لم يمر شهر على كارثة حريق مجلس الشورى، لتسقط فوق رؤوسنا كارثة جديدة بالدويقة تطل علينا بأكثر من 31 جثة و47 مصابا ومازالت أوراق التحقيقات لم تقفل.
منطقة الدويقة بمنشية ناصر، اعتاد قاطنوها على اهتزاز الجبل الذى يسكنون فوقه على فترات متباعدة، ولكن يبدو أن الجبل أعلن عن ثورته منذ البدء فى إنشاء مشروع مساكن سوزان مبارك، وكانت كارثة السبت الخاتمة لسلسلة الاهتزازات التى كانت تتساقط على أثرها بعض الصخور وينجم عنها خسائر بسيطة.
لم يمنع الجبل سكانه من العيش فوق صخوره، واعتادوا على تسلقها، وصنع الجبل لهم منحنيات، كونت لهم ما هو أشبه بسلالم يستعملونها فى الصعود والهبوط من الجبل، يلاحقهم الخوف كل يوم بسبب قلقهم من انهيار منازلهم.
بالدويقة ينقلب الهرم الاجتماعى لتحمل قمة الجبل أناسا "غلابة" كل رصيدهم بيت أو حجرة لا تتجاوز 8 أمتار، لتحميهم من شظف العيش فى الشارع، يعملون بمهن يسمونها "مهناً هامشية"، ويطلون على المدينة الحقيقية أسفل الجبل ببيوتها الأسمنتية ذات البنايات الشاهقة من أعلى، متمسكين بالصبر وقلة الحيلة وخيبة الأمل.
لم يكن انهيار الدويقة السبت أول انهيار للجبل، فقد نتج عنه أكثر من حادثة على مدار 25 عاماً، وتزايد عدد الحوادث مع بدء العمل فى مشروع سوزان مبارك، وبدأ الرعب يطارد الأهالى، بسبب الاهتزازات الشديدة التى تصاحب عمل الحفارات وآلات البناء، وأرسلوا أكثر من 40 شكوى إلى العديد من الجهات، منها المحافظة والمركز القومى لحقوق الانسان، وحى الدويقة متنبئين بأن هذه الكارثة من الممكن أن تحدث.
حملت شكواهم تفاصيل ما يقوم به المقاول من تكسير أجزاء من الجبل، مستخدما وسائل بدائية جداً وغير آمنة، لكى يكسر الأجزاء "البايشة" الذائبة من الجبل بسبب مياه المجارى والصرف الصحى، مما يسبب تساقط الحجارة بكتل كبيرة جداً تجاه هذه المنازل، وأدى بصورة أكبر إلى خلخلة الجزء المائل من الجبل، الذى سقط هذه المرة على البيوت.
بعد سقوط اثنين من العمال، طالب المقاول رئيس الحى والمحافظ أن يقوما بإخلاء البيوت المتهالكة أمام الجبل، لأنه لا يستطيع العمل، نظراًَ لخطورة الوضع على المواطنين، لكن طلبه لم يجد اهتماما ولا استجابة من أحد، وأقدم الحى بعمل محاضر مخالفات للمبانى لأغلب السكان الموجودين فوق الجبل، وتحولت تلك المحاضر إلى قضايا حكم فى بعضها بالحبس والغرامة التى وصلت إلى ١٠ آلاف جنيه فى بعض الحالات.
وعلى الجانب الآخر، قام الحى بعمل مخدة ترابية لكى تمتص هذا الانهيار، ومع ذلك لم يقوموا بترحيل المواطنين من المنطقة، على الرغم من علمهم بخطورة الوضع.
فى 21 مارس 2001 بعث المقرر الخاص للأمم المتحدة الخاص بالحق فى السكن رسالة إلى وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان، بشأن قضية سكان الدويقة والتى تمت إزالة منازلهم (25 منزلاً) يطالبه فيها بضرورة الالتزام بالمعايير الدولية، والتزام مصر بتطبيق العهود والاتفاقات الدولية الخاصة بالحق فى سكن مناسب، كما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان المادة 25 فقرة 1، والعهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المادة 11 فقرة 1، واتفاقية حقوق الطفل المادة 27 فقرة 3 واتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة المادة 5، وأشار المقرر الخاص إلى أن مصر موقعة ومصدقة على كل هذه الاتفاقيات.
ورداً عليه، قام الوزير محمد إبراهيم سليمان (عضو مجلس الشعب عن المنطقة) بمنح أصحاب البيوت المزالة شققا فى مدينة بدر والتى تبعد أكثر من 40 كيلو مترا خارج القاهرة، مع مطالبة السكان بمقدمات ورسوم كأى مواطن يتقدم لشراء وحدة سكنية فى مدينة بدر، متجاهلين أن كل ما يملك هؤلاء السكان، الذين لا يملكون الآن قوت يومهم، كان قد دمر تحت الأنقاض، وكذلك حقوق السكان فى مسكن بديل وملائم وتعويضات عن الأضرار التى لحقت بهم.
وأثناء انتخابات مجلس الشورى وعد عضو مجلس الشورى وزعيم الأغلبية بالحزب الوطنى محمد رجب السكان بحل مشكلتهم إذا وقفوا بجانبه فى المعركة الانتخابية، وبعد نجاحه فى الانتخابات تنصل منهم، وأخبرهم أنه ليس لديه حل لمشكلتهم.
وتنبأ الأهالى بحدوث هذه الكوارث، ففى شهر يناير بداية عام 2007 استغاثت ٣٤ أسرة فى منطقة الدويقة بالسيدة سوزان مبارك لنجدتهم، بعد أن أوشكت منازلهم الواقعة تحت تلال الدويقة على السقوط، واتهموا جهاز القاهرة للإسكان والتعمير، التابع لمحافظة القاهرة، بالتسبب فيها، بعد إزالة ٥٠ منزلاً وتهجير سكانها إلى مساكن سوزان مبارك الجديدة.
وبعد الانهيار الجبلى الذى حدث فى أوائل ٢٠٠٧، ذهب الأهالى إلى رئاسة الحى، الذى وعدهم بأنه سيتخذ إجراءً سريعًا لنقلهم مع الحصر الجديد لجهاز القاهرة للإسكان والتعمير إلى مساكن سوزان مبارك الجديدة، لكنهم حرموهم فى الحصر الأخير عام ٢٠٠٧ من إلحاقهم بالمساكن الجديدة، لتتحول حياتهم إلى مأساة حقيقية.
وفى بداية عام 2008 تقدم ما يزيد على 2800 مواطن من سكان شارع الخزان بالدويقة بشكوى جديدة إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان يتضررون فيها من الانهيار الصخرى الذى يهددهم ومن التصدعات الكثيرة بمساكنهم بسبب انهيار هذه الصخور.
كان أهالى شارع الخزان قد فوجئوا بانهيار إحدى الصخور وتقدم الأهالى بشكوى إلى الحى، الذى لم يتحرك، وطالب الأهالى بالسكوت أو الإخلاء الإدارى دون أن يأخذوا مساكن بديلة، أدى هذا التهاون والاستهتار بأرواح الناس لحدوث الكارثة وفتح سيلاً من التصريحات المخدرة التى دائما ما تصاحب الكوارث.
موضوعات متعلقة:
◄ محافظ الفيوم يتبرع بـ5 آلاف جنيه لأسر الدويقة
◄ الكتل الصخرية تنهار فوق سكان العشش بالدويقة
◄ وزير الإسكان السابق: هو حصل إيه فى الدويقة؟
◄ بغدادى: انهيار الدويقة أسوأ من غرق العبارة
◄ النائب العام يبحث أسباب انهيار الدويقة
◄ القوات المسلحة تبادر بإنقاذ ضحايا الانهيار
◄ توقع انهيار صخرة ثانية تهدد سكان الدويقة
◄ مبارك يتابع حادث الدويقة
◄ دراسات توقعت انهيار الدويقة لم يلتفت إليها أحد
◄ تطوير حى منشأة ناصر .. اقتصر على مبنى الحى فقط!!
◄ حى منشية ناصر سبب كارثة الدويقة
◄ حى الدويقة .. وعود لم تنفذ!
◄ دفن المصريين تحت أنقاض جبل المقطم
◄ ارتفاع ضحايا الدويقة إلى 31 قتيلاً و47 مصاباً
40 شكوى أرسلها الأهالى إلى الحى والمحافظة والمجلس القومى لحقوق الإنسان
انهيار الدويقة مع سبق الإصرار والترصد
الأحد، 07 سبتمبر 2008 12:19 م
انهيار الدويقة السبت لم يكن أول انهيار للجبل - تصوير: عمرو دياب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة