياً، وصار الدكتور المسير وهابياً .. حتى محمد عمارة صار وهابيا!!!
ونستطيع بالطبع أن نتفهم مقاصد هذا الحشد المتناقض تحت راية الوهابية، أن كل من دافع عن الإسلام ضد التنصير، وكل من عادى الهيمنة الأمريكية، وانتقد سياساتها وكل من حارب الشيوعية، وكل من عرض الإسلام فى صورة حسنة، وكل من دعا إلى تحرير العقول من خرافاتها، وتعلقها بالأموات، كل هؤلاء صاروا وهابية. إن الإنسان ليعجب من هذا الخلط العجيب من كتابات سيطرت عليها ثقافة الأذن، وأصيبت بالرُّهَاب من كل شىء، وصارت تخوض المعارك الدونكيشوتية ضد طواحين الهواء!
حتى الأزهر الشريف المؤسسة الدينية الرسمية التى تمثل اعتدال الإسلام، وصورته الناصعة، صارت على أيدى كتاب التقرير "بؤرة" يأوى إليها "وكلاء" الفكر الوهابى، والكلمة فيها ما فيها من اتهام بالعمالة للشرفاء من علماء الأزهر وأساتذته الكرام. ولعل كاتبى التقرير لم يقرأوا حرفاً للشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذى لم يزعم يوماً أنه زعيم جماعة، ولا أمير تنظيم، وإنما كان رجلاً عالماً، يحب الناس، ويدعوهم إلى الخير، ويعلمهم التوحيد.
نشأ فى بيئة نجد، ورأى - كما يحدثنا المؤرخون السالفون لنجد ـ كابن بشر، وابن غنام، والآلوسى، والمعاصرون كحافظ وهبة وغيره، مرتعاً للخرافات والعقائد الفاسدة التى تتنافى مع أصول الدين الصحيحة، فقد كان فيها كثير من القبور منسوباً إلى بعض الصحابة، وكان الناس يحجون إليها، ويطلبون منها حاجاتهم، ويستغيثون بها لدفع كروبهم، حتى إن الجهل بلغ بأحدهم أنه كان يقدس فحل النخل، اعتقاداً منهم أن مَنْ تؤمّه من العوانس تتزوج، وتظل بين يديه متضرعة: "يا فحل الفحول، أُريد زوجًا قبل الحول".
فأراد أن يضىء نفوسهم بنور التوحيد الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم، وذهب إلى البوادى يعلم الناس، ويرفق بهم، ويحملهم على تعظيم الله، وتوحيده، ولم يأتِ بدين جديد، ولم تسم أصحابه بأنهم وهابية، بل كان رجلاً من علماء الحنابلة، مثله مثل بقية العلماء فى عصره، إلا أنه تميز عنهم بالرغبة الصادقة فى تحرير النفوس من الأوهام والخرافة، وبناء الحضارة الإيمانية المرتكزة على قاعدة التوحيد، ونور الإيمان، فلقى ما لاقى من عنت، ولكن بقيت جهوده حية إلى يوم الناس هذا.
ورحمه الله إمام الأدب أبو فهر محمود محمد شاكر فى كتابه الرائع: "رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا"، الذى عندما تحدث عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أكد أنه كان أحد أركان الإصلاح فى العالم الإسلامى، ولم يكن رجلاً أهوجاً جاهلاً، هدفه القتل والتدمير والتفجير والتكفير!
إن التقرير المشار إليه يصور الوهابية وكأنها دين جديد، وكأن الأساتذة الأجلاء يمدون أياديهم لتلقى الهبات، ويبيعون دينهم من أجل المال المزعوم! يبدو أن المطلوب منا إسلامٌ بلا هوية ولا قُوَّةِ صد ولا حائط دفاع ولا ثقافة حية، إسلام "تيك أواى"، يقبل الكل، ويحب الكل، ويخضع للكل، ويفتح نوافذه للكل، وفى النهاية تُمْحَى هويتنا، وتضيع معالمنا، خشية من التهم المعلبة، والعبارات الرتيبة التى مللناها، من قبيل الإرهاب الفكرى .. فإن لم نفعل صرنا جميعاً وهابية!!
رحم الله العلامة الجليل الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر عندما سئل فى إحدى الندوات عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قال: هو عالم جليل صاحب دعوة إصلاحية، جاءت لتطهير العقيدة من الشرك.
رحمة الله على زمان العلماء والفكر والأدب والأمانة!
وكلاء الوهابية فى صحن الأزهر
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة